مشهد إنسانى حضارى جميل يتكرر أمامى فى مثل هذه الأيام، بعد انتهاء الاجازة الصيفية وبدء الاستعداد لعام دراسى جديد.
كثير من الأسر المصرية تصطحب أطفالها لشراء الزى المدرسى ولوازم المدرسة من حقائب وأدوات مدرسية، وتشاركهم الدولة من خلال منافذها المتعددة فى تقديم التخفيضات لأسعار هذه الاحتياجات ومحاولة كبح جماح التضخم ومحاربة استغلال البعض لمثل هذه المناسبات واضطرار الناس على تلبية احتياجات فلذات أكبادهم، حتى لو تحملوا منا فوق الطاقة والاحتمال.
وفى هذه المناسبة السعيدة على نفوس كل المصريين بما تحمله مثل هذه الأيام من ذكريات الماضي، ما يجعل الكثيرين منهم يتذكرون أزماناً ماضية يطلقون عليها الزمن الجميل والأيام الخوالى للمدرسة ودورها ودور المعلم الأب الذى يبذل أقصى الجهد فى الشرح وإفهام التلاميذ بعيداً عن أزمان أخرى يعاصرها أبناؤهم الآن على السناتر والدروس الخصوصية ومصروفات الدراسة الباهظة فى المدارس الخاصة التى لا تتردد فى زيادة قيمة المصروفات الدراسية كل عام، وفى التفاف مريب على قرارات الوزارة فى تحديد نسب محددة لهذه الزيادات.
>>>
فى هذا العدد، اقترح مبادرة شعبية وما أيسرها على مواقع التواصل الاجتماعى التى يتباكى فيها البعض على هذا الزمن الجميل، بأن يكونوا أكثر إيجابية فى مساعدة البسطاء ومحدودى الدخل على سداد المصروفات المدرسية، صحيح ان مثل هذه المصروفات فى المدارس الحكومية لا تقارن بمصروفات المدارس الخاصة التى يصل متوسطها لتلاميذ المرحلة الأساسية من عشرين إلى خمسين ألف جنيه، فى حين انها فى المدارس الحكومية تتراوح ما بين مائتى إلى خمسمائة جنيه حتى فى التعليم الحكومى المتميز لا تزيد على ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه.
ولكن لا شك أن هناك فئات غير قادرة، لا تستطيع الوفاء بهذه المصروفات.. وبالتأكيد ان البحث الاجتماعى بكل مدرسة قادر على الوصول إلى هذه الفئات التى تستحق الدعم أو الإعفاء.. ولكن ما المانع أن الأجيال الكبيرة الحالية التى تعلمت فى مدارس الزمن الماضى عندما كانت الرسوم المدرسية نحو جنيه وقرش صاغ واحد للسنة الدراسية، ويتم تخفيضها بعد أسبوعين أو ثلاثة من الدراسة إلى 25 قرشاً.. أو يتم الإعفاء نهائياً للطلاب الذين لم يستطيعوا السداد، وكانت تسلم لهم الكتب المدرسية مجاناً ومعها حزمة من الكراسات، علاوة على الوجبة الغذائية المدرسية التى كانت عبارة عن خبز مصنوع من دقيق معونة أجنبية ومعها بعض الجبن الشيدر.
أقول: ما المانع أن يسهم هذا الجيل الذى نال أفضل تعليم عندما كانت قرارات الدولة تسمح بالإنفاق على التعليم قبل الزيادة السكانية الهائلة التى نعيشها الآن، وكان لها تأثيرها على نوعية التعليم وكثرة تسرب التلاميذ.
>>>
ما المانع أن تتشارك هذه الأجيال بالتنسيق مع المراكز والأحياء فى المحليات من خلال مبادرة يستطيع من خلالها القادرون الوصول إلى الطلبة المحتاجين فى مدارسهم القديمة التى تعلموا فيها، وذلك من خلال صندوق مالى تشرف عليه الإدارات التعليمية، ودون جرح لمشاعر التلاميذ والأسرة غير القادرة.
أتصور أن مبادرات كهذه وأفضل كثيراً من البكاء والنواح على اللبن المسكوب والماضى الجميل الذى نستطيع أن نصنع أفضل منه بأفكار إيجابية تحقق العائد المجتمعى على المدى الطويل بأجيال جديدة متعلمة تصنع مستقبلاً زاهراً لأنفسها ولوطنها.