»المساجد قديماً كانت تُستخدم فى كل شئون الحياة.. لماذا لا نستفيد اليوم من هذا الدور.. ولماذا لا نستخدم المساجد يومياً فى تعليم الناس وتعليم أبنائنا«.
»هناك من يتساءل: هل نبنى مدرسة أم نبنى مسجداً؟! ولم لا نبنى جامعاً يحتوى على مدرسة؟! لدينا الكثير مما يمكن أن ننجزه«.
>>>
ما تقدم ليس كلامي، لكنه جزء من كلمة الرئيس السيسى التى ألقاها يوم الثانى والعشرين من شهر ابريل المنتهي، فى احتفال الأكاديمية العسكرية العليا بتخريج أول دفعة من الدعاة الجدد لوزارة الأوقاف.
وقد لقيت هذه الكلمات ترحيباً وارتياحاً كبيرين فى البيوت ومن الأسر المصرية، ومن الرأى العام فى الشارع، ومن الأوساط الدينية والتربوية الرسمية جميعاً.
ومنشأ هذا الترحيب وذلك الارتياح يعود إلى أن الرئيس طرح بهذه الكلمات مبادرة مهمة لإعادة فتح المساجد طوال اليوم وتفعيل دورها الدينى والتربوى والتنويرى فى المجتمع، لينهى بذلك وضعاً استثنائياً استمر عقوداً حتى كاد أن يصبح طبيعياً، وهو إغلاق المساجد طوال اليوم وعدم فتحها إلا فى أوقات الصلوات الخمس فقط واستبعاد أى أنشطة أخرى داخلها.
نشاطان فقط توافق الجمهور على ربط مواعيدهما بمواقيت الصلوات الخمس، هما صلاة الجنازة على الموتى وعقد القران لمن يطلب من أهل أى عروسين.
وقد اضطرت الدولة إلى فرض هذا الوضع الاستثنائي، حين تصاعدت جرائم الإرهاب فى الداخل، وحين انحرف البعض بدور المساجد وحولوها من بيوت الله إلى أوكار للتخطيط للإضرار بالمجتمع، وحين استخدمت منابر المساجد فى الدعوة للتطرف، ووجهت تبرعات المواطنين وأموال زكاتهم لغير الوجوه الشرعية المحددة لها، خدمة لأهداف جماعات وتيارات معينة.
وللأسف، دفع المجتمع ثمناً غير قليل لهذا الوضع الاستثنائى بخلاف ما دفعه فى الحرب نفسها ضد الإرهاب.. ففى ظل إغلاق المساجد وتقليص دورها إلى حده الأدني، نشطت المقاهى ونواصى الشوارع ومواقع السوشيال ميديا وبرامج التفاهة والانحطاط فى بعض منصات الإعلام، وتحولت إلى مراكز جذب للشباب والأطفال، فغابت القدوة، وتفككت الأسرة، وانتشر العنف، وتراجعت القيم والسلوكيات السوية، إلى آخر ما عانيناه ومازلنا نعانى منه خلال هذا الوضع.
وربما ـ بل أكاد أؤكد ـ أن هذه المعاناة كانت بين دوافع الرئيس لإطلاق هذه المبادرة.
إن إنهاء هذا الوضع الاستثنائي، يمثل ـ فى رأيى نقطة تحول مهمة فى مسار الدولة، لا تقل عن إعلان الرئيس منذ سنوات قليلة إنهاء الوضع الاستثنائى العام الذى كان يفرضه قانون الطوارئ على المجتمع، ورسالة بعودة »مصر القوية« إلى الوضع الطبيعى الذى يتحرر فيه المجتمع ـ تدريجياً ـ من قيود أصبحت جزءاً من الماضي.
لقد بدا الرئيس وهو يتحدث إلينا بهذه المبادرة، وكأنه يفكر معنا بصوت عال.. يثير أسئلتنا.. ويقدم إجابات، دون أن يحدد موعداً أو شكلاً معيناً للتنفيذ.
هذا يعنى أن المبادرة تحمل دعوة رئاسية لكل مؤسسات الدولة ذات الصلة بموضوعها، بأن تتحرك، وأن تنسق فيما بينها على أعلى مستوي، من أجل وضع خطة عمل شاملة ومحكمة، تترجم ما طرحه الرئيس إلى أهداف وتحدد آليات تنفيذها على أرض الواقع، وضمانات استقامتها وعدم السماح باختراقها مرة أخرى من أى أطراف لا تلتزم أو تحترم المصالح العليا للوطن والمواطنين.
وأظن أن فى مقدمة مؤسسات الدولة المعنية بهذه المبادرة، رئاسة مجلس الوزراء، ووزراء الأوقاف والتعليم والشباب والإدارة المحلية والتضامن الاجتماعى والداخلية.
وأن خطة العمل لابد أن تضمن ـ بالدرجة الأولى ألا يعتلى منابر المساجد فى خطبة الجمعة أو يلقى دروساً دينية فى غير الجمعة إلا المؤهلون لهذه المهمة الرفيعة.
وأن تعيد للمساجد حقها فى استقبال التبرعات وأموال الزكاة من المواطنين تحت رقابة منظمة ومزدوجة لا تضمن فقط مشروعية مصادر الأموال، بل وشفافية التصرف فيها بالطرق الشرعية.
وبالطبع، فإن المبادرة تفتح الباب أمام عودة تنظيم المساجد لمجموعات تقوية للطلبة، وجلسات مراجعات للمناهج، كما تتيح عودة نشاط تحفيظ القرآن، سواء من خلال إعادة نظام الكتاتيب أو بدونه.
إن المبادرة تضع على عاتق المجتمع كله ومؤسساته مهمة ليست سهلة، وهى إعادة صياغة منهجية متطورة لدور المساجد فى المجتمع، دينياً ودنيوياً، بما يؤدى إلى تصحيح الاختلالات والانحرافات الدينية والأخلاقية والسلوكية التى ابتلى بها المجتمع، وتهدد هويته ومستقبل أبنائه.
وهى مهمة سوف تتطلب تمويلاً إضافياً كبيراً، سواء من خلال مؤسسات الدولة المشاركة فى هذه المهمة، أو من خلال إيجاد مصادر تمويل من مشروعات إنتاجية وخدمية تقيمها المساجد، لأن فتح المساجد طوال اليوم وتعدد أنشطتها سوف يرفع تكلفة استهلاك المياه والكهرباء وكل المرافق بها.
لكنى أري، من خلال متابعة ردود الفعل الإيجابية للمبادرة، أن هناك استعداداً مجتمعياً لتحمل مسئولية إنجازها على أتم وجه.