«اغتيال السلام وتدمير قطاع غزة وسقوط نحو 140 ألف شهيد وجريح وكشف الوجه الإجرامى لإسرائيل».. هو أبرز ما أسفر عنه العدوان الإسرائيلى على القطاع، والذى شهد عدوانا آخر على الضفة الغربية وعدوانا ثالثاً على جنوب لبنان فى أطول حرب شنتها إسرائيل فى المنطقة وقامت خلالها باغتيال عدد من قادة حماس وحزب الله، أضف إلى ذلك الهجمات المتبادلة بين الكيان الصهيونى والحوثيين وإيران فى تطور خطير يوحى باشتعال حرب إقليمية شاملة، وهو ما يفرض بعض التساؤلات حول هذه الحرب ومن الرابح والخاسر فيها وهل حققت تل أبيب أهدافها كما تزعم الحكومة الإسرائيلية أم أنها مجرد دعاية صهيونية لاخفاء خطايا و«فساد» بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء وأعضاء حكومته المتطرفة، والأهم: هل تستمر هذه الحرب عاماً آخر أم تنتهى بمجرد إجراء الانتخابات الأمريكية وتحديد رئيس الولايات المتحدة القادم؟.
بداية فإن ما يتردد حول أن العدوان الإسرائيلى على غزة والدمار الذى ألحقته الآلة العسكرية بالقطاع جاء فقط نتيجة عملية «طوفان الأقصي» – قبل عام- وما تسببت فيه هذه العملية من أضرار لجيش الاحتلال الإسرائيلى والمستوطنين بالقطاع، يظل قولاً «ضعيفاً» بلا دلائل لأن ما حدث خلال العام المنقضى يثبت أن نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفة كانوا فقط فى انتظار مبرر لدوران آلة الحرب، والدليل على ذلك رفض الحلول السياسية وافشال صفقة الرهائن مقابل وقف اطلاق النارفى غزة، ثم امتداد الحرب إلى الضفة الغربية وإلى الجنوب اللبنانى فضلاً عن التصعيد مع إيران فى عمليات متلاحقة تكشف الهدف الحقيقى لحكومة الاحتلال بترهيب الدول العربية وتصفية القضية الفلسطينية كلية، فى خطوة أولى نحو التوسع بالمنطقة فى إطار ما يسمى بإسرائيل الكبري.
يؤكد ذلك حديث رئيس الوزراء الإسرائيلى المتكرر والمصحوب بالخرائط والمصحوب كذلك بالتغنى بـ»ذراع» إسرائيل الطولي، والتى تعنى التهديد واستخدام كافة الأساليب لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذى فشلت إسرائيل والغرب فى تنفيذه عقب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وعقب ما اطلق عليه ثورات الربيع العربى فى العام 2011 ثم بعد هدم بعض الجيوش العربية واستفحال خطر التنظيمات الإرهابية عام 2014، وصولاً إلى التعقيدات الدولية الأخرى التى شهدها العالم بما فيها اشتعال الحرب الروسية – الأوكرانية عام 2022 وما تسببت فيه من أزمة اقتصادية عالمية، علاوة على إضعاف الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها وتكريس المفاهيم بعدم أهمية الأحكام التى تصدرها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وبما يعطى تأكيداً بأن الولايات المتحدة وحدها هى من تملك الحل وأن إسرائيل سوف تواصل عربدتها فى المنطقة طالما أمريكا تريد ذلك.
حقيقة فقد تضررت المنطقة كثيراً نتيجة الاستهداف «الإسرائيلى – الغربي» وضمان أمريكا لأمن إسرائيل ونتيجة الصراعات الدولية ومحاولة الولايات المتحدة تقويض صعود روسيا والصين، والسيطرة على المنطقة العربية عبر إسرائيل لتحقيق هذا الغرض، ولتكون المحصلة النهائية ترك الحبل على الغارب للكيان الصهيونى لشن حروب الإبادة والقتل والتدمير والتهجير القسرى للفلسطينيين فى غزة وتوسعة دائرة الحرب فى مناطق فلسطينية وعربية أخري، غير أن الثابت ووفق هيئة البث الإسرائيلية فإن 73٪ من الإسرائيليين يرون أن نتنياهو لم ينتصر فى غزة وغيرها من المدن العربية، كما أن 86٪ من عينة البحث أكدت أن المستوطنيين الذين غادروا الكيان الصهيونى لن يعودوا لإسرائيل لمخاوفهم من استمرار الحرب وغياب الأمن والأمان.
الثابت أيضاً انه بعد مرور عام على العدوان الإسرائيلى على غزة، فإن نتنياهو قد فشل فى تحقيق أهداف الحرب بالقطاع وفشل معه سلاح الدفاع الجوى بعد الاختراقات المتتالية لمسيرات وصواريخ حزب الله والحوثيين وإيران كذلك فإن مسألة «الذراع الطولي» لإسرائيل تظل بلا حسم فى ظل العمليات غير المتكافئة التى تقوم بها إسرائيل ضد تنظيمات مسلحة وليس جيوشاً نظامية، كل ذلك يؤكد أن نتنياهو ليس فى وضع يساعده على وقف الحرب أو الهروب من المحاكمة، لذا فإن التوقعات تشير إلى استمرار العدوان على غزة وعلى الجنوب اللبنانى خلال الفترة القادمة، وعلى أقل تقدير لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية، وحسم كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والشرق الأوسط الجديد و«النووى الإيراني»، دون النظر إلى الخسائر أو الدماء العربية الطاهرة التى تسال كل يوم ولا يلتفت إليها أحد.