عندما اشتد الصراع بين شيخ الجبل راشد الدين سنان، زعيم الحشاشين فى بلاد الشام وبين الناصر صلاح الدين الأيوبى الذى كان يحاصر معاقلهم فى حلب وحصنى أعزاز ومصيف ،تعددت محاولات الحشاشين اغتيال وتصفية صلاح الدين ولكنه كان ينجو كل مرة بأعجوبة من أعاجيب الزمان –سيأتى وقت نقصها هنا فى مقالات قادمة – أرسل صلاح الدين ذات مرة رسالة شديدة اللهجة الى شيخ الجبل تحمل كل مفردات التهديد والوعيد ، لكن الرد الذى وصل إلى صلاح الدين من زعيم الحشاشين كان من الصعب أن تتجاهله كتب التاريخ ..
«قرأنا خطابك وفهمنا نصه وفحواه ولاحظنا مايحتوى عليه من تهديدات لنا بالكلمات والأفعال، ووالله انه لشيء يدعو إلى الدهشة أن نجد ذبابة تطن فى أذن فيل وبعوضة تلدغ تمثالا، كثيرون قبلك قالوا مثل هذه الأشياء ودمرناهم دون ان يشفع لهم شفيع، فهل تبطل الحق وتؤيد الباطل؟ «(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)» اذا كنت حقا قد أصدرت أوامرك بقطع رأسى وتمزيق قلاعى فى الجبال الصلدة فان هذه امال كاذبة وخيالات واهمة لان السياسات لاتدمرها العارضات كما أن الأرواح لاتدمرها الأمراض، أما اذا عدنا إلى المحسوسات التى تدركها الحواس وتركنا جانبا المعنويات التى تدركها الأذهان فان لدينا أسوة حسنة برسول الله الذى قال: «لم يقاس نبى مثلما قاسيت» وأنت تعرف ماذا حدث لدعوته واهل بيته وحزبه، ولكن الموقف لم يتغير والرسالة لم تفشل وحمد لله لايزال اولا واخيرا. إننا مُضطهدون ولسنا طغاة، محرومين ولسنا حارمين «(وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)». وانت تعرف ظاهر أحوالنا وقدر رجالنا وما يمكن ان يحققوه فى لحظة واحدة وكيف يحبون الموت «(قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)» والمثل الشائع يقول انك لاتستطيع أن تهدد بطة بالقائها فى النهر! فخذ كل مافى استطاعتك اتخاذه من احتياطات دون الكوارث والفواجع فأننى هازِمُكَ من داخل صفوفك، ومنتقم منك فى مكانك، وستكون كمن يدمر نفسه بنفسه «(ومَاذلِكَ على اللهِ بِعسيرْ)» عندما تقرأ خطابنا هذا فارتقبنا وترحم على نفسك واقرا أول «النحل»وآخر «صاد»
انتهى رد شيخ الجبل سنان وهرعت إلى المصحف لأقرأ أول النخل وآخر ص فوجدت الآيتين على الترتيب:
(أَتَى أَمرُ اللَّهِ فَلَا تَستَعجِلُوهُ )
(وَلَتَعلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينِ)
ولحكايات الحشاشين أبطال وأباطيل.