المرأة هي روح وضمير المجتمع.. وقيامها بدورها الطبيعي في الحياة يصلح التربية ويضبط الأخلاق ويتنفس الوطن هواء صحياً.. وإيماناً من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بدور المرأة عبر التاريخ في إصلاح شأن الأمم، سعي الرئيس بكل جهد لتنال المرأة حقوقها الشرعية من خلال القوانين ولتتولي مختلف المناصب مثل الرجال تماماً.
فقد فرض الله تعالي من السماء لها حقوقاً قرآنية واسعة وأوصي الرسول النبي الكريم «صلي الله عليه وسلم» بهن خيراً.. فإصلاح المجتمع يأتي من نصفه النسوي.
ومنذ شهور تستعرض هذه الصفحة «نساء في تاريخ مصر» شخصيات نسائية استطاعت أن تعمل وتصل للقمة مجسدة حقوق المرأة ومن الماضي كان اختيارنا لشخصيات نسائية مضيئة استطاعت تحقيق النجاح عن طريق العمل الدؤوب من خلال عقود من الزمن وفي هذا التقرير نستعرض قصة نجاح الإعلامية همت مصطفي وهي امرأة من طراز فريد استطاعت أن تكون من أوائل جيلها في التليفزيون المصري شكلت علامة وطفرة حقيقية في التاريخ وحفرت اسمها بإنجازاتها.
فهي رائدة الحركة النسائية في التليفزيون ويتخذها الكثير من السيدات رمزاً لهن في التليفزيون والإذاعة.. وشجعت الكثير من الفتيات علي التقدم للعمل في مجال الإعلام.. وإلي التفاصيل..
بدأت همت مصطفى مشوارها مع مبنى ماسبيرو من خلال الإذاعة المصرية، حيث بدأت رحلتها فى الإعلام عام 1951 كمذيعة للبرامج العربية. وقد اكتشفها الإذاعى حسنى الحديدى أستاذها ـ حيث كانت تتميز بصوت هادئ وله بصمة مميزة.
اهتمت همت مصطفى بالبرامج السياسية لفترات طويلة واختيرت ضمن أول الإعلاميين للعمل بالتليفزيون عند تأسيسه فى عام 1960، وكما كان صلاح زكى أول مذيع شاهده الجمهور، كانت همت مصطفى أول مذيعة ظهرت على الشاشة، وأول من قرأت نشرة الأخبار فى التليفزيون المصري.
قدمت همت مصطفى العديد من البرامج، منها «خللى بالك»، «على شط النيل»، وبرنامج المسابقات «٣*٣».. كما قامت بتغطية موسم الحج لعام 1964، وحفل أضواء المدينة فى دمشق، وعُينت مشرفة على القناة الثانية مع بداية عملها بالتليفزيون، كما شغلت منصب رئيسة التليفزيون من مايو 1980 حتى نهاية نفس العام. وتوفيت فى 14 ديسمبر 1995.
حامية الابتسامة
فى الميدان عام 1960.. التف المصريون لمتابعة جهاز خشبى ظهر لهم برعاية الحكومة التى قررت حل مشكلة غلاء أسعار أجهزة التليفزيون، حيث وصلت وقتها إلى 35 جنيهاً، بابتكار فكرة تليفزيون الميدان، وأصبح فى كل مدينة جهاز تليفزيون داخل هيكل خشبى يتولى تشغيله موظف حكومي، وكان الناس يقصدون الميدان لمشاهدة مواد التليفزيون من نشرات أخبار وتلاوات قرآنية وبرامج سياسية.
وتحديداً فى الساعة السابعة من مساء يوم 21 يوليو 1960 ظهرت تلك النقطة البيضاء فى قلب تليفزيون الميدان، وبعدها عزفت الموسيقى السلام الجمهوري، ثم قرأ الشيخ محمد صديق المنشاوى بضع آيات من القرآن الكريم، ثم ظهر الإذاعى الكبير صلاح زكى معلناً بدء إرسال التليفزيون العربي، وبعده ظهرت ابتسامة الفتاة الجميلة همت مصطفي، لتكون أولى مذيعات العصر الجديد عصر الشاشة الصغيرة.
مع هذه الابتسامة تعرف المصريون على أول مذيعة مصرية تطل عليهم فى تليفزيون مصر.. همت مصطفى التى ولدت فى مدينة ميت غمر سنة 1927، تخرجت فى كلية الآداب قسم التاريخ فى جامعة القاهرة سنة 1950.
بدأت مسيرتها الإذاعية سنة 1951 مذيعة بالبرامج العربية ثم اكتشفها الإذاعى الكبير حسنى الحديدى واهتمت بالبرامج السياسية فترة طويلة، ثم اختيرت ضمن أوائل الإعلاميين للعمل بالتليفزيون المصرى عند تأسيسه عام 1960.
همت مصطفى هى أول من قرأ نشرة الأخبار فى التليفزيون المصرى ثم عينت مشرفة على القناة الثانية منذ بداية عملها به، وشغلت منصب رئيسة التليفزيون من مايو 1980 إلى نهاية 1980، وقدمت العديد من البرامج أبرزها على «شط النيل وخللى بالك وبرنامج المسابقات ٣ فى ٣» كما قدمت حفلات أضواء المدينة بالعاصمة السورية دمشق سنة 1985 وسافرت إلى السعودية لتغطية موسم الحج سنة 1964.
انفردت الراحلة همت مصطفى بإجراء حوارات مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى العديد من البرامج التى تبث مباشرة للجمهور العربى من بلدته ميت أبوالكوم بمحافظة المنوفية فى العديد من المناسبات، كان أبرزها عيد ميلاده سنة 1980 عندما ظهر بالجلباب والعباءة وكان هذا اللقاء هو المحطة الأخيرة فى حياة همت مصطفى المذيعة الرائدة التى ارتبطت فى أذهان الطبقات الشعبية المصرية بعبارة خاطبها بها الرئيس السادات وهى «ياهمت يابنتي» وهو العام الأخير الذى قضاه السادات فى حكم مصر، وكان مطلوباً من همت فى ذلك المشهد إعادة تقديمه للناس بصورة جديدة، ارتدى فيها الجلباب الريفى ووضع العباءة على كتفيه وجلس على الأرض كأنه الفلاح المصري.
وجاءت همت وسألت الرئيس: كيف ترى السنوات العشر الماضية من خلال توليكم مسئولية البلاد؟ فكانت إجابة الرئيس درساً فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فتكلم عن النهضة المصرية فى نهاية عصر إسماعيل والنهضة الصناعية التى سعى محمد على لإحداثها على أرض مصر، وربط بين هاتين الحقبتين التاريخيتين والسنوات العشر التى حكم خلالها البلاد، وكانت إشارة ذكية تدعو المشاهد إلى الربط بين محمد على وإسماعيل والسادات باعتبارهم بناة مصر، اختفت بعدها همت مصطفى عن المشهد الإعلامي، ثم رحلت يوم 14 من ديسمبر سنة 1995 عن عمر ناهز 66 عاماً.
تركت الإعلامية الكبيرة همت مصطفى علامات كثيرة فى مسيرتها وأسست لميثاق إعلامى مختلف وناجح لمعظم الأجيال التى تألقت بعدها، ففى أحد لقاءات الإعلامية نجوى إبراهيم قالت عنها: لا أنسى نصيحة همت مصطفى التى التزمت بها طوال حياتى حيث قالت: «لازم تخبط على الشاشة وأنت طالع وتستأذن لأنك بتدخل بيوت الناس وغرف نومهم، وممكن يكونوا قاعدين براحتهم وابتديت أتخيل المشهد كله وإنى داخلة شقة ناس، فأول ما تفتح الكاميرا تكون عينك فى الأرض وكأن بتقول دستور يا أسيادنا للناس اللى بتتفرج عليك»، وفضلنا نسمع نصايح فى تفاصيل عملنا حتى شربنا المهنة، وحينما أصبحت رئيسة قناة قلت الكلام نفسه والنصائح نفسها للمذيعات.
أما المعلق الرياضى الكبير مدحت شلبى فقد حكى فى أحد لقاءاته أيضاً أن همت مصطفى كانت السبب فى دخوله المجال الإعلامي، حيث قال شلبي: «أول ما دخلت التليفزيون كنت وقتها ضابطاً بمركز تدريب رياضى وذهبت للتليفزيون لمقابلة اللواء مدين، وفى مكتبه فوجئت بوجود الأستاذة همت مصطفى عنده ففتحت عيونى على اتساعها لأنى كنت أول مرة أراها وأشاهد الهالة الضخمة التى تحيط بها.. بصراحة اتخضيت وتوترت فى الكلام مع سيادة اللواء لأجدها تقاطعنى قائلة: تعالى يا ولد قرب هنا.. إنت صوتك حلو أوي.. تيجى تقرأ النشرة فى التليفزيون؟».
ويستكمل الإعلامى مدحت شلبى الحكاية قائلاً: «طبعاً ما صدقت لأن وقتها كان التليفزيون المصرى هو الوحيد اللى موجود فى الساحة، ومن هنا بدأت حياتى مذيعاً ثم معلقاً رياضياً بفضل همت مصطفي».
وجسدت الفنانة إسعاد يونس دور همت مصطفى فى فيلم «أيام السادات» الذى قام ببطولته الفنان الراحل أحمد زكى وتوفيت فى 14 ديسمبر 1995.
قدمت همت مصطفى العديد من البرامج السياسية كما كانت تقوم بقراءة النشرات الإخبارية، كما كانت تقدم برنامجاً إذاعياً أسبوعياً بعنوان «الأسبوع فى ساعة» واختيرت همت ضمن أول الإعلاميين للعمل بالتليفزيون عند تأسيسه عام 1960م وكانت أول مذيعة يشاهدها الجمهور على الشاشة وأول من قرأ نشرة الأخبار فى التليفزيون المصري.
تولت الإشراف على القناة الثانية مع بداية عملها بالتليفزيون وكان عام 1962، ثم فى يوليو 1965 عينت مديراً للبرامج التوجيهية فى التليفزيون إلى جانب قراءة النشرة فى الإذاعة والتليفزيون، وانتدبت خبيرة للبرامج فى اتحاد الإذاعات العربية ثم أصبحت وكيلة للتليفزيون ومديراً عاماً للأخبار والشئون السياسية عام 1978.
كانت المذيعة الأبرز فى التليفزيون والإذاعة فتمتعت بتقدير خاص من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كما أسبغ عليها الرئيس الراحل أنور السادات عناية خاصة ومنحها معظم أحاديثه.
وكانت السبب الرئيسى وراء قرار وقف الكاتب موسى صبرى رئيس تحرير جريدة الأخبار من عمله، وذلك بعدما أساء إلى صوت «همت» فى يومياته بصحيفة الأخبار، حيث ثارت وبكت فصدر القرار بأن يجلس موسى صبرى فى بيته والذى سعى إلى تسوية الموقف وتم الصفح عنه لكنه لم يعد إلى الأخبار بل عاد إلى «الجمهورية» وذلك حسبما كتب جلال الدين الحمامصى مقالاً فى كتابه «القرية المقطوعة» الذى صدر عام 1982.
بين التليفزيون والسياسة
كانت استديوهات البث التليفزيونى ظهرت بقوة فى أوروبا وهو الأمر الذى جعل «فاروق» يرغب فى أن يكون فى مصر «جهاز تليفزيون» له مقر واستديوهات، وبالفعل جرت التجارب الأولى فى قصر عابدين، وظهر «دكتور على الراعي» كبير مذيعى الإذاعة المصرية فى هذه التجارب المصورة، ولم يكتمل المشروع لأسباب لا أعرفها، لكن المعروف أن حفل زفاف الملك فاروق والملكة «ناريمان» فى العام 1951، تم تصويره بكاميرا التليفزيون، المملوكة لشركة فرنسية متخصصة فى هذا المجال، وهذا الشريط المسجل عليه «الزفاف الملكي» يظهر فيه رجال الحكومة والأميرات بجوار الملك وعروسه الملكة التى أنجبت ولى عهده «أحمد فؤاد» وجاءت ثورة 23 يوليو 1952، لتقضى على الملكية وتقيم «الجمهورية»، وكانت «الإذاعة» هى الجهاز الإعلامى واسع الانتشار الذى نقل البيان الأول الذى ألقاه «أنور السادات» من أمام ميكرفون موجود فى «دار الإذاعة» فى شارع الشريفين، بوسط القاهرة، وهو المقر الذى حاصرته دبابات سلاح الفرسان ليلة الثورة، وكانت تحت قيادة «ثروت عكاشة» وزير الثقافة فيما بعد.
وكى يعرف القارئ العلاقة الوثيقة بين «التليفزيون» والسياسة، من المهم التوقف أمام «الإذاعة» و»السينما» و»الصحف الورقية» وهى الوسائل التى سبقت التليفزيون وكانت تتولى تشكيل الرأى العام فى الاتجاه الذى يرغب فيه النظام السياسى والإذاعة المصرية الحكومية ظهرت فى ثلاثينيات القرن الماضي، ونقل لمسامع الشعب صوت «فاروق الأول» وهو يقول «شعبى العزيز» عقب توليه مقاليد الحكم ونقلت صوت «مصطفى النحاس» وهو يقول لنواب البرلمان «واليوم أطالبكم بإلغائها من أجل مصر»، وكان يقصد معاهدة «1936» التى ألغاها من جانب واحد فى «أكتوبر 1951» وفى العام «1953» انطلقت إذاعة «صوت العرب» لتكون حاملة رسالة «القومية العربية» للشعوب التى تخوض حروباً ضد الاستعمار الإنجليزى والفرنسى من المحيط إلى الخليج، وكانت قوات العدوان الثلاثى على مصر فى العام 1956 استطاعت إسكات صوت الإذاعة، قصفت مبنى «الشريفين» وقصفت مركز الإرسال فى «أبوزعبل» ولكن إذاعة دمشق العربية انطلق منها الصوت العروبى الوحدوى «هنا القاهرة من دمشق» وهى الرسالة التى تحولت لوحدة اندماجية بين القطرين فى العام 1958 ودشنها الرئيسان «جمال عبدالناصر» و»شكرى القوتلي» ودامت ثلاث سنوات وانتهت من الوجود، وهى الوحدة التى تغنى بها «محمد قنديل» فقال «وحدة ما يغلبها غلاب»، وأدرك عبدالناصر أهمية أن يكون فى مصر «تليفزيون» يصوغ الخطاب السياسى ويحمله إلى الجماهير، ويقاوم «الدعاية السوداء» المعادية للنظام ـ الوحدوى التقدمى ـ المعادى للاستعمار الأوروبى والأمريكي، وقبل ذلك كان الملك فاروق مكتفياً بالصحف الورقية فى تجميل صورته فى عيون «شعبه العزيز»، وكانت «السينما» فى بدايات ثورة «23 يوليو» تقدم لجماهيرها «نشرة سياسية» قبل عرض الفيلم الروائي، ورغم كثرة دور العرض فى المدن المصرية، إلا أن الزيادة السكانية، وتسارع إيقاع «حرب الأفكار» جعل التليفزيون ضرورة تفرضها اللحظة الحادة الفارقة، وأنشئ مبنى التليفزيون بتكلفة بلغت «مائة وتسعة آلاف» من الجنيهات، وكان هذا المبلغ كبيراً فى ذلك الزمان، وأرسلت البعثات للتدريب على تشغيل «التليفزيون» بكافة عناصره، من تصوير وإضاءة وإخراج وكتابة نصوص، وفى العام «1960» تحقق الحلم، وأصبح فى مصر «تليفزيون» يغطى العاصمة، وما حولها «حوالى مائة كيلو متر» ولم تكن أجهزة الاستقبال متاحة «كان سعر الجهاز الواحد خمسة وثلاثين جنيهاً»، ولحل المشكلة ابتكرت الحكومة فكرة «تليفزيون الميدان» وأصبح فى كل مدينة «جهاز تليفزيون» داخل هيكل خشبى يتولى تشغيله «موظف» حكومي، وكان الناس يقصدون الميدان لمشاهدة مواد التليفزيون، من نشرت أخبار، وتلاوات قرآنية وبرامج سياسية، وفيما بعد ظهرت «الدراما»، وعرف الناس الحلقات التليفزيونية التى تروى قصة مثل أفلام السينما، وتولت الحكومة تصنيع أجهزة التليفزيون، وبيعها بنظام «التقسيط» حتى يستطيع الناس امتلاك الجهاز الذى يربطهم بالحياة.