توجه محمد عثمان إلى دورة المياه فى الثانية صباحا وهو يحمل أدواته الشخصية وأدوات الشاى عبر الجناح الطويل المؤدى إلى الصالة الرئيسية التى تصب فيها أجنحة الطابق الثالث بالمبنى الرابع بالمدينة الجامعية لجامعة القاهرة.
توقف فى منتصف الصالة بصورة مفاجئة ارتعدت فرائصه وأخذ يهذى بكلمات غير مفهومة وأدواته تهتز بين يديه من هول الصدمة وشدة المفاجأة.
رأى شيخا تجاوز الستين يخرج من دورة المياه فى هذا الوقت المتأخر من الليل يرتدى بدلة زرقاء وطربوشاً أحمر وهو فى كامل هيئته من رباط العنق إلى الحذاء الأسود اللامع.
كان الطالب المجتهد يستيقظ من نومه فى هذا الوقت من كل ليلة ليبدأ طقوسه اليومية التى تسبق جلوسه إلى مكتبه لمطالعة دروسه حتى موعد ذهابه إلى محاضراته بكلية الآداب فى الثامنة أو التاسعة صباحا.
مرت الأحوال على ما يرام طوال الشهور الأولى من عامه الدراسى الأول بالجامعة لم يعكر صفو حياته عارض أو مكروه حتى جاءت الليلة الموعودة.
فى مطلع العام الدراسى أحضر أحد الطلاب قلة فخارية فتحها من جانبها ووضع بداخلها شعلة مضيئة وعليها شفاف أحمر يحمل وجها مخيفا ووضعها فى دورة المياه واطفأ النور وصرخ أول الداخلين وعاد مهرولا إلى حجرته خوفا من الشيخ المزعوم.
وفى مطعم المدينة يتحدث الطلاب عن وقائع جديدة تتشابه فى الهدف وتختلف فى الوسائل والتفاصيل وتتحول إلى نوادر تنتشر بين المبانى وتمتد إلى مختلف كليات الجامعة.
آثر محمد عثمان ان يريح ويستريح ويترك زملاءه النصف الأول من الليل بحيله وصراعاته واستأثر بالنصف الأخير بسكونه وسكينته بعيدا عن أعين المزعجين وفضول المتفضلين.
فى تلك الليلة استيقظ كعادته وغادر حجرته التى تقع قرب نهاية الجناح الذى يشتمل على عشرين حجرة ووصل إلى الصالة الرئيسية بضوئها العالى الذى يشبه ضوء النهار فى وقت الظهيرة ليجد شيخا كبيرا يقصد القاعة يرتدى الملابس الكاملة خارجا من دورة المياه وعلى رأسه الأبيض طربوش أحمر وكل سكان المدينة شباب تقع أعمارهم حول سن العشرين.
تقدم الشيخ نحوه يهدئ من روعه ويطمئن قلبه ويشرح له الحقيقة.
أنا من سكان حى الدقى المجاور للمدينة الجامعية وابنى طالب بكلية الطب جامعة القاهرة جاء يذاكر دروسه مع زميل له يسكن فى الطابق الثالث جئت أبحث عنه بعد أن تأخر فى العودة إلى منزله واشتد قلق والدته عليه.
عاد الطالب إلى وعيه وخرج من صدمته رده الرجل على المبنى المخصص لكلية الطب وأخبره انه دخل مبنى الآداب والتجارة على سبيل الخطأ.
ولم ينس أن يطلب من الشيخ الدعاء له بأن يستعيد قدرته على الانجاب عند الزواج بعد هذه الصدمة العنيفة المرعبة.