من أهم وأبرز مايستحق التأمل والتدبر والدراسة واليقظة.. فى تقديري.. بالنسبة لدروس وعظات وعبر حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.. هو ذلك التلاقى العميق فى «سيكولوجية الشر» بين إسرائيل وكل من أمريكا وبعض دول أوروبا.. أمريكا وأوروبا الرسميتان وليس الشعبيتين.. فالذى ينظر إلى مشهد الحرب الآن.. الحرب التى بدأت فى عام «2023» ونحن الآن دخلنا فى عام «2025».. الذى ينظر إلى مشهد هذه الحرب الآن وتداعياتها يرى شيئاً لافتاً.. جميع الأحداث وردود الأفعال الدولية أو العالمية التى تولدت مع بداية الحرب الإسرائيلية الوحشية.. جميع هذه الأحداث خبت أو خفت صوتها أو تلاشت أو حتى أصابها الملل أو الاحباط.. حدث هذا لكل شيء ما عدا شيئين.. أول هذين الشيئين هو روح الإمعان فى الإجرام والقتل والإبادة لدى إسرائيل.. والشيء الثانى هو ذلك الدعم والتأييد المطلق الذى تقدمه أمريكا وبعض دول أوروبا «حكومات وليس شعوباً».. أشير هنا إلى صورة واحدة فقط للتدليل على ما أقول.. ففى بدايات الحرب كانت المظاهرات الشعبية تملأ شوارع وجامعات الولايات المتحدة وأوروبا.. الآن لم نعد نرى هذه الصور وغيرها «أيا كان السبب».. اختفت كافة الصور المناهضة للحرب الإسرائيلية تقريباً.. والذى ظل محافظا على قوته وحماسه وشدته ولم يخفت ولو بمعشار درجة هو «الإجرام الإسرائيلي» ومعه الدعم العسكرى والسياسى والاقتصادى «الرسمي» الغربي.. وهاهى المذابح والمجازر التى يرتكبها جيش إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى تتزايد وتتسارع وتيرتها بشكل لم تعرفه البشرية من قبل.. تنفذ إسرائيل جرائمها المروعة أمام أعين العالم دون أدنى إهتمام بالقرارات الدولية حتى وإن كانت جهة إصدارها هى «الجنائية الدولية».. تفعل إسرائيل هذا لأنها تعول كثيراً على الأمراض المزمنة المستوطنة فى هذا العالم.. الملل.. التعود.. الاحباط.. والنسيان!!.. هذا الشعور أو هذا التصور كان أمامى وأنا أطالع كتاب «تاريخ الأمريكيين ذوى أصول عربية» والذى هو موضوع اليوم بإذن الله سبحانه وتعالي.. هذا الكتاب صدرت الطبعة الأولى منه قبل ثمانية عشر عاماً ويتناول محطات مهمة فى تاريخ التواجد العربى فى الولايات المتحدة الأمريكية.. ومن خلال ما أورده الكتاب من معلومات وتجارب فإن «اللغز» يبرز من جديد.. فعلى الرغم من وجود إشارات قوية للوجود العربى فى أمريكا تعود جذورها إلى «ماقبل الميلاد» ثم توالت بعد ذلك الموجات المهاجرة والرحالة قبل عصر الكشوفات الأوروبية المعروفة.. على الرغم من ذلك كله نجد أنه وكأن هناك من يعمل بكل طاقاته من أجل حذف «هذه الصفحات العربية» من سجل التاريخ الأمريكي.. فى نفس الوقت الذى تسعى فيه «هذه الأطراف» إلى تضخيم كل ما هو «يهودي» وطأت قدماه الأراضى الأمريكية حتى لو كان «هذا المرور» عابرا أو على سبيل المصادفة!!.. إن التواجد العربى فى أمريكا يعد من عناصر القوة العربية الكامنة.. قوة لها جذور ضاربة فى أعماق التاريخ الأمريكي.. مطلوب تفعيلها لكى تكون أكثر مساهمة فى خدمة «المصالح العربية العليا».
تحت عنوان: «بذور فى الهواء.. الموجة الأولى للهجرة العربية إلى الولايات المتحدة» يتحدث جريجورى أورفلى فى كتابه «تاريخ الأمريكيين ذوى أصول عربية» والذى ترجمه إلى العربية سعيد الحسنية عن بدايات التواجد العربى على الأراضى الأمريكية.. وكان من بين ما قاله فى ذلك إنه فى بعض الكهوف داخل الولايات المتحدة تم العثور على أحجار منحوتة منقوش عليها كتابات تشير إلى الفينيقيين الذين كانوا يسكنون لبنان قديما مما يرجح أن أسلاف اللبنانيين قد حطوا الرحال فى أمريكا ما بين عامى « 480 و146» قبل الميلاد.. هذه الكتابات عثر عليها داخل كهوف فى كل من نيو هامشير وبنسلفانيا.. كما يقول مؤلف الكتاب أيضاً إنه تم الكشف عن دلائل تثبت تواجد شمال إفريقى وليبى على وجه الخصوص فى جنوب غرب أمريكا وأن علماء الآثار غير الملمين باللغة العربية أو اللغات القديمة وجدوا كتابات غير مفهومة فى عام «1962» ووضعوا لها بطاقة بعنوان: «منحنيات الحوض العظيم» هذا بالإضافة إلى ماكشف عنه خبير اللغويات والحفائر بارى فيل فى عام «1980» عن وجود نقش فى صخرة فى نيفادا مكتوب باللغة العربية «بالخط الكوفي».. استطاع خبير اللغويات والحفريات قراءة اسم «حميد» أو «هادي» فى هذا النقش.. ويضيف جريجورى أورفلى أن بارى فيل وجد كذلك تشابهات مثيرة ما بين الهندسة المعمارية الهندية الحمراء وبين الهندسة وصناعة الفخار وحتى الملابس التونسية والليبية فى العصور العربية القديمة.. كما تم الكشف عن نقوش صخرية أخرى تحث الناس على عدم إهانة «بعل» مكتوبة باللغة النوميدية وهى لغة شمال افريقيا القديمة وتعود إلى عام «650» قبل الميلاد مما يؤكد أن الليبيين القدماء عاشوا فى الصحراء الغربية الأمريكية.. ويشير مؤلف الكتاب إلى وجود رابط قوى بين رحلات واكتشافات كريستوفر كولومبس وبين العرب.. فيقول إن الرحلة الشهيرة التى قام بها كولومبس وتم خلالها اكتشاف أمريكا «العالم الجديد» عندما حاول كولومبس الوصول إلى الشرق عن طريق الإبحار غرباً.. هذه الرحلة التاريخية الشهيرة تقول بعض الوثائق أن كولومبس استقاها أو استلهمها من بعض العرب الأندلسيين.. وجاء فى الكتاب أيضاً أنه فى عام «1528» قاد أحد أبناء المغرب العربى حملة إسبانية إلى ولاية فلوريدا الأمريكية.. كما يتحدث الكتاب عن وجود وثائق أمريكية تعود إلى عام «1717» تتحدث عن أمريكيين سود يتحدثون العربية ويرفضون أكل لحم الخنزير.
بعد هذه الإشارات المتقدمة أو القديمة للتواجد العربى فى أمريكا تطرق مؤلف الكتاب إلى تلك الفترة التى أخذ فيها التوافد العربى إلى الأراضى الأمريكية يأخذ شكلا معينا أومحددا وهى فترة «سبعينيات» القرن التاسع عشر.. يقول جريجورى أورفلى إن هناك أسبابا شجعت هؤلاء العرب على الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مشيراً إلى أن عملية الهجرة العربية إلى أمريكا كانت ذروتها فى الحرب العالمية الأولى لتتوقف بعد ذلك فى عام «1924» بسبب قوانين الهجرة التى تم وضعها فى ذلك الوقت.. يعرض مؤلف الكتاب أسبابا عدة للهجرة العربية فى تلك الفترة إلى أمريكا كان فى مقدمتها الأسباب الاقتصادية ويقول إن ما يقرب من تسعين فى المئة من المهاجرين العرب فى سبعينيات القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى من «المزارعين».. يروى مؤلف الكتاب وقائع ومفارقات كثيرة عاشها المهاجرون العرب فى تلك الفترة خلال رحلتهم من مواطنهم الأصلية إلى الأراضى الأمريكية وهم على متن السفن التى انطلقت بهم وبأحلامهم وهى تمخر عباب الأطلسي.. يتحدث الكتاب عن رحلات بعض الأشخاص منذ لحظة خروجهم من منازلهم من بلاد الشام يستقلون دوابهم حتى يصلوا إلى أقرب ميناء لكى يستقلوا إحدى السفن التى تقلهم إلى مارسيليا فى فرنسا استعداداً إلى الانطلاق إلى أمريكا.
إحدى صور الهجرة العربية إلى أمريكا التى رصدها كتاب «تاريخ الأمريكيين ذوى أصول عربية» تللك الصورة التى جرت أحداثها مع نهاية القرن التاسع عشر والتى يقول فيها مؤلف الكتاب إن بعض العرب من بلاد الشام استخدموا ظهور الدواب من أجل الوصول إلى الميناء الذى سينطلقون منه فى رحلتهم.. وهناك آخرون ظلوا يسيرون على أقدامهم ما يقرب من ثلاثة أيام لكى يصلوا إلى نفس الميناء.. وهناك فى هذا الميناء يجهزون «وثائقهم وأوراقهم ومستلزمات السفر» ثم يصعدون إلى ظهر الباخرة التى تقلهم إلى فرنسا فيما يشبه «الترانزيت» قبل التوجه إلى «العالم الجديد».. وينقل مؤلف الكتاب بعض التفاصيل فى الصورة الشاملة عندما يتحدث عن الانطباعات الأولى للمهاجرين العرب فى تلك الفترة عندما يصلون إلى فرنسا وبالتحديد مارسيليا حيث يقول إن أحد هؤلاء المهاجرين والذى كان شابا لم يتجاوز الأربعة والعشرين عاماً.. كان منبهراً بالأضواء الكهربائية كذلك القطارات والتى كان يراها لأول مرة.. كان الميناء الفرنسى كما يقول جريجورى أورفلى مليئاً بكل أنواع الباعة الجائلين.. كانوا يبيعون كل شيء بما فى ذلك الأزياء العربية.. ويتعرض الكتاب إلى تلك المشاعر التى عاشها بعض المهاجرين العرب أثناء رحلة السفينة عبر المحيط الأطلسى إلى أمريكا.. فيقول إن أحد الذين كانوا على متن السفينة اعتاد أن يضع مسبحته فى نافذة غرفته بالسفينة كلما هاجت أمواج المحيط والتى كانت فى بعض الأحيان تملأ بعض الغرف.
من بين الوقائع العربية التاريخية التى حدثت فى العالم الأمريكى والتى كان أبطالها «قدامى المهاجرين» وكان لها أثرها وتأثيرها.. تلك الواقعة التى كان أحد أطرافها الرئيس الأمريكى الأسبق تيودور روزفلت والذى شغل منصبه فى الفترة من «1901 وحتى 1909».. هذه الواقعة تناولها مؤلف الكتاب قائلاً: إن سيناتورا أمريكيا ساعد إحدى المهاجرات العربيات كان قد تم احتجاز ولدين لهابعيدا عنها بسبب إصابتهما بأحد الأمراض فى تلك الفترة.. حيث بعث السيناتور ببرقية إلى الرئيس يطلب منه التدخل لإعادة الولدين المحتجزين إلى والدتهما.. ولقد كان وصف السيناتور لمأساة الأم العربية لافتاً حيث قال السيناتور موجها كلامه إلى الرئيس روزفلت: يجب أن تتدخل من أجل منع إساءة كبرى من شأنها أن تلطخ سمعة البلاد وتضع بقعة سوداء فى العلم الأمريكي.. استجاب روزفلت وسرعان ما تم السماح للولدين بالانضمام إلى والدتهما.. يشير كتاب «تاريخ الأمريكيين ذوى أصول عربية» من بين ما يشير إليه.. أنه بحلول عام «1900» كان التواجد العربى فى نيويورك قوياً حيث كان العرب يسكنون أحد الشوارع المزدحمة هناك وهو «شارع واشنطن».. يقول مؤلف الكتاب فى ذلك إن العرب استطاعوا امتلاك شارع واشنطن.. كان الشارع يضج بالحياة من الفجر حتى الغسق.. رائحة القهوة وأبخرة المشروبات الساخنة كاليانسون وأدخنة النارجيلة.. كل ذلك كان يضفى على شارع واشنطن فى نيويورك مذاقاً عربياً.. يقول مؤلف الكتاب أيضاً إن المهاجرين السوريين فى كل من مانهاتن ونيوجيرسى «أحيوا» صناعة الحرير هناك لدرجة أنه مع قدوم عام «1924» كان عدد مصانع الحرير السورية فى باترسون وهوبوكين الغربية «خمسة وعشرين مصنعاً».
بعدما عرض جريجورى أورفلى فى كتابه بعض النماذج والوقائع والتفاصيل للموجة الأولى من الهجرة العربية إلى أمريكا فى العصر الحديث والتى أرخ لها من عام «1878» وحتى عام «1924».. راح يتحدث عن «الموجة الثانية» والتى اعتبرها بدأت من عام «1948» بعد حرب فلسطين وحتى عام «1966» ثم توالت بعد ذلك «موجات الهجرة».. يشير أورفلى إلى أن المهاجرين العرب فى الموجة الثانية كانوا أفضل من أفراد موجة الهجرة الأولى من حيث المستوى التعليمى والثقافي.. وبينما كانت الموجة الأولى من الهجرة العربية كانت الغالبية العظمى فيها من أهل بلاد الشام نجد أن الموجة الثانية تضم مهاجرين من مصر والعراق ودول شمال إفريقيا بالإضافة إلى فلسطين وبلاد الشام.. ويؤكد أورفلى هنا أن الجرائم والمذابح التى ارتكبتها إسرائيل قبل حرب «1948» وبعدها كانت سببا رئيسياًً فى هجرة عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة فى الفترة من عام «1948» وحتى عام «1966».. ويتطرق فى ذلك إلى كيف أن هذه الجرائم والمذابح كانت محفورة فى أذهان الفلسطينيين المهاجرين بعد قدومهم إلى الولايات المتحدة ومرور سنوات عديدة على «النكبة».. يروى أحدهم لصديق له على «مائدة الغداء» بمنزله فى نيويورك «ذكرياته» مع إحدى الجرائم الإرهابية التى ارتكبتها عصابة صهيونية كان يتزعمها مناحم بيجن والذى تولى منصب رئيس الوزراء الإسرائيلى فيما بعد.. يتحدث الفلسطينى المهاجر هنا عن الحادث الإرهابى الشهير الذى نفذته عصابة «الأرجون» الصهيونية عندما فجرت فندق الملك داوود بالقدس وأدى ذلك إلى مقتل العشرات من العرب والبريطانيين واليهود أيضاً.. كان أحد القتلى العرب هو شقيق للمهاجر الفلسطينى الذى كان يروى هذه الذكريات.. جميع الفلسطينيين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة فى تلك الفترة حملوا معهم كافة «المشاهد الدامية» التى فرضتها العصابات الإسرائيلية عليهم وعلى ذويهم.. يقول آخر إنه لا ينسى تلك الليلة من ليالى الحرب والتى ألقت فيها إسرائيل على سكان القدس ما يقرب من ثمانمئة قنبلة نجا هو خلالها من الموت «باعجوبة».. كل هذه الصور والذكريات صاحبت المهاجرين الفلسطينيين والعرب إلى أمريكا وعاشت معهم وورثها عنهم أبناؤهم وأحفادهم.. ومن بين ما يشير إليه بقوة هذا الكتاب هو أن المهاجرين العرب فى الموجة الأولى والمهاجرين العرب فى الموجة الثانية لم يكن بينهما ترابط أو لحمة قوية.. وظل ذلك سائدا أو ظاهرا حتى وقع حدث مهم فى «الشرق الأوسط».. إنه الخامس من يونيو «1967».. لقد أدى هذا الحدث إلى صهر الجميع فى بوتقة واحدة وصار أفراد موجتى الهجرة الأولى والثانية وكأنهم كتلة واحدة.. حدث ذلك أيضاً خلال حرب العاشر من رمضان 1393 «السادس من أكتوبر 1973».. وتكرر كذلك عندما اجتاحت إسرائيل لبنان فى عام «1982».. لقد وحدت الحروب العربية الإسرائيلية بين الأمريكيين ذوى الأصول العربية وجعلتهم أكثر اهتماماً واتصالاً وارتباطاً بقضايا مواطنهم الأصلية.
يلفت كتاب «تاريخ الأمريكيين ذوى أصول عربية» الإنتباه بشكل أو بآخر إلى قضية بالغة الأهمية وذات دلالة كاشفة.. وهو الدور الذى قامت به الولايات المتحدة «مبكراً» فى دعم العصابات الصهيونية والدعاوى التى يطلقها قيادات هذه الحركة حتى قبل «قيام إسرائيل».. يتعرض الكتاب إلى بعض المواقف التى تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين لم يكن سببه هو التآمر والتواطؤ البريطانى فقط.. لقد كانت أمريكا هى الأخرى أحد الأسباب أيضاً.. كما يشير الكتاب إلى وجود محاولات للعرب الأمريكيين سبقت حرب «1948» من أجل التأثير فى القرار الأمريكى ومنع «قيام إسرائيل».. لكن هذه المحاولات كانت تجد عقبات كبرى تمثلت فى الاختراق الصهيونى للمجتمع الأمريكى ودوائر صنع القرار بالإضافة إلى وجود صورة ذهنية تاريخية مشوهة ما زالت قابعة فى «الذهن الأمريكي» ترجح كفة إسرائيل على حساب الحق العربي.. من بين ما أشار إليه جريجورى أورفلى فى كتابه عن الدور الأمريكى الداعم للصهيونية حتى قبل «قيام إسرائيل» قوله إن السياسة الأمريكية التى انتهجتها أمريكا تجاه الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى كانت سياسة غامضة.. وعند حلول الحرب العالمية الثانية صارت هذه السياسة متناقضة.. ففى الوقت الذى تصدر فيه عن الإدارة الأمريكية تصريحات يفسرها العرب بأنها لصالح الفلسطينيين يخرج الرئيس روزفلت ليعلن موافقته على «الهجرة غير المقيدة» لليهود إلى فلسطين وتأسيس «الكومنولث اليهودي».. حدث ذلك خلال حملة روزفلت الانتخابية الرئاسية فى عام «1944».. ويضيف أورفلى أنه فى الوقت الذى كان يجتمع فيه روزفلت مع قادة صهاينة بارزين فى أوائل أربعينيات القرن الماضى لم يتمكن العرب الأمريكيين من الوصول إليه وكان اتصالهم بالرئاسة الأمريكية عبر وزير الخارجية فقط.
بعد وفاة الرئيس روزفلت فى عام «1954».. بدأ قادة الحركة الصهيونية فى شن حملة عدائية ضد الرئيس ترومان.. هكذا يقول مؤلف الكتاب.. وعلى الرغم من تصدى ترومان لهذه الحملة فى باديء الأمر لكنه يبدو أنه رضخ أمامها فى نهاية الأمر وأخذ يستجيب للمطالب الصهيونية.. تروى أوراق «تاريخ الأمريكيين ذوى أصول عربية» أنه حدث ذات يوم من أيام عام «1948» أن إلتقى الرئيس الأمريكى ترومان بشريك سابق له فى أحد المحال التجارية هو إدى جاكوبسن.. وفى هذا اللقاء تحدث «هذا الشريك السابق» عن الصهيونية وما بذله قائدها حاييم وايزمان من جهود نيابة عن يهود العالم «المضطهدين».. كان جاكوبسن يتحدث «والدموع تنهمر من عينيه !!».. وفى هذا «الجو» أبلغ جاكوبسن الرئيس ترومان أن قائد الحركة الصهيونية يريد مقابلته لكنه لا يستطيع ذلك.. فما كان من الرئيس الأمريكى بعد ذلك إلا أن يطلب اجتماعاً على وجه السرعة بقائد الصهيونية حاييم وايزمان.. تصف أوراق التاريخ «الدموع الصهيونية» التى سيطرت على مفاصل اجتماع ترومان وجاكوبسن بأنها الدموع الأكثر تأثيراً فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.. وأنا أقول إن تأثير هذه الدموع ما زال عالمنا العربى يعانى من تداعياتها «حتى الآن»!!
عرب أمريكا.. هم بالفعل رقم مهم فى معادلة «المصالح العربية العليا».. ويجب أن يحظوا بنظرة غير تقليدية من قبل «مواطنهم الأصلية».. نظرة تساهم فى جعل هؤلاء «العرب الأمريكيين» أو «الأمريكيين العرب» جزءاً من حل المشكلات الاقتصادية والتعليمية والزراعية وغيرها من مشاكل وتحديات تواجه عالمنا العربي.. هذا بالإضافة إلى «الآمال المستقبلية» التى ترى فى هؤلاء العرب الأمريكيين «قوة قادمة» يمكنها بطرق عديدة الدفاع عن القضايا المصيرية للأمة.. وفى المقدمة منها وفى قلبها «القضية الفلسطينية».. قضية العرب الأولى والمركزية.. «عرب أمريكا» هم بالفعل سر من أسرار التاريخ وقوة كامنة لا يستهان بها.. وتعتبر مسألة تفعيلها «ضرورة» من ضرورات «الصمود» فى وجه التحديات التى تفرضها متطلبات الحياة فى العالم الآن.. عرب أمريكا مطالبون اليوم أكثر من أى وقت مضى بإزالة آثار «الدموع الصهيونية» التى سالت من عين إدى جاكوبسن فى «لقاء الرئيس الأمريكى ترومان» قبل ستة وسبعين عاماً.. وما زالت تداعياتها تواصل حرق فلسطين والعرب إلى اليوم.