يواجه التصوف والصوفية هجوما ضاريا واتهامات كثيرة تبدأ باتهام التصوف بأنه من معوقات الحياة لأنه يركن إلى الدعة وترك العمل كما أنه بدعة ابتدعها البعض فى دين الله وصولا إلى ما لحق ببعض قادته من اتهام بجرائم خلقية يترفع عنها الشباب المتهور بل يرتكب بعضهم آثاما شركية، فيدعون لأنفسهم ما لله سبحانه وتعالى وزادت الاتهامات بعدما انتشرت قصة التيجانى الذى أصبح تريند بسبب تصرفاته وتصريحاته المسيئة للصوفية بل للدين.
«الجمهورية» تواجه الشيخ علاء ابو العزائم رئيس الاتحاد العالمى للتصوف بهذه الاتهامات
> بم تفسرالضجة القائمة حول التصوف هذه الأيام؟
>> لو تأملت فيما حدث فستجد أن هناك ضجتين حدثتا: واحدة تحدث كل عام، والثانية جاءت هذا العام فى عقبها، الضجة الأولى تعودنا عليها كل عام بمناسبة الاحتفال بمولد سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وهذا العام لم تكن الضجة عادية، بعدما أعلن وزير الاوقاف د.أسامة الازهرى بعد توليه المسئولية أنه سيتعاون مع الطرق الصوفية فى تحقيق أهداف وزارته وأجندة عملها التى أعلنها أمام الهيئة البرلمانية بمجلس النواب، مما جعل الحرب من التيارات السلفية والمتشددة على أشدها، خاصة بعدما تأكد للبسطاء من المواطنين أن الفكر الصوفى هو الانعكاس الحقيقى لوسطية الفكر الإسلامى المملوء بالرحمة والمحبة، وأن تلك التيارات المتشددة تعكس روح التفرقة وتغذى العداوة والكراهية، وبعدما سقطت تلك التيارات فعليا وفقدت الشعبية الزائفة التى صنعتها لنفسها طيلة السنين الماضية، لذا فإنهم بدأوا فى تنظيم بقاياهم عبر وسائل السوشيال ميديا وتنظيمات الكتائب الإليكترونية بهدف تشويه التصوف، وقام فلول هذا التيار بتهور فى هجومها وسعى بكل ما لديها للنيل من التصوف والصوفية بكل ما أوتيت من قوة لذا سنجد الهجوم يأخذ مناحى عدة، أولها مهاجمة الفكرة نفسها وهى فكرة التصوف، وثانيها مهاجمة المنتمين لهذه الفكرة، ففى مهاجمة الفكرة كان أهم ما قالوه: إن الاحتفال بالمولد النبوى لو كان أمرا طيبا لكان سيدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أول من يحتفل به، ونحن رددنا ونرد دائما بقولنا: نحن نتفق معكم فى استخدام هذا المقياس، ونعلن لمن لا يعرف أن سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أول من احتفل بمولده حين رد على من سأله لماذا تصوم يوم الاثنين قال:» هذا يوم ولدت فيه» فهو يحتفى بيوم مولده بالصيام فى هذا اليوم، وهم يقولون: إن الصحابة لم يحتفلوا بيوم مولده ونحن نسأل الم يكن أكثر الصحابة رضوان الله عليهم يصومون يوم الاثنين تأسيا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أنهم كانوا يحتفون بمولده وهم أعلم الناس بكلامه وبسنته.
> إذن هناك دليل من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز الاحتفال بمولد سيدنا رسول اللّه ؟
>> نعم.. وهذه ليست المشكلة وانما المشكلة هى أن فريقا من الناس كل قضيته محاربة التصوف وأكثرهم أنصاف متعلمين، والباقى مهما تأتى له من أدلة لن يعود عن موقفه ونحن لا نطلب منهم أن يعودوا لأننا نعلم أن للهوى أثرًا كبيرًا فى موقفهم، وإلا لقالوا ما قاله علماؤنا الأولون: رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب» وللإمام محمد ماضى أبو العزائم مقولة لتلامذته يقول فيها ما معناه: هذا ما أعلمه فإن وجدت من هو أعلم منى فخذ بيدى إليه» وهذه كانت آلية تعليمية لدى العلماء تلاميذهم ألا يأخذوا كلام علمائهم دون تمحيص وتفكر، وكثيرمن العلماء أثَّموا من أخذ العلم دون تفكّر فيه وهو قادر على التفكر، وبالتالى لو كان مهاجمو الاحتفال بالمولد النبوى قضيتهم هى الحقيقة لقالوا: هذا رأينا الذى نراه صوابا وقد يكون خطأ وهذا رأيهم الذى نراه خطأ وقد يكون صوابًا، أما ما يحدث فهو تكفير المحتفلين بمولد سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وتكفير كل الصوفية.
> لكن كثيرين من رموز التصوف لهم سلوكيات مشينة وموثقة ولا علاقة لها بمبادئ الاسلام مثل الذى يدعى أنه ينفع ويضر فى فيديو منتشر فضلا عن سلوكيات لا يفعلها المسلم البسيط؟
>> تقصد ما أشيع ونشر مؤخرا ووصل إلى المحاكم وأنا أقول لك: إن هذا إحدى تداعيات الهجوم الشرس الذى يواجهه التصوف من خلال تصيد انحرافات وأخطاء ـ وها أنا أقول لك انحرافات وأخطاء نحن أول من يحاربها – ثم يقومون بتضخيمها ونشرها على أنها التصوف وهذه مغالطة بشعة، فالتصوف شىءوالصوفية شىء، فالتصوف فكرة والصوفية بشر يحاولون تطبيق الفكرة منهم من يخطئ ومنهم من يصيب، ومنهم من يتخفى فى هذه الفكرة لينفذ إلى أغراض له أيا كانت هذه الأغراض، ومنهم مدع يسعى إلى تشويه الفكرة نفسها بادعائه الإيمان بها، ثم يظهر انحرافه ويدعو إليه ليشوه الفكرة نفسها، وهذا لا نقبله ولا نسمع له بأن يظل بيننا، بل نلفظه لأنه مسىء للصوفية وربما تذكر أننا أقمنا كثيرًا من المؤتمرات تدور كلها حول نقد الذات ومهاجمة الذين يسيئون إلى التصوف من أهل التصوف،وحاليا نقوم بالترتيب لعقد مؤتمر حول الصدق والأمانة،وكيف تكون هاتان القيمتان سجية فى المسلم ونخاطب بذلك المريدين تأسيا برسول الله الذى كانت أبرز صفاته قبل البعثة الصدق والأمانة وذلك فى إطار احتفالاتنا بذكرى المولد النبوى الشريف.
> إذا عدنا إلى» الفكرة» كما تقولون فإن منتقدى التصوف يرون أن التصوف لا أصل له وأنه بدعة ابتدعها قوم فى دين الله بل قال أحدهم إن هذه البدعة لو كانت من دين الله فإن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لم يبلغ ما أمره الله والعياذ بالله؟
>> دعنى أرد على هذا السؤال المركب واحدة واحدة:
أولا: التصوف فكرة يعنى اعتقاد أو إيمان وله جوهر ما، والفكرة التى قام عليها التصوف تبدأ من رد سيدنا رسول الله على سيدنا جبريل عندما سأله: ما الإحسان فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك»، والصوفى يدرب نفسه ويدربه شيخه على تطبيق هذا المبدأ بما يستتبع ذلك من ورع ناتج عن هذه المراقبة اللحظية، فتصور أن انسانًا فى كل حركاته وسكناته يذكّر نفسه أن الله يراه فيما يصنع، فلا شك أنه سيتخلى عن كثير مما كان يفعل مما يغضب الله، ولا شك أن هذا يورثه ورعا، هذا الورع يزرع فى قلبه الزهد فيما سوى الله، والزهد الحقيقى لدى الصوفية هو أن يملك الصوفى الدنيا، لكنها لا تملكه، فالزهد هنا يعنى العمل والاجتهاد والغنى والتفوق وكل ما يحقق السيطرة على الدنيا، لكن القلب لا شىء فيه من ذلك، لأنه معلق باللهوبالتالى فالتصوف له أصل من الدين وهو مبدأ الإحسان، أما اسمه فقد أخذ من أهل الصفة هؤلاء الفقراء من المهاجرين وممن ليسوا من أهل المدينة المنورة وكانوا يقيمون فى مكان بالمسجد النبوى يسمى صفة وكانوا من الزهاد وبعض العلماء قالوا تفسيرات أخرى لا مجال للحديث عنها هنا وبالتالى فالتصوف ليس بدعة.
أما من قال إن البدعة لو كانت من دين الله ولم يخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا قول الالبانى وهو قول يعتبر مغالطة فى دين الله تعالى، مثلما يغالط فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فماذا يقول فى جمع سيدنا عمر بن الخطاب المسلمين فى صلاة التراويح وقد صلاها سيدنا رسول الله فردًا ولم يخرج إلى المسلمين حينما اجتمعوا ليصلوها معه جماعة، فهل كان سيدنا عمر مبتدعا، أم أن هناك بدعة حسنة يقرها الدين كما قال العلماء وهل كان سيدنا عثمان مبتدعا حينما جعل لصلاة الجمعة أذانين وإذا كان الالبانى يصف الصوفية بالشرك والابتداع، ويتشدقون بأقوال ينسبونها إلى بعض الأئمة دون تثبت من حقيقة نسبتها، وأبرز ما يثيرون أقواله الإمام أحمد بن تيمية، متجاهلين قوله فى كتابه «الفتاوى الكبرى» الجزء الحادى عشر: والصوفيون قد يكونون من أجلِّ الصدِّيقين، بحسب زمانهم، فهم من أكمل صديقى زمانهم، والصدِّيق فى العصر الأول أكمل منهم ثم يقول والصديقون درجات وأنواع، ويعدد هذه الأنواع ثم يقول: ولأجل ما يقع فى كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه، تنازع الناس فى طريقهم، فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا: إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، وطائفة غالت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفى هذه الأمور ذميم، والصواب: إنهم مجتهدون فى طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذى هو من أهل اليمين، وفى كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب، أو لا يتوب، فماذا يقولون فى هذا هل ابن تيمية مخطئ أم الألبانى.
> لماذا ترون أن التصوف هو الحل ولم تقصروا ذلك على التصوف ولا تكون التيارات الأخرى هى الحل؟
>> لأن التصوف لا يرفض الآخرين، هو يدعوا الى فكره ويحترم فكر الآخرين هو يدخل الى الله وإلى الناس وإلى الدنيا من باب الحُب، هو لا يدعى الأفضلية على الآخرين ولا العصمة، وإنما يرى أنه يجتهد فى الوصول إلى الله فقط ولا ينكر على الآخرين اجتهادهم، هو لا يستكبر على الآخرين بل يرى التواضع هو الطريق الاسرع إلى مرضاة الله لذا سمى الصوفية أنفسهم الفقراء، أى الفقراء إلى الله، فالتصوف إن صح التعبير فكر استيعابى وليس إقصائيا، وهناك من التيارات مالا تقبل إلا ما تراه هى فقط وما دونها كافر، ولا تقبل إلا الذين منها، ويستحيل أن تقبل أن الحقيقة لها جوانب متعددة وأن المختلفين قد يكونون جميعا على صواب لأن كل واحد يرى الصواب من زاويته، بدليل أن المذاهب التسعة الإسلامية التى كانت موجودة وما زالت قبل وجود مثل هذه التيارات الإقصائية كانت لا تُكفر بعضها ولا تفسق بعضها ولا تشكك فى بعضها بل إن بعض الأئمة كان إذا صَلى فى مسجد أمام آخر اتبع آراء هذا الإمام فى السُنَن احتراما له وتأدبا معه، والتصوف يرى أن الناس جميعها خلقت للتعاون والتعارف لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي- وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا -» والآية تقول يأيها الناس لم تقل المؤمنين ولا المسلمين وانما قالت الناس فالصوفى رجل يسير إلى الله فى عمر كونه كما يرى ويتعاون مع خلقه ولا يرفض المختلفين معه وانما مبدأه « وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين».
> لكن ألاترى أن يرتكب بعض قادة التصوف جرائم سلوكية بل جرائم عقدية كأن يدعى أنه الشافى وأنه من يدخل الناس الجنة أمر مفجع؟
>> نعم إننى معك فيما تقول وبالفعل هناك من قادة الصوفية من ليسوا على المستوى الذى يليق بالتصوف وهو نقيصة توجد فى كل الفئات من البشر فقد قرأنا عن قادة دينيين عالميين ارتكبوا جرائم يعجب العقل أن يقع فيها من فى مثل مكانتهم وأنا هنا لا أبرر للصوفية وانما أقر بوجود مثل هذه النقائص الفردية التى نسعى لتخليص التصوف منها وفى النهاية فإن البشر هم البشر والغواية الشيطانية تلحق البسيط من الناس وتلحق بمن فى مكانة من يقود الناس.