مع بدايات عام جديد من العدوان الإسرائيلى على غزة.. لا يبدو اى بصيص من أمل لانتهاء العدوان الذى اتسع بالفعل .. بل وأصبح لا مجال لمقولة يجب عدم توسيع الصراع فى الشرق الأوسط الذى توسع بالفعل وأصبح واضحا للجميع أنه بين اسرائيل وحلفائها وداعميها من جانب وبين الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد) وحزب الله بدعم كامل من إيران فى الجانب الآخر.
فقد مضى عام ثقيل، عنيف، مروّع، على الشرق الأوسط خاصة والعالم عموماً، دُفعت خلاله الإنسانية والمبادئ والأعراف والقوانين الدولية إلى حافة انهيار تاريخى لا سابق له، تحوّل معظم قطاع غزة إلى ركام، ومساحات واسعة من لبنان الى حطام، ولم تنتهِ المآسى والفظائع بعد ولا يبدو فى الأفق القريب أى خروج من الحرب، وكل الطرق للعودة إلى السياسة والتفاوض لاتزال مسدودة.
فاليوم التالى للعدوان فى غزة ولبنان بل وفى اسرائيل ليس له أى تصور، بل هناك توقعات بأن الصراع الدائر قد يستمر سنة أخرى وأكثر، ما لم تقترب الأطراف المعنية من حلول سياسية يكون هدفها الأول إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أما دون ذلك فتكون تسويات موقّتة تديم الصراع وتعقّده وتقصى احتمالات السلام والاستقرار إلى أجل غير مسمّي.
إن «طوفان الأقصي» فى صبيحة السابع من أكتوبر 2023، كان نتاجا لانسداد الأفق عن وجود أى حلول، فالاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية مستمر ومتغطرس، ثم تأتى أدوار القوى الإقليمية أو الدولية التى استغلّت الجمود الذى فُرض على الملف الفلسطيني، سواء باستبعاد حكومات إسرائيل طوال خمسة عشر عاماً أى تفاوض مع السلطة الفلسطينية إحياءً لمشاريع السلام، أو بفشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان، و -فى المقابل- دخول «محور الممانعة» الإيرانى على الخط وتسليحه فصائل مثل «حماس» و«الجهاد» وإعدادها لاستئناف المقاومة المسلّحة لـ»إزالة الاحتلال»، وبالتالى أُدخل الشأن الفلسطينى فى دهاليز الصراعات التى يخوضها ذلك المحور مع القوى الدولية، بالإضافة إلى خلافاته مع الأطراف الإقليمية، ويتفاوت تقويم حدث 7 أكتوبر وتداعياته بين مَن يعتقد أنه كان «خطاً استراتيجياً» ارتكبته الفصائل وداعموها، وبين مَن يعتبره «نتيجة» كانت دائماً متوقّعة للاحتلال وممارساته ومحاولات إسرائيل إضفاء شرعية عليه من دون حصول الشعب الفلسطينى على أدنى حقوقه المشروعة، أما الردّ على هذا الحدث فاتَّخذ أبعاداً متفاوتة سواء من جانب إسرائيل وأمريكا، أو من جانب العرب والمسلمين.
فالدعم المطلق من أمريكا والغرب لإسرائيل – غير المستغرب – أغرقها فى تطرّف غير مسبوق وما لبثت نتائجه الكارثية أن فاجأت حتى داعميها، وهى استغلّت ذلك فى اتجاهات عدة.
كل هذا – للأسف الشديد – شغل المجتمع الدولى عن متابعة الاهتمام بالمأساة الإنسانية العميقة لغزّة، وكذلك عن المخاطر المهددة لوجود الدولة اللبنانية.
ومع استمرار الحـرب، نجد هنـاك نتائـج ظاهـرة وجليـة للجميـع مفـادها: (لا مقومات للحياة فى غزّة، لا إزالة للاحتلال بل توسّعه، مزيد من الإضعاف للسلطة الفلسطينية، وإحباط للمحاولات الدولية ولا سيما العربية لإيجاد أفق سياسى للمسألة الفلسطينية، والزج بلبنان فى أزمة عميقة تضاف إلى كل أزماته الأخري).