عندما تغيب شمس الإنسانية.. وتغرب المواثيق والقوانين الدولية بغير شروق.. وتصبح المنظمات الدولية.. مجلس الأمن والأمم المتحدة وحقوق الانسان.. مجرد كيانات تنفذ أجندة الكبار وتكيل بمكيالين.. تصبح القوة فقط هى لغة الحوار.. وهى السلاح لمن أراد قتالاً.. وهى اللسان لمن أراد خطاباً.. ويتحول النظام العالمى الجديد الذى طالما روجت له الولايات المتحدة الامريكية ومن خلفها أوروبا من خلال اتفاقيات الجات والعالم المفتوح اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً.. إلى نظام هيمنة الاقوي.. وسيطرة المقتدر ولا بقاء فيه لناشئ أو ضعيف.. إذ كيف مثلا توازى بين دول كبرى متقدمة صناعياً وقادرة وبين دول «كى جى ون» صناعة وتستهلك ما تنتج.. كيف تنافس الأكثر تقدماً.. وصار النظام العالمى الجديد.. قوة واحدة تحرك قطع الشطرنج كيفما تشاء ووقتما تشاء.. وحسب مقتضى مصالحها وتوجهاتها.. وصارت الشعارات التى كان يروج لها النظام العالمى الجديد.. عن العيش والحرية والديمقراطية مجرد ستار خادع لا وجود له يمرر عبرها أجندته.. ويلوح بها وقتما يشاء وضد من يريد.. لكن جاءت احداث غزة الأخيرة وحرب الإبادة الجماعية التى تشنها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.. وجرائم الحرب الدامغة بالصوت والصورة التى يرتكبها جنرالات الاحتلال لتكشف تماماً عورات النظام العالمي.. وتسقط آخر ورقة توت كان تستر هذا العالم.. وصارت الكيانات الكبيرة.. والاسماء الضخمة.. المحفورة فى وجدان الشعوب.. والتى كان مليارات البشر يعولون عليها كثيراً فى القرارات والاحداث المصيرية.. مثل مجلس الأمن.. والأمم المتحدة.. والمنظمات الدولية الحقوقية.. مجرد كيانات تهيمن عليها المصالح الغربية ويحركها القطب الأوحد ذاته الذى يتحكم فى توجهات وتحركات هذا العالم.. حتى وإن بلغ الجرم مداه.. بل زاد عن حده واستيقظ ضمير هذه الكيانات.. مثلما حدث مع المشاهد القاسية لجرائم الإبادة الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.. وحاولت اتخاذ قرار انسانى لوقف العدوان الإسرائيلى الغاشم ضد شعب أعزل.. حال «الفيتو الامريكي» دون ذلك.
>>>
.. لقد بات واضحاً للجميع أن اللعب الآن على المشكوف وأن ما كان يدور من وراء الستار.. وما يغلف بنوع من الدبلوماسية.. صار مكشوفاً على الملأ.. وأدرك العالم بأسره.. أن القوة هى لغة الحوار.. وأن قوة الردع هى درع الحماية.. وأنه لن يحك جلدك إلا ظفرك.. وأنه لن يحمى الأوطان إلا جيوشها.. ولن يبنى مستقبلها إلا سواعد ابنائها.. ويخطئ الف مرة من يتصور أن أمريكا يمكن أن تسانده وقت الأزمة.. أو تقف إلى جواره عند الشدة. وان الارتماء فى الحضن الأمريكى اشبه بحضن العندليب المليء بالأشواك والعذاب.. وان أزمات المنطقة وعذابها صناعة امريكية.. حتى وأن كان الفاعل دولة الاحتلال الصهيونية.. فهى ولاية امريكية فى الشرق الأوسط.. وقالها الامريكان صراحة إنه لو لم تكن هناك إسرائيل.. لخلقناها فى ذات المكان.. وقالها رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف بنيامين نيتنياهو.. ان احداث غزة.. بداية لشرق اوسط جديد تكون فيه إسرائيل من النيل للفرات.. بل واستعرض خريطة دولة الاحتلال المزعومة.. وردد خرافات وأحلاماً من وحى خيال مريض وأوهام لا وجود لها إلا فى وجدان المتطرفين من ابناء الدولة الصهيونية.. لكن الواضح تماماً.. أن إسرائيل ليست دولة سلام ولا تطبيع ولا حسن جوار.. ويمكن أن ترتكب من الجرائم ما لا يخطرعلى بال أى دولة حتى لو كان بينهما ميثاق وعهد.. وعودوا إلى قبائل بنى قريظة.. وبنى النضير.. وبنى قينقاع.. كيف نقضوا العهد وكيف خانوا الميثاق.. فتلك طباعهم وعهودهم.
>>>
علينا جميعاً نحن العرب.. الآن ودون تسويف.. إعادة ترتيب الأوراق.. والعلاقات.. وإدراك أن الأوطان العربية لن يحمى مواردها إلا جيوشها وقوتها.. وعلينا أن ندرك أن قوتنا فى وحدتنا.. قوتنا فى تسخير كل مواردنا لحماية مقدراتنا.. علينا أن نمتلك ما يملكه الآخرون.. ونستوعب دروس اليوم.. ونستفيد من تجارب الماضي.. ونقف على معطيات الحاضر.. ونملك مقدمات ومفاتيح نوافذ المستقبل.. ليكون لنا مكان فى عصر القوة.