صعد الإمام المنبر ليخطب فينا خطبة الجمعة التى جاءت تحت عنوان «وما النصر إلا من عند الله» المعنى واضح لا يحتاج تفسيراً.. لأنه يأتى فى زخم الاحتفالات بأعظم أمجاد وانتصارات الدولة المصرية العظيمة.. توقعت ان الإمام سيتناول معجزة النصر وكيف كانت يد الله حاضرة فى الأخذ بالثأر واستعادة الأرض والكرامة.. وذلك ذروة الحق الذى أولته الكتب السماوية اهتمامات ومساحات عريضة من معانيها ومقاصدها.. قولاً واحداً لم يذكر الإمام ولو بكلمة واحدة ما تحقق فى نصر أكتوبر.
لا أخفى عليكم المعانى والأفكار التى دارت فى ذهنى حول هذا الخطيب.. قلت لنفسى لماذا هؤلاء لا ينحازون أو يميلون لكل ما هو وطنى وفخر ومجد للدولة المصرية؟.. ولماذا هؤلاء وأمثالهم يدعون فى نهايات خطبهم إلى مصر وشعبها وأن يديم المولي- عز وجل- عليها نعمة القوة والقدرة والأمن والاستقرار والعجيب ان الإمام يرى بعينيه ان من بين المصريين الشقيق السودانى واليمنى وغيرهما من الأشقاء الذين تعرضت أوطانهم لنكبات وكوارث وأزمات أطاحت بالأمن والأمان.. وأكلت الأخضر واليابس.
خطيب الجمعة «4 أكتوبر» أعلن عنوان «خطبة الوزارة» وقالها بالنص «الوزارة».. «وما النصر إلا من عند الله» أى ان وزارة الأوقاف عنونت الخطبة بهذا العنوان الذى يحمل المعنى بوضوح وان الحديث سيكون عن نصر أكتوبر العظيم.. والحقيقة ان ملحمة العبور فى السادس من أكتوبر 1973 العاشر من رمضان ثرية بالعبر والدروس والمعانى الدينية والوطنية والعسكرية العظية ومليئة بالمعانى السامية فى عدالة القضية والإيمان بالحق والتضحية من أجله وأسمى معانى الفداء والتضحية فى سبيل الله والوطن.. وأسباب النصر العظيم.. بعد انكسار كان يمكن ان يكسر ظهر هذه الأمة.. ومن الممكن أن يتطرق الحديث عن شهادة نبوية على لسان نبينا الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- انهم خير أجناد الأرض.. وكيف ان الاستفادة من دروس الانكسار وتحويله إلى انتصار عبر الأخذ بأسباب بمقومات العلم والتخطيط من أجل تحقيق النصر.. كنت انتظر من خطيب «الجمعة» والشباب والأطفال من الذين لم يعاصروا زمان وأيام النصر ان يستفيض فى عظمة ما حققه أبناء هذا الوطن وكيف كانت يد الله ونصره حاضراً فى ساحات القتال.. خاصة ان جيش مصر العظيم أخذ بأسباب ما أمر به المولي- عز وجل- «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».. وكيف ان لهذه الأمة جيشاً عظيماً.. فأمجاد وانتصارات الأوطان وغرس روح التحدى والفداء والكرامة هى من الدين.
الخطيب ذهب بعيداً ولم يصوّب تجاه الهدف.. لم يذكر أى شيء عن نصر أكتوبر أو حتى الاشارة إليه بنصف كلمة.. إشارة أو حتى تلميحاً.. خلت خطبة الجمعة التى خصصت لنصر أكتوبر العظيم من أى ذكر أو حديث عن هذا المجد والنصر الاستثنائى الذى أعاد الكرامة للأمة.. وأحيا سيرتها واستعاد أمجادها وجسد قدرتها على تحقيق النصر بل وأعاد لها الحياة.
لاشك أننا كمصريين أكثر من فى الأرض دولة وقيادة وشعباً وجيشاً انحيازاً وانتصاراً وتضحية ومساندة ومؤازرة لنصرة القضية والحق الفلسطينى المشروع.. ولا أحد يمكن قولاً وفعلاً ان يزايد علينا و على مواقفنا وكراهيتنا للعدو والكيان الصهيوني.. لكن خطيب الجمعة ولا أدرى ما هو تكوينه الفكرى والوطنى حوَّل الحديث عن نصر أكتوبر.. إلى حديث وكأنه 7 أكتوبر تحت ما يسمى «طوفان الأقصي» تحدث عن نصرة غزة.. ولماذا يستمر هذا القتل رغم الدعاء مؤكداً ان السعى والمقاطعة والتبرع لأهالينا فى غزة وهذا أمر جميل ولكن الحديث لم يكن مخصصاً عن غزة وكان يمكن ان يربطها بنصر أكتوبر فى ربط بين الماضى الذى لا يموت والحاضر الذى لا ينتهى وان يكون الحديث عن نصر أكتوبر هو البطل والقضية المحورية التى تتركز عليها مقاصد خطبة الجمعة لكن «الشيخ» لم يذكر كلمة واحدة عن نصر أكتوبر ولو بجملة واحدة سواء فى بداية الخطبة أو نهايتها.. والغريب أيضاً أنه ومعه بعض المشايخ لا يختمون خطبة الجمعة بالدعاء لمصر وأن يحفظها رب العالمين من كل سوء ويديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار وهى من تستقبل الأشقاء من دول عدة يعانون أزمات خطيرة فى أوطانهم خطفت الأمن والأمان والاستقرار.. فكانت مصر قبلتهم لينعموا بالاطمئنان والاستقرار والكرم من أهل مصر وأرضها وقيادتها التى تعتبرهم ضيوفاً كراماً وليسوا لاجئين.
على مدار السنوات الماضية خرجت بنقاط مهمة عن بعض المشايخ أنهم يتغافلون لا أدرى عن قصد أو بدون قصد أن وطنهم له الأولوية فى كل شيء وأنه صاحب الفضل والمحبة بعد رب العالمين وأنه الأولى بالدعاء والحديث والدعوة إلى الوحدة والتكاتف وبناء الوعى فى هذه الأوقات بالغة التعقيد.. ويأتى أى بلد آخر بعد مصر.. فلا يمكن وبأى حال من الأحوال ان تكون خطبة وزارة الأوقاف «وما النصر إلا من عند الله» عن حدث جلل وعظيم ونصر هو فخر الأمة يتم انكاره وعدم تناوله باستفاضة دروس وعبر ورسائل ايجابية من الأخذ بأسباب العمل والعلم والاستعداد والحق والفداء والتضحية والانتماء والولاء.. ليذكر العنوان فقط وهو «وما النصر إلا من عند الله» دون الحديث عن ملحمة العبور ودروسها.. ثم يتناول خطيب الجمعة موضوعاً آخر وكأنه يتخطى ذلك ولا أدرى ما يدور بداخله خاصة أننى ذهبت إليه معاتباً قلت نصاً.. «يا شيخ تعيش فى مصر وتنعم بأمنها واستقرارها وجئت إلى المسجد لتخطب فينا آمناً مطمئناً لبست أفضل الثياب تتطيب بريح المسك لا تخشى من خوف تنعم بكافة الفرص تركت أبناءك وأنت تعلم أنهم بخير أليست هذه نعم.. وغيرها وفرها وطن آمن ومستقر وقوى وقادر يستحق أن يكون همك وشغلك الشاغل هو ان تستمر مسيرة هذا الوطن.. ألا ترى أمامك أشقاء يصلون معنا من اليمن والسودان فى نفس المسجد.. سألته لماذا لم تذكر ولو بكلمة وا حدة نصر أكتوبر العظيم رغم انه عنوان وموضوع خطبة الجمعة التى أقرتها وزارة الأوقاف وصعدت المنبر للحديث عنها.. الغريب انه بادرنى انه سقط عنده سهواً.. لم يتذكر وأنه سيتحدث عن ذلك فى خطبة الجمعة القادمة ربما كان سؤالى صادم.. ومربك ومفاجئ».
أضع الموضوع برمته بين أيدى وزير الأوقاف وأشد على يديه نحن فى وقت معقد وأيام صعبة وخطبة الجمعة كنز وثروة لبناء الوعى وأعظم منصة جماهيرية يمكن ان تخاطب من خلالها ملايين الناس.. وتدعم تعاليم الدين ومقاصده وغاياته فى ترسيخ الوطنية والولاء والانتماء والفخر بأمجاد الأمة ثم الدعاء لهذا الوطن بدوام النعم والحفظ والسلام والقوة والتقدمة.
تحيا مصر