عندما أمّم الزعيم جمال عبد الناصر قناة السويس فى 26 يوليو 1956 روجت بريطانيا كذبا أن القناة كانت ستعود لمصر بصورة طبيعية، طبقا لاتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888 باعتبار أن مدة عقد امتياز شركة القناة 99 عاما كانت ستنتهى فى نوفمبر 1968 وأن عبد الناصر حينما أمّم القناة، أشعل فتيل صراع إقليمى ودولي.
كأن التاريخ أراد أن ينصف عبد الناصر فى قبره حينما نشر موقع «بى بى سى» العام الماضى وثائق أفرج عنها تقول بوضوح إن بريطانيا ومعها فرنسا ودول أخرى خططت لعدم إعادة القناة لمصر واستمرارالتحكم فى الممر الملاحى حتى بعد عام 1968.
كان عبد الناصر لا يأمن جانب بريطانيا بخصوص عودة القناة بعد انتهاء الامتياز ومن هنا بنى قراره كتب الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس :» جلس عبد الناصر يشرح لى خطته للتأميم وفى الحقيقة كانت تلك واحدة من أعظم لحظات حياته، وقد استعاد دوره كضابط أركان حرب وكتب كل شيء على الورق.. وكان الهدف المكتوب: شركة قناة السويس، وهذا يحقق إمكانية تمويل السد العالى كما أن التأميم يلبى حقا مصريا يراود أحلام كل المصريين، وهو أيضا يؤكد الاستقلال المصرى الكامل بما فيه استقلال الإرادة السياسية، كما أنه يضيف أهمية القناة إلى أرصدة مصر الإستراتيجية.
الوثائق البريطانية المفرج عنها تقول إن البريطانيين خططوا حتى قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 لاستمرار السيطرة على القناة بعد تسليمها لمصر فى عام 1968.. وكشفت إن السير فرانسيس فيرنر وايلى ممثل بريطانيا فى شركة القناة نبّه حكومته فى فبراير 1952 أى قبل الثورة بخمسة أشهر إلى احتمال تسريع إجراءات تأميم القناة.. وبعدها مباشرة قام لورد موريس هانكى مدير الشئون التجارية فى شركة القناة والمقرب من الثعلب البريطانى ونستون تشرشل، والمؤيد للوجود العسكرى البريطانى فى مصر بإرسال تقرير لوزارة الخارجية البريطانية يعدد فيه الأسباب التى تبرر عدم تسليم الشركة والقناة للمصريين حتى بعد انقضاء فترة الامتياز وانتهى تقريره إلى توصية بعدم تسليم قناة السويس لمصر حتى بعد عام 1968.
وفى سياق المؤامرات أيضا كانت هناك مجموعة من الخطط نوقشت قبل ثورة يوليو 1952، للسيطرة على القناة فبحث خبراء إنجليز وأوروبيون خمسة بدائل، الأول إضافة نص يتعلق بالقناة وشركتها فى أى تسوية بين مصر وبريطانيا، والثانى إنشاء تحالف عسكرى فى الشرق الأوسط لحماية القناة والشركة، والثالث تدخل حلف شمال الأطلنطى الناتو لتوفير الحماية، والرابع فصل منطقة القناة عن مصر، والخامس وضع القناة تحت سيطرة الأمم المتحدة وتبين أن البدائل الخمسة غير قابلة للتطبيق بسبب رفض المصريين القاطع والمتوقع لها وصعوبة إقناع دول العالم بتأييدها.
فى 26 يوليو 1956 أمّم جمال عبدالناصر قناة السويس لتصبح شركة مصرية خالصة، وهو القرار الذى جعل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل يشنون عدوانهم الثلاثى على مصر فى نهاية أكتوبر من نفس العام و أمام المقاومة الباسلة للمصريين أعلنت لندن وباريس فى 6 نوفمبر 1956 قبولهما وقف النار وسحب قواتهما من مصر، لينتهى العدوان بانتصار سياسى كبير لعبد الناصر، ليصير بعدها زعيما قوميا عربيا ويكتب بقراره تأميم القناة نهاية عصر الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية، فضلا عن الكشف بوضوح عن المطامع الإسرائيلية فى سيناء، وجعل موسكو حليفا قويا للقاهرة.
كان عبد الناصر كأى سياسى يصيب ويخطيء لكنه فى ملف تأميم القناة تأكد أنه كان على حق.