تواصل مصر عنايتها بالبناء الاجتماعى للإنسان فى مختلف جوانبه الصحية والفكرية والعلمية والتعليمية والأخلاقية، حيث تحرص القيادة السياسية على تحصين الإنسان من ثالوث التخلف من فقر وجهل ومرض، وقد شهدت مصر فترة تم استغلال حاجة الناس الفكرية والاجتماعية، لذا حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى إطلاق عدد من المبادرات التى تحفظ للمصرى كرامته وجاءت البداية بمبادرة حياة كريمة ثم مبادرة 100 يوم صحة ومبادرة تكافل وكرامة، وأخيرا جاءت مبادرة بداية جديدة، وتلك المبادرة تختلف عمن سبقها بأن الدولة حددت لها إطارا زمنيا مقداره 100 يوم بهدف تكثيف الإنجاز.
علماء الدين أكدوا أن تلك المبادرة إحياء للنفس الإنسانية بمفهومها الشامل بما يساعد على تحقيق خلافة الإنسان لله فى الأرض، وتأكيد على المنهج الإسلامى بأن إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء للعالم أجمع، وأن الآدمى بنيان الرب.
أوضح د. مجدى عاشور من علماء الأزهر الشريف أن تلك المبادرة تجسيد حقيقى وفعلى لمدى عناية الدولة بأبنائها فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى شهدها العالم خلال السنوات الماضية وأفرزت تداعيات سيئة على البسطاء، لذا كان على الدولة التحرك فى جوانب إضافية لتنمية الوضع الاجتماعى للبسطاء من خلال الدعم المالى من ناحية، والتدريب العملى من ناحية أخرى بما يساعدهم على تحقيق الذات فى أعمال مناسبة وفق آليات السوق الحديثة.
مضيفا: ليس عنا ببعيد ما شهدناه خلال فترات زمنية من محاولات تيارات التطرف والتشدد واستغلال الظروف الإنسانية الصعبة لبعض الأشخاص بهدف السيطرة عليهم فكرياً وتفخيخهم سلوكياً ضد الدولة مما يجعل توجيههم وقت اللزوم بمثابة أمر هينٍ، وقد رصدت التحقيقات القضائية مع العناصر الإجرامية التى تم ضبطها قبل القيام بعمليات تخريبية أنهم يؤمنون بمنهجية مليئة بالتشدد والانحراف ونتيجة البيئة التى نشأوا فيها من فقر مادى وعقلى وأخلاقى لذا تم شحنهم بمناهج العدوان ضد الوطن، مما استلزم على الدولة التحرك الجاد لاقتلاع بذور العنف الفكرى وفق سنة التدافع التى تقتضيها نواميس الكون، وجاء تحرك الدولة مدروساً من خلال تفكيك الأسباب الدافعة للتطرف بتوفير مناخ اقتصادى معيشى مناسب ومسكن ملائم وتطوير الخطاب الفكرى والدينى والثقافى والسلوكى والارتقاء بالعملية التعليمية والصحية، وتجسد ذلك فى مبادرات سكن لكل المصريين وحياة كريمة وتكافل وكرامة وأخيرا مبادرة بداية جديدة.
أكد د. سيد مهران أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن مبادرة بداية للاهتمام بالإنسان وكل مبادرة تأتى فى سياق العناية بالإنسان هى تطبيق لأعظم مقاصد خلق الكون، فالله عز وجل قام ببناء نظام الكون على أساس أن الإنسان المخلوق الأرقى فى هذا الكون، ودار نظام الكون خَلقاً وتشريعاً بهدف خدمة هذا المخلوق وتكريمه، والأدلة فى هذا الشأن لا يحصرها مقام لكن أهم ما ينبغى أن نشير إليه بالأدلة القرآنية أن الله جعل الإنسان أرقى المخلوقات فى هذا الكون ثم سَخًرَّ له ما خلق من سائر المخلوقات فى هذا الكون وكان منطقياً أن تدور تشريعات الإسلام المفصلة جميعها بأدق التفاصيل حول تجسيد هذا التسخير بالتكليف الشرعى لتحقيقه والاستفادة القصوى والمثلى من هذا المقصد الإلهي.
فيما أوضح د. هانى عبدالفتاح باحث فى الفكر الإسلامى أن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان ترجمة لمصطلح «التنمية المستدامة» وهذا المصطلح يمكن تفكيكه إلى «تنمية» و»مستدامة»، فالأولى من «النمو»: أى الزيادة والكثرة، والتنمية تحويل الموارد الطَّبيعية غير المستثمرَة إلى موارد منتجة، أما كلمة «مستدامة»، فإنها تعنى الدوام والاستمرار، كما أن مفهوم التنمية المستدامة يعنى التنمية التى تلبى حاجات الأجيال الحالية، دون تعريض مستقبل الأجيال القادمة للخطر، وأحيانا يطلق عليها مفهوم «التَّنمية المستمرَّة»: أى «التَّنمية التى تتوفَّر لها مقوِّمات ناجحة ثابتة تكفل لها الاستمرار»، والبعض يصفها بأنها تنمية تخلو من الآثار الجانبية لعمليات التنمية
مشيراً إلى أن الإنسان خليفة الله فى أرضه، وهو مركز هذا الكون، وقد أوجب تكريمه، لكن هذا التكريم وتلك المركزية تستهدف منه عبادة الله، وعمارة الكون، وتزكية النفس، وهذه الثلاثة لا يمكن فصلها عن بعضها، فإعمار الكون عبادة، وإعمار النفس عبادة كما حث الإسلام على إعمار الكون بشتى الطرق وبكافة الوسائل التى تحفظ حياة الكائنات، فنهى عن التبذير والإسراف، ودعا إلى الصلاح والإصلاح، واتخذ فلسفة «الإحياء» وسيلة يتوسل بها نحو الإعمار والتنمية، وجعل الفقه الإسلامى من أحيا أرضاً ميتة فهى له، وقد أرشدنا الإسلام أن مهمة الإنسان تعمير الأرض بكل الوسائل التى يستطاع بها هذا التعمير الذى يحقق تنمية هذا الكون تنمية توفر وتحقق السعادة للبيئة ومفرداتها من إنسان وحيوان ونبات وجماد، وهو بعينه فلسفة التنمية المستدامة بمعناها المعاصر.
فيما أشار د. إيهاب البطاط من علماء الأزهر الشريف أن التنمية البشرية كما عرفها أهل الاختصاص بأنها عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها إلى الأفضل، وهذا التعريف وذلك المفهوم يتفق والمبادئ التى جاء بها الإسلام من أجل تحقيق معيشة متميزة للإنسان، سواء فى الجوانب الصحية أم التعليمية أم الاجتماعية والأخلاقية، حيث جعل الاسلام دستور التكافل الاجتماعى منهجا يسير عليه الناس بهدف دفع الأضرار المادية والمعنوية، وحث القادرين من المسلمين توفير وسائل الكسب الحلال للراغبين، وهذا يستلزم بالمفهوم الحديث تحقيق التنمية الاقتصادية التى ترتكز على آليات السوق التنافسى من خلال تدريب الشباب على أحدث المناهج العملية بما يساعدهم على الابتكار والريادة، مشيرا إلى أن الإسلام لا يعرف الفقر ولا يؤمن بالاعتماد على الغير، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذى جاء يسأله مالاً بأن يعتمد على الكسب من عمل يده ولا يسأل الناس، لدرجة أن جعل العمل من أفضل أشكال العبادة، والمسلمون يتقربون إلى الله تعالى بقدر تعمير مجتمعهم وأخذهم بأسباب التنمية الاقتصادية، وقد لخص سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه نظرة الإسلام إلى الإنتاج والتنمية بقوله: «والله لأن جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمد منا يوم القيامة»، كما أن تلك المبادرة تسهم فى الارتقاء بالصحة الجسدية وهذا تطبيق فعلى لأمر الإسلام فى العناية بالجسم وسلامته وصحته بقوله: «إن لجسدك عليك حقاً» ومن حق الجسد معالجته إذا مرض، بل ووقايته من الأمراض قبل حدوثها.
فيما أوضح د.رمضان حسان عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية أن هذه المبادرة هى عين ما عنى به الإسلام؛ فالإسلام يعتنى بالإنسان عناية كاملة، جسدا وروحا، لدرجة أنه طلب من الإنسان معرفة عبادة ربه معتبرا ذلك ينعكس بطريق غير مباشر على بناء وطنه، وطلب منه العمل والاتقان وأن يهتم بنظافة جسده وبيئته ولا يكون مصدر تلوث أو إيذاء لنفسه أو لبيئته، ودعاه إلى المحافظة على صحته من الأمراض والجراثيم، وألا يكون مصدر عدوى لغيره، وطلب منه إعانة غيره بكل ما يستطيع، وأن يكون مصدر نفع للناس جميعاً، فالإسلام ليس دين عبادة فقط، بل عبادة وعمل، والعمل ليس له مجال واحد بل فى شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مضيفا أن هذه المبادرة لخصت حقيقة الاسلام فى البناء والتنمية والتعمير للكون والقيام بمتطلبات عمارة الأرض.