طفل اليوم هو رجل وامرأة الغد والرهان هو على أهمية القصة أو الحدوتة بالنسبة للطفل ليس وليد اللحظة والرهان على أهمية أدب الاطفال وخاصة القصة فى الاهتمام بهذا الدور وتوعية الطفل وهو فى سن صغير لاكتشاف كل ما حوله من كلمات ونصائح ومعرفة الواقع وما يتطلبه زمنه ومساعدة الاطفال على التعامل مع الاحتمالات التشاؤمية بل يقدم كلمات اذاعية او كتابا بسيطاً ويرى كثيرين منهم «أبلة فضيلة» أو الاذاعية اللامعة فضيلة توفيق ان من المهم ان يعى الطفل ان التربية تعنى السلوك الانسانى وتنميته وتطويره لان هذا السلوك ليس موروثا بل مكتسبا يكتسبه الطفل مما حوله فيمكنه من التكيف مع المحيط الاجتماعى الذى يعيشه.
وتحظى القصة او الحكاية بمكانة متميزة عند الطفل فتعد من الفنون المؤثرة على السلوك القيمى للاطفال فى المواقف اليومية فهى تنمى لهم القدرة على الابتكار وتحلق بهم فى اجواء الخيال فمع تفتح مدارك الطفل وفهم ما يحيط به تبدأ القصص والحكايات فى مساعدة الطفل على اكتشاف ما حوله واكسابه الخبرات الملائمة لعمره ونموه العقلى والانفعالى وتنمية معارفه وخياله ومساعدته على تعلم فن الحياة.. واليوم حكاية أبلة فضيلة مع الاطفال فى «غنوة وحدوتة» التى بدأت فى الخمسينات ورفضت اسم ماما فضيلة وفضلت ابلة فضيلة لانها لن تنال لقب الأم.
«الجمهورية الاسبوعى» فى هذه الحلقة من ملفات «نساء فى تاريخ مصر» ترصد مسيرة «أبلة فضيلة» أو الاذاعية الراحلة فضيلة توفيق المليئة بالعمل والنجاح والابتكار لاجل الاطفال مستقبل مصر.. وإلى التفاصيل:
بصوتها الجميل المميز تبدأ أبلة فضيلة برنامجها الاذاعى «غنوة وحدوتة» بنداء: «حبايبى الحلوين» على مدار أكثر من خمسين عاماً فى الاذاعة المصرية، لتصبح علامة خالدة، لا تنسى فى ذاكرة اجيال من الاطفال فى مصر.
ولدت فضيلة توفيق فى 4 ابريل «نيسان» عام 1929. ولديها ثلاثة اشقاء منهم الفنانة الراحلة محسنة توفيق، وعاشت فضيلة توفيق طفولتها فى القاهرة، فى شارع الملكة نازلى سابقاً «رمسيس حالياً» ودرست فى مدرسة الاميرة فريال، وكانت فى نفس المدرسة السيدة ناريمان التى تزوجها الملك فاروق فيما بعد وايضاً كانت سيدة الشاشة العربية الراحلة فاتن حمامة زميلة دراستها وكان والدها سكرتير المدرسة.
وبعد تخرجها فى كلية الحقوق ولتفوقها فى الدراسة اختارها استاذها حامد باشا للعمل معه، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً فى مهنة المحاماة فرشحها استاذها للعمل فى الاذاعة، وبالفعل توجهت إلى الاذاعة، ونجحت فى الاختبارات، وعينت مذيعة هواء لفترة، وبعد عام من عملها فى الاذاعة تم افتتاح التليفزيون، ورشحت للعمل فيه لكنها فضلت الميكروفون.
بدأت مع بابا شارو، فقد كان الوحيد وقتها الذى يذيع على الهواء، كانت موجودة مع الاطفال فى الاستوديو، ويكون هو فى الاستوديو الآخر، بعدها يبدأ برنامج «حديث الاطفال» وكان يذاع ثلاث مرات اسبوعياً، اعقبه بعد ذلك برنامجها الاشهر «غنوة وحدوتة».
ومع تتر البداية فى العاشرة صباحاً بتوقيت القاهرة عبر اذاعة البرنامج العام: «يا ولاد يا ولاد. تعالوا تعالوا.. علشان نسمع أبلة فضيلة راح تحكى لنا حكاية جميلة» يلتف الاطفال حول الراديو، لتقص عليهم الاذاعية الكبيرة القصص وتذيع بعد ذلك اغنية مرتبطة بالقصة.
ورغم انجذاب الجميع إلى التليفزيون فإن برنامجها حافظ على مستمعيه على مر سنوات طويلة، وتعيد الاذاعة المصرية بث حلقات من البرنامج فى نفس التوقيت يومياً عبر اذاعة البرنامج العام.
رفضت ان يطلق على البرنامج اسم ماما فضيلة لاقتناعها انه لا يوجد احد يستطيع ان يسمى بماما سوى الام نفسها لذلك فضلت كلمة «ابلة» «الاخت الكبرى باللغة التركية» لسهولته ورواجه عند الصغار والكبار معاً.
تولت الاذاعية فضيلة توفيق منصب مراقبة برامج الاطفال 1960. ثم مدير عام برامج الاطفال 1970، فنائب رئيس الشبكة التجارية عام 1980، قدمت على مدار مشوارها الاذاعى عدة برامج منها برنامج «مستقبلي» ولكن يظل «غنوة وحدوتة» اشهر برامجها على الاطلاق.
كرمت أبلة فضيلة 52 مرة فى مناسبات كثيرة بدول عربية واوروبية، حيث حصلت على وسام الاستحقاق من الرئيس المصرى الاسبق حسنى مبارك، وشهادة تقدير من الاتحاد السوفيتى ونقابة الصحفيين المصريين، ومن المركز الكاثوليكى للسينما باعتبارها صاحبة اجمل رسالة فى عالم الطفولة وتم تكريمها «اماً مثالية للاعلاميين» فى عيد الام لعام 2016.
وفى تصريح صحفى سابق قالت: «ان اطفال مصر هم اصحاب فضل على فهم من جعلونى «ابلة فضيلة»، وافضل تكريم بالنسبة لى خطاباتهم التى يرسلونها لى بخطوطهم الصغيرة غير الواضحة، فهذا هو التكريم الحقيقى بالنسبة لي، لانه يحمل مشاعر صادقة ونقية ويشعرنى بحب الاطفال لي، وهذا سر نجاحي».
البداية
بدأت الاذاعية فضيلة توفيق مشوارها الاذاعى كمذيعة ربط، ثم بعد ذلك بدأت بتقديم النشرة الاخبارية بالاذاعة، حيث تطورت امكانياتها وخبراتها على يد الاذاعى الكبير حسنى الحديدي، وفى عام 1959 تحقق حلمها بالعمل على اشهر برنامج للاطفال، بمصر، والوطن العربي، وهو ما يعرف بـ «غنوة وحدوتة»، والتى استضافت خلاله شخصيات كثيرة ومن ابرزها الكاتب الكبيرنجيب محفوظ والروائى انيس منصور والدكتور فاروق الباز والفنان محمد عبدالوهاب والشاعر كامل الشناوى والملحن سيد مكاوى والمطرب عبدالحليم حافظ والدكتور يحيى الرخاوي.
ومن اشهر حكايتها للاطفال «كوب اللبن»، «بنت الفلاحة»، الكتكوت الصغير»، «ارنب وتعلب»، المقشة الصغيرة»، «ابيض واسود» «شغل بابا»، «كراسة الرسم»، «القطة مشمشة».
وتعد اغنية يا ولاد يا ولاد.. توت توت تعالو تعالو.. توت توت.. علشان نسمع أبلة فضيلة راح تحكى لنا حكاية جميلة وتسلينا وتهنينا وتملينا كمان اسامينا ابلة ابلة فضيلة». هى الاشهر فى مشوار برامج الاذاعية فضيلة توفيق المدهش ان مؤلف الاغنية هو العبقرى صلاح جاهين وملحنها المبدع الموسيقار سيد مكاوى والمدهش ايضا انهما غنياها مع الاطفال فى الاستوديو.
وعن ذكرياته حول الاغنية قال: لقد نشأ جيلى واجيال عديدة وعاش طفولته وصباه يستمع إلى برنامج «غنوة وحدوتة» الذى كانت تقدمه ابلة فضيلة، ومازلنا نحفظ كلمات اغنيته ولحنه المميز ونرددها وكأننا قد سمعناها منذ قليل.
الصدفة وحدها كانت وراء لقائى بها ورؤيتها لاول مرة بعد سنوات طويلة من الاستماع إلى برنامجها الاشهر فى مصر وربما العالم العربي. الصدفة كانت قبل حوالى 30 عاما تقريبا..كنت مدعوا لحضور المؤتمر الصحفى للدورة الثالثة او الرابعة لمهرجان القاهرة الدولى لسينما الطفل بدعوة كريمة من الاستاذ الكبير الراحل سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائى ورئيس اتحاد الفنانين العرب فى ذلك الوقت.
فى المقعد المجاور لى مباشرة جاءنى صوت لا اخطئه ابدا.. ومن يخطيء هذا الصوت الذى تربى عليه خيال ووجدان اجيال كثيرة من اطفال مصر عبر عشرات السنوات.. كان الصوت مثل قطرات المطر فى صيف حار على جسد عصفور صغير فابتل وشرب وانتعش وتهلل.
رحت أتامل صاحبة الصوت المنفرد على استحياء.. تساءلت فى سعادة غامرة.. معقولة هل هى فعلا ابلة فضيلة؟.. قبل ان اواصل اسئلتى الحائرة ودهشتى وفرحتى المفرطة بسماع الصوت التفتت إلى فجأة وبصوتها المميز والمنفرد الضحوك الحنون قالت لى «أيوه.. أيوه يا ولد انا اللى فى بالك.. يا ترى شكلى حلو ولا هتغير رأيك فيا»..لم اتمالك من فرط جمال اللحظة وجمال صاحبة الصوت وبحركة فجائية وجدتنى اطبع قبلة فوق جبينها.. فضحكت فمل رنين ضحكتها قاعة المؤتمر ونظر إلى الاستاذ سعد فأشرت اليه بصوت عال «دى ابلة فضيلة يا استاذ» فضحك بدوره وادرك سر الضحك بيننا.
عقب المؤتمر الصحفى قلت لها «الآن اكتمل وجه القمر وصوته».. تلك الطفلة الكبيرة التى اسرت خيال ووجدان ووعى ملايين الاطفال عبر اثير الاذاعة المصرية بمئات الحواديت والمعانى الجميلة والاخلاق الرفيعة والقيم الراقية، وتحولت إلى ايقونة الطفولة حتى وهى فى عمرها التسعيني..!
عشقت الاذاعية فضيلة توفيق القصص منذ نعومة اظفارها، فقد كانت والدتها تجمعها مع اشقائها لتحكى لهم الحواديت الفلكورية»، وكذلك كان يفعل جدها،التحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وبعد تخرجها قابلت الاذاعى بابا شارو «محمد محمود شعبان» فى عام 1953م واعربت عن امنيتها فى العمل بالاذاعة وبالفعل قدمت اوراقها وتم تعيينها كمذيعة لنشرة الاخبار، وتدربت على يد الاذاعى الكبير حسنى الحديدى احد اشهر مذيعى نشرة الاخبار بالاذاعة المصرية.
ومع بداية البث التليفزيونى وانتقال بابا شارو للعمل به فى عام 1959م اختارها لتحل محله لتقديم برنامجه «غنوة وحدوتة» ومن اشهر الحواديت حكاية عم الغلباوي، حكاية الكسلان، حكاية كوب اللبن واشطر الشطار وغيرها من الحكايات التى قامت بما عجزت عنه النصائح والارشادات، واستطاعت بصوتها الدافيء وطريقتها الشيقة السلسة ان تجذب الاطفال حتى نهاية الحكاية وبعد انتهائها تختم بجملة شهيرة توتة توتة خلصت الحدوتة.
تولت منصب مراقبة برامج الاطفال 1960م، ثم مدير عام برامج الاطفال 1970م، فنائب رئيس الشبكة التجارية عام 1980م. قدمت على مدار مشوارها الاذاعى عدة برامج منها برنامج مستقبلى ولكن يظل «غنوة وحدوتة» اشهر برامجها على الاطلاق.
وكان أول برنامج قدمته أبلة فضيلة على الاذاعة بعنوان «س و ج» استضافت فيه كبار الفنانين والمشاهير وقتها من اشهرهم لقاؤها بكوكب الشرق أم كلثوم والتى اعترضت على اجراء المقابلة مع ابلة فضيلة، باعتبارها اذاعية مبتدئة، لكن سرعان ما كونت صداقة قوية معها.
أول مرتب حصلت عليه كان 12 جنيها، وكان كبيرا بالنسبة لها لدرجة انها كانت توزع نصفه على الفقراء بالاضافة إلى انها تزوجت المهندس ابراهيم أبوسريع كبير مهندسى الاذاعة.
بعد ما اشتهرت واصبح صوتها معروفا وقبل شرائها لسيارة خاصة، كان سائقو التاكسى بعد معرفة صوتها يرفضون الحصول على اجرة منها، فكانت تصر وتقول لهم «خدوا الأجرة وهاتوا بها حاجة حلوة لاولادكم».
فى يوليو قبل الماضى اعلنت شركة المتحدة للخدمات الاعلامية عن اطلاق عدد من الجوائز بأسماء كبار المبدعين، منها جائزة ابلة فضيلة توفيق لدراما الاطفال، تخليدا لدورها الكبير الاذاعى والتليفزيونى الذى قدمته للاطفال على مر الاجيال.
برنامج اخر بعنوان «مستقبلي» استضافت فيه افضل واهم الرموز فى المجالات المختلفة مثل الطب والحقوق والموسيقي، والتمثيل، وعدد من المطربين والملحنين الكبار، من بينهم موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب.
تزوجت الاذاعية فضيلة توفيق من كبير مهندسى الاذاعة المصرية «ابراهيم ابوسريع» ولها ابنة واحدة اسمها «ريم» ظلت تسجل حلقات برنامجها «غنوة وحدوتة» حتى الشهور الاولى من 2007، وفى نهاية 2014 سافرت لكندا للاقامة مع ابنتها، حيث عاشت هناك مع احفادها، بعدها حصلت على الجنسية الكندية وتوفيت فى يوم 23 مارس عام 2023 عن عمر 93 عاما.