افرض مثلاً أنك كنت مدعوا على سهرة عائلية فى منزل أحد الأصدقاء.. تخيل أن صاحب الدعوة اتصل بك قبل الموعد المحدد بساعات قليلة واخذ يطرح عليك عشرات الأسئلة.. هل تعانى من الأنفلونزا؟.. هل حرارة المدام ـ يقصد زوجتك بالطبع ـ مرتفعة؟.. هل يشعر أى من الأبناء بفقدان الشهية مع أعراض خمول وبدايات حمي؟.. هل انتم جمعيا بصحة جيدة ؟.. والكثير من الأسئلة المماثلة.
تخيل انك قلت له ضاحكا أن طفلك الصغير يعانى من ارتفاع بسيط فى درجة الحرارة وان حالته تحسنت بعد أن أعطيته مخفضا للحرارة.. وسألته فى دهشة عن علاقة كل ذلك بالسهرة العائلية.. وبدلا من أن يجيبك طلب منك عدم اصطحاب الطفل المريض خلال الزيارة وتركه مع الشغالة أو حتى تأجيل السهرة كلها.. حتى لا ينقل العدوى لأبنائه أو لأفراد أسرته.. كيف ستتصرف تجاه هذا السلوك «غير الحضاري» ؟.. كيف سيكون موقفك من صديقك الذى أجلت كل ارتباطاتك من أجل تلبية دعوته؟.. بالتأكيد ستغضب.. وقد تخطره بقطع العلاقات الثنائية والعائلية ووقف الاتصالات المباشرة والهاتفية.. فالجرم كبير والذنب لا يغتفر والأمر كله لا يعدو محاولة للتهرب من الدعوة لأسباب مجهولة.
الكثيرون منا لا يتقبلون مثل هذا التصرف.. يعتبرونه تصرفا غير حضاري.. فاصطحاب طفل مريض لزيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء أمر عادى جدا.. ولكنه فى الغرب جريمة مكتملة الأركان.. لان الطفل المريض من حقه أن يرتاح وان يتلقى العلاج المناسب والرعاية الكاملة وليس من الصواب إجهاده بالسهر والزيارات والمجاملات الاجتماعية.. ولأن هذا الطفل المريض سوف ينقل حتما مرضه المعدى إلى كل الأطفال الذين سيختلط بهم ويلعب معهم.. وعندما يتعلق الأمر بالصحة والمرض.. فلا مجال للعواطف والمجاملات.
أحد الأصدقاء عاش تجربة مؤلمة خلال عطلته الصيفية التى أمضاها فى الوطن قادما من الخارج.. فقد تعرض طفله الوحيد والذى لم يتجاوز عمره عاما ونصف العام لأكثر من خمس أزمات صحية خلال مدة الإجازة التى لم تتجاوز أربعين يوما.. واستهلك الطفل المسكين كميات من المضادات الحيوية ومخفضات الحرارة وأدوية الإسهال والجفاف تكفى لعلاج عشرة أطفال وإنهاك قواهم والسبب أقاربه وأصدقاؤه. ففى أول أيام الإجازة زارته شقيقته ومعها أطفالها وكان أحدهم يعانى من التهاب حاد فى اللوزتين وارتفاع شديد فى درجة الحرارة.. وكانت الشقيقة الغالية تعلم ذلك.. والتقط الطفل الوليد العدوى بسبب قبلات المجاملة.. وبعد أن تماثل الطفل للشفاء.. التقط العدوى بالأنفلونزا وأصيب بالتهاب شعبي.. ومرة ثالثة أصيب بتسمم غذائى نتيجة قيام أحد أقاربه بإطعامه آيس كريم .. وعندما حاول والده منعه غضب القريب واتهمه بالمبالغة فى الاهتمام بطفله مؤكدا أن الطفل لابد أن يمرض لكى يكتسب مناعة وأن حبس الطفل فى صندوق معقم سيجعله نهبا للمرض عندما يكبر.. وفى إحدى المرات لم يتمكن من إخفاء انزعاجه عندما اكتشف أن طفلا من أبناء أقاربه الذين لم يتوقفوا عن زيارته.. مصاب بمرض معد.. فعاتبه والد الطفل المريض مؤكد له انه ليس أول ولا آخر من ينجب طفلا.. وان إصابة طفلة بالمرض ليست نهاية العالم.. فكل الأطفال يمرضون.. وتركه غاضبا.. وهكذا يسود المنطق المغلوط حياتنا وندفع ثمنا غاليا للإهمال والتسيب والإصرار على الخطأ.