لا تعاتب جاهلا ولا تلوم أحمق، فليس كل ما تسمعه أذنك أو تراه عيناك، يستحق منك أن تحرك لسانك كرد فعل عليه، فقط صن لسانك ليرتفع قدرك ويعلو شأنك، أو على الأقل لتحفظ مقامك ولا تفقد احترامك، كن عاقلاً حكيماً ولا تفقد إيجابيتك مع السفهاء والسلبيين.
والجهل هو تغيير حقيقة الأشياء وعدم معرفة الأمور بصورتها الصحيحة، أى بمعنى إخفاء الحقيقة عن الذهن سواء أكان بعارض أو بدونه، أما الجاهل فهو الإنسان الذى يجهل ما هو عليه على الرغم من معرفته التامة بأن ما يفعله هو غير صائب، فليس الجاهل من لا يعرف القراءة والكتابة وإنما يجهل ما كان بين يديه.
الجهل يأتى من تطبع التفكير الخطأ، والتفكير الخطأ هو ناتج من فشل الشخصية وهو الفشل النفسي، والفشل هو الهزيمة، والهزيمة هى الضعف الحقيقي، والضعف الحقيقى هو عدم مقدرة الإنسان على بناء نفسه بالصورة الصحيحة.. فلنبتعد قدر ما نستطيع عن الجهل لكى لا نجعل حياتنا عبارة عن كهف مظلم لا يدخله النور أبداً. وهناك انواع عديدة للجهل وهو على شقين؛ جهل مركب أى بمعنى أن صاحبه يجهل أنه جاهلاً، وجهل بسيط وهو أن صاحبه يعلم بأنه جاهل.
والجهل مرض يصيب الإنسان بإرادته دون تدخل خارجى حيث يختار الإنسان هذا المرض ويرضى به ويتمسك به بقوة، ومن أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع، والمعارضة قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم.
وصدق سقراط عندما قال: «ينبغى للعالم أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض».
والواقع المؤلم فى مجتمعنا أنه عندما تدخل حلقة نقاش مع الجاهل فإنه يبقى مصراً على رأيه وعدم معرفته بما يقول، فيضطر العالم إلى أن يترفع بالسكوت عن الجاهل حتى لا يصبح جاهلاً مثله.
وقد قال سيدنا على بن أبى طالب، رضى الله عنه: «لا تجادل الجاهل كى لا يغلبك فى جهله» فإن خالطت الجاهل طويلاً فسيجرك إلى القاع لا محالة، ثم سيدفنك بجوفه حتى يهلك عقلك. لأنه كلما جادل المرء السفهاء أكثر، انتقص من قدره وأصاب عقله الوهن والتشوش.
إن مجادلة السفهاء تمنحهم غروراً زائفا يصوّر لهم أنهم مصدر الحكمة وأن غيرهم لا يفقهون شيئاً ويبدو هذا جليا عند تفقد مواقع التواصل الاجتماعى ووسائله المتعددة، نجد حربا مشتعلة تدور رحاها بين الجهلاء الذين يجيبون عن كل سؤال يُطرح على تلك المنصات، ويسارعون إلى طرح آرائهم إزاء قضايا مجتمعاتهم والمجتمعات الاخرى كذلك.
وهؤلاء الحمقى ليسوا إلا شرذمة من الغوغائيين غير محبى وطنهم ولا مجتمعهم الذين ينبغى تجاهلهم وإظهار مكانتهم الحقيقية ليعلموا حجمهم الحقيقى وليستيقظوا من أوهامهم التى تزين لهم الاستمرار فى حماقاتهم. وإذا كان يتحتم علينا أن ندخل فى نقاش مع أحد هؤلاء، فلنحرص على ألّا تنتهج طريقته فى الحوار.
أصبح الجدال العقيم اليوم حماقة أعيت من يداويها ووباء يستشرى بين أوساط الناس حيث اتخذ البعض هذا الشكل من الجدال الذى لا يُسمن ولا يُغنى من جوع نمطا ثابتا لا يقبلون عنه بديلاً. حتى استطاع هذا السلوك الذميم أن يصنع جيلاً من الشباب السطحيين يتبجّح الواحد فيهم برأيه وكأنه فيلسوف زمانه وعبقرى عصره، بعد أن استبد الجهل بالعقول والغوغائية بالقلوب؛ فأصبح النقاش لأجل النقاش.
لقد تمكن هذا الداء العضال من أن يطال فئات عديدة من البشر والذين وجدوه مكملاً غذائيا لا مجال لإهماله. لذلك فإن ما علينا فعله هو أن نتسلّح بالعلم والمعرفة أولاً حتى لا نكون لقمة سائغة على مائدة من يدّعون الثقافة والرأى السديد.
ولا يفوتنى فى هذا المقام التأكيد على أن الممارسة المجتمعية ابرزت لنا نماذج متميزة من الفلاحين والعمال من غير المتعلمين وقد تعاملت مع نماذج كثيرة منهم فى نطاق مركزى السنبلاوين وتمى الامديد بمحافظة الدقهلية واشهد الله اننى وجدت فى حوارهم والنقاش معهم فى مختلف الأمور الحياتية تحكمهم عبقرية العلماء وحكمة العظماء وفى هذا السياق وإذا نحن قد أوضحنا بغض الجهل وحماقة تصرف الجهلاء فإنه على النقيض نجد العالم فى مكانة عالية فالعلماء هم خلفاء الرسول فى أمته وورثة النبى فى حكمته يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم عن الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى مما أحسن أثرهم على الناس وهم حراس الدين من الابتداع وحماته من التخريف وهم رسالة قوية واضحة للتسامح والود وصفاء النفس وحسن السيرة وصلاح المسيرة ونموذج فى فقه المعاملات والتعامل ونواة دائمة للمجتمع الصالح تحكمه ضوابط مجتميعة راقية فى احترام الآخر والاختلاف فى الرأى دون الاختلاف على الثوابت وعدم نكران الجميل وتقدير ذوى الفضل مهما كان فالشكر والتقدير والاحترام لا يقلل من شأن من قام به ولكن النكران والجحود مردوده على المنكر الجاحد ومن هنا فإن عتاب الجاهل اجتنابه أما العالم فلا تتردد فى التعامل معه.
حفظ الله مصرنا الحبيبة
حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم