العالم يتغير بسرعة مذهلة لا يتصورها عقل، التغيير عنيف وفى كل الاتجاهات وتفاصيله مزعجة ومعقدة إلى أبعد الحدود، الخبراء والعلماء والمراقبون لم يفشلوا فى التنبؤ واستشراف المستقبل فحسب، بل فشلوا فى تفسير اللحظة الراهنة وما يدور فيها فجلسوا على الأرائك ينظرون.
فما أصعب هذا الزمان الذى يختلط فيه الحابل بالنابل ويصبح الحق فيها وجهة نظر وتتحول الثوابت إلى متغيرات وتطرد العملة الرديئة العملة الجيدة من الأسواق وتحاول الكلاب أن تتسيد الغابة وتتوارى خجلاً كلمات الحق والعدل والمساواة فى مواجهة بذاءات أهل الباطل، أصبح قول الحقيقة مرًا مرارة العلقم فى الحلوق وبات الدفاع عن الحق تهمة قد تحيل حياتك إلى جحيم وقد يُزج بك إلى سجن نفسك داخل قلاع الصمت كما تحدثنا هنا بالأمس، ومع تسليمنا بأن إدراك الحق ومعرفة الحقيقة أمور غير مطلقة ويغلب على معظمها طابع التغير وفقا لما يتوافر من معلومات وبيانات وحقائق قد تجعل المرء منا شديد الحذر فيما يؤمن به من أمور تدفعه للدفاع عنها بجسارة، نعيش فترات صعبة للغاية إعمال العقل فيها نوع من الجنون فلا يوجد ثابت أخلاقى يردع الكاذبين عن كذبهم ولا المزيفين عن زيفهم ولا المنافقين عن نفاقهم ولا العابثين عن عبثهم، لا يوجد كذلك حد أدنى من الجهد يبذله أولئك الجالسون على أرائك المثقفين والمفكرين وأولى النخبة حتى يخلقوا سياقًا عامًا من الثقافة والفكر الذى يرمم ذاكرة ووعى الامة، بيد أننا أمام معضلات كبرى تحكمها خوارزميات شديدة التعقيد والتداخل فى وقت لم يعد فيه الإعلام كما كان فيما مضى يسير على قضبان كلاسيكية مصنوعة من فنون الخبر والمعلومة والتحليل والتعبئة والتوعية فحسب بل تحول إلى كونه أصبح سلاحاً فتاكاً وفى الخطوط الأمامية من المعارك الكبري، فالإعلام بفنونه وأدواته يمكن أن يحسم معركة دون إطلاق رصاصة واحدة.. فصرير الأقلام التى أقسم بها رب العزة فى مطلع صورة القلم عندما قال جل فى علاه «ن والقلم وما يسطرون» أراها أكثر إيلامًا من أزيز الطائرات وأصوات المدافع وطلقات الرصاص، كما تعد الفصاحة والخطابة ومهارات التواصل هى الأبواب الملكية للنفاذ إلى قلوب الناس فسيدنا موسى نادى ربه طالباً المدد الإعلامى «وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أفصح منى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِى إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ» وهذا دليل على أهمية وعِظم الكلمة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، من هنا ولأجل هذا نجد الرئيس السيسى يركز على أهمية الإعلام كإحدى أهم أدوات بناء الوعى الجمعى للأمة، فالكُتّاب والصحفيون والمفكرون والمثقفون ونجوم الفضائيات والمؤثرون على منصات التواصل المختلفة مدينون للكلمة وعليهم جميعا أداء ما عليهم من ديون أخلاقية للحفاظ على قدسية الكلمة بين جنبات محراب الوعي، فما أعظم مهنتنا ومع عِظم مسئوليتنا تقف الكلمة حكماً بين الحق والباطل، وفى هذا الزمان نجد الباطل يمرق بين الناس كما السهم من الرمية وهذه مسئولية إضافية مقدسة فلا يجب أن نكتفى بقول الحق دون مواجهة ومجابهة الباطل وأهله.