وافق تجمع المفتين فى العالم على اختيار د. إبراهيم نجم أمينا عاماً لدور وهيئات الإفتاء فى العالم لفترة جديدة حتى يستكمل باقى المشروعات التى تسهم فى تكملة البناء الذى أطلقته دار الإفتاء المصرية عام 2015 لتحقيق بناء افتائى متماسك مترابط سريع التواصل فى القضايا والحلول للمشكلات الإفتائية فى العالم.
«الجمهورية» حاورت د. نجم عقب التجديد حيث ألقى الضوء على أهمية كيان دور الإفتاء فى العالم فى تعزيز قوة مصر الناعمة.. متناولا المشروعات المستقبلية التى تم البدء فيها ويسعى لاستكمالها بالتعاون مع المفتيين أعضاء الأمانة.. مشددا أن هدفهم المحدد تخليص الفتوى من سموم التطرف وعبث الذين يقومون بتوظيفها لخدمة الأجندات الخاصة لتيارات العنف والتشدد .. معلنا أنهم يحرصون على أن يسبقوا أعداء الحياة بخطوة حتى يفسدوا عليهم مخططهم الشيطانى فى استباحة الإنسان والبنيان.
كل يوم نفتكر فكرة جديدة نستبق بها عنف تيارات التطرف
نسبق المتشددين بخطوة حتى نفسد عليهم مخطط استباحة الإنسان والبنيان
تنقية الفتوى من التوظيف المنحرف فريضة الوقت وواجب العلماء
مشروعاتنا المقبلة.. تأهيل المتخصصين.. وتقليل فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء.. والتصدى لظاهرتى فوضى وتطرف الفتوى
> كثيرون يغيب عنهم قيمة كيان الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم؟
>> منهجنا واضح فى دار الإفتاء وهو الحرص على دعم القوة المصرية من جانبنا والبناء على الميراث التاريخى الذى تركه لنا السابقون الأولون، لذا جاءت فكرة إنشاء الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم عام 2015 متزامنة مع موجة الإرهاب التى بدأت تكتسح العالم ودعوة مصر إلى تجديد الخطاب الدينى ومعالجة فوضى الفتاوى التى كانت تتخذها التيارات المتطرفة سبيلا لاستباحة الدماء والأموال العامة والخاصة، ولأن الإفتاء المصرية تملك القدرة على قيادة قاطرة العالم الإسلامى فى مواجهة الفتاوى الضالة والمنحرفة لدى الجاليات والأقليات المسلمة بالخارج، لذلك تم إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وتضم عضوية الأمانة ممثلين لأكثر من (٣٥) مفتيًا يمثلون دولهم من مختلف قارات العالم يمثلون نواة لهذا الكيان الذى جاء ليعيد الوسطية إلى الخطاب الدينى ويزيل عنه التشوهات
> هل لا يزال الخطر من فتاوى التشدد قائما؟
>> الفتوى المتشددة خطورتها لا تزال قائمة طالما وجدت بقايا من رموز التطرف الذين يمثلون الخطر الأكبر والأهم على الأمة الإسلامية فى شتى بقاع الأرض، بل إن خطرهم تخطى العالم الإسلامى ليشكل تهديدًا للأمم والشعوب غير الإسلامية، فقد تلاعبت جماعات العنف والتطرف بالفتوى الدينية لتشكل بها لبنة فى بناء العنف والإرهاب وهدم الدول وتفتيت الشعوب؛ لذا فإن مواجهة هذا الداء والقضاء عليه يمثل واجب الوقت وفريضة على علماء الأمة ومؤسساتها الوسطية التى تمثل الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم المظلة الجامعة لهم.
>خلال السنوات التسع الماضية هل تم تطوير أدوات الأمانة العامة؟
>> كل يوم نبتكر فكرة جديدة نسبق بها موجة عنف تلك التيارات الباحثة عن فتاوى تبرر لها العنف. وما الإحصائيات عنا ببعيد، فحينما ظهر داعش استطاع تجنيد قرابة خمسين ألف مقاتل، وقام بتأسيس جهاز إعلامى يتحدث بـ12 لغة ولذا كان على المؤسسات الدينية ذات الشأن فى هذا المجال الإعلان عن نفسها للرد بقوة وبحسم على الأفكار الضالة بمنهجية علمية رصينة.
> لماذا توافق الأعضاء أن يكون المقر للأمانة أرض مصر؟
>> الإعلان عن ميلاد هذه المظلة التى تجمع دور وهيئات الإفتاء فى العالم توافق الأعضاء أن يكون على أرض مصر حاملة لواء الاعتدال والتجديد والاستنارة على مَرِّ العصور، بما تملكه من علماء يملكون القدرة على مواجهة التطرف، ولا توجد دولة تملك من الثقل التاريخى والمعرفى مثل مصر ولديها القدرة على تجميع وتكتيل المؤسسات والهيئات الإفتائية فى مختلف بقاع الأرض لتعيد إلى الفتوى دورها الإيجابى فى حياة المجتمعات والشعوب، وتزيل عنها ما لحق بها بسبب تصدر غير المتخصصين وأنصاف العلماء وأصحاب التوجهات المتطرفة للفتوى والرأى الديني.
> عقب التجديد لكم فترة مقبلة ما هى رؤية الأمانة المستقبلية؟
>> نواصل مساعينا فى دعم الاستقرار والسلم الوطنيين والعالميين بمحاربة أفكار المتشددين، وترسيخ منهج الوسطية فى الفتوي، وإيجاد منظومة علمية وتأهيلية للقيادات المسلمة فى العالم، والارتقاء بمستوى تبادل الخبرات العلمية والعملية والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء من الأعضاء، وتقليل فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء من خلال التشاور العلمى بصوره المختلفة، والتصدى لظاهرتى فوضى وتطرف الفتوي، ونشر قيم الإفتاء الحضارية فى العالم للمشاركة فى صياغة فلسفة البناء الحضارى العالمي، وإعداد كوادر إفتائية وشرعية وزيادة خبرتها فى مجالات العمل الإفتائي، وإذا استطعنا تحقيق ذلك فإنه يمكننا تخفيف ما لحق بالإسلام من عداء وتشويه تقوم به الجماعات المتطرفة
> اقترحت الأمانة إنشاء مركز لدراسات التشدد فما هى أهدافه؟
>> معالجة مشكلات التشدد والتطرف الخاصة بالمسلمين حول العالم، وعلاقته بالإفتاء تأصيلاً وتنظيرًا، ويقدم توصيات وبرامج عمل لكيفية مواجهة تلك الظاهرة الآخذة فى الازدياد، ومحاربتها والقضاء عليها، آخذًا فى عين الاعتبار الخصوصيات المرتبطة بتنوع الحالات وتعددها، واختلاف المناطق والبلدان، ليكون الذراع البحثية للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وتعميق المناقشات العامة والأكاديمية المتعلقة بقضية التشدد بأبعادها المختلفة، ودعم عملية صنع السياسات الخاصة بعملية مكافحة التشدد، بحيث لا تقتصر على جانب المكافحة الأمنية وإنما تهتم أيضًا بالأبعاد الدينية والإنسانية والاجتماعية فى عملية المكافحة، بعدما أصبح من الواضح وجود تقدم فى الإستراتيجيات التى تستخدمها الجماعات المتطرفة فى تجنيد فئات المجتمع المختلفة خاصة الشباب والنشء، والتى تعتمد على استدلالات فقهية وشرعية فى قضايا الجهاد، والحكم بما أنزل الله، و إقامة الخلافة المزعومة، وحتمية الصدام والمواجهة، ورغم الجهود التى تبذل فى مجال التعامل مع المتطرفين لإعادة تأهيلهم ودمجهم فى مجتمعاتهم، فإنه لا يزال هناك أبعاد تتعلق بضرورة القدرة على تغيير الفكر الذى يعتنقه المتطرف وليس سلوكه فقط، وتحصين المجتمعات من الآثار السلبية لتلك الأفكار المتطرفة، بما يحول دون انتقالها بين الأجيال المختلفة، لذلك يسعى المركز إلى إعداد دراسات وبحوث وتقارير علمية تسهم فى تجفيف منابع التطرف والقضاء عليه، إضافة إلى دراسات مستقبلية متعلقة بتحديد بؤر التطرف المتوقعة، سواء فى الواقع الفعلى أو الافتراضي، واقتراح الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها حيالها، وتوظيف الأداة الإلكترونية فى تدشين صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى لتحقيق أكبر تواصل ضمن محاربة الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم لقضايا التطرف.
> ما هى أهداف مرصد الجاليات الإسلامية بالخارج؟
>> شهدت السنوات الأخيرة أوضاعًا غير مستقرة للعديد من الجاليات المسلمة فى الخارج خاصة فى الدول التى شهدت أعمالا إرهابية مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة، وهو ما انعكس بالسلب على أوضاع تلك الجاليات وحقوقها المشروعة، إضافة إلى تزايد الاضطهاد والتمييز ضد المسلمين فى بعض الدول كما هو حال مسلمى الروهينجا فى بورما، لذلك كانت فكرة هذا المرصد ليكون آلة بحثية دقيقة فى متابعة أوضاع الجاليات الإسلامية فى الخارج، ومساعدة صناع القرار فى المؤسسات الدينية والإفتائية على اتخاذ المواقف وبناء السياسات والبرامج التى تحقق صالح تلك الجاليات وحل مشكلاتهم والتغلب على المعوقات التى تواجهه، وبناء خريطة للجاليات المسلمة فى الخارج وأماكن توزيعها، وشبكة علاقاتها وطبيعة أوضاعها، ومجموعة القضايا والموضوعات التى تدخل فى دائرة اهتمام كل جالية.
> ما سر إقدام الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم على إنشاء ملتقى بحوث ودراسات للأقليات المسلمة؟
>> نتيجة الأوضاع شديدة التعقيد والتفاصيل التى تعيشها الأقليات المسلمة حيث تختلف فى تفاصيلها بما تمثل تطبيقا عمليا للقاعدة الفقهية الشهيرة التى تفيد أن الأحكام تتغير وفق المكان والزمان والأحوال والأشخاص، والواقع البحثى يشهد خلوَّ الساحة العلمية المهتمة بقضايا الأقليات من مساحة جامعة للمهتمين والمشتغلين بشأن الأقليات المسلمة؛ مما يُشعِر بخطر احتمال التشرذم حول قضايا الأقليات المسلمة مما ينعكس سلبا على تعايش تلك الأقليات واندماجهم فى بلدانهم، مما جعلنا نسعى إلى إنشاء ملتقى يجمع الباحثين والدارسين من مختلف التخصصات التى تتعلق بشئون الأقليات المسلمة، وأن نعقد حلقات نقاشية حول هذه الشئون لضبط التعامل مع كل قضية من قضايا الأقليات.
> هل جاءت توصيات المؤتمر العالمى التاسع للإفتاء عاكسة للأهداف المرسومة مسبقا لأجندة المؤتمر؟
>> بالفعل ..توصيات المؤتمر العالمى التاسع للإفتاء تعتبر خارطة طريق لمستقبل العمل الإفتائى والتعامل مع التحديات الأخلاقية فى العصر الحديث، وتمتاز بالواقعية والقابلية للتنفيذ بهدف مواصلة التجديد الفقهي، وتطوير خطاب دينى عصري، كما أنها تمتاز بالشمولية؛ حيث تناولت مختلف الجوانب التى تؤثر على المجتمعات الإسلامية الاجتماعية، والثقافية، والتعليمية، والإعلامية، كما أنها ركزت على الوحدة والتضامن لدعم القضايا المشتركة مثل القضية الفلسطينية، فضلاً عن الاهتمام بالتعليم والإعلام ونشر ثقافة الحوار والتفاهم بين الأديان، وتعزيز القيم الأخلاقية، وتقوية العلاقات بين المؤسسات الدينية.
> ما هى خطوات الإفتاء العملية لتفعيل توصيات وأهداف المؤتمر؟
>> تعتزم الإفتاء إنشاء لجان تنفيذية متخصصة لمتابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن المؤتمر، حيث تتولى هذه اللجان وضع خطط تفصيلية وتحديد الجداول الزمنية للتنفيذ، كما سنعمل على تعزيز التعاون مع المؤسسات الدينية والإفتائية بمختلف الدول الإسلامية وتنسيق الجهود وتبادل الخبرات فى مجال الفتوى والتجديد الفقهي، وتنظيم برامج تدريبية وورش عمل للمفتين والعلماء لتعزيز قدراتهم فى التعامل مع التحديات الأخلاقية المعاصرة واستخدام الفتوى كأداة لبناء مجتمع أخلاقي، وإنشاء منصات إلكترونية تفاعلية تتيح للعلماء والجمهور العام الوصول إلى مخرجات المؤتمر والتفاعل معها، وتقديم استفساراتهم واقتراحاتهم بشأن تطبيق التوصيات.