انتهت قمة البريكس فى مدينة قازان الروسية ولكن لم تنته بعد تداعياتها وتأثيراتها الكبيرة على الصعيد العالمى سياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا.. نجح الرئيس بوتين فى مهمته الصعبة وأثبت لأمريكا وأعضاء المعسكر الغربى فشل محاولاتهم فى عزل روسيا عن العالم ومقاطعة بوتين شخصيا.. وبدا بوتين مرتاحاً لحجم الحضور بمشاركة زعماء 30 دولة يتقدمهم الرئيس عبدالفتاح السيسى بالإضافة إلى المنظمات الدولية والإقليمية الفاعلة حيث حضر الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريتش شخصيا وهو ما أغضب أوكرانيا كثيرا وحلفائها فى الغرب، وأكدت النقاشات والمباحثات التى دارت بين زعماء القمة سواء خلال الجلسات المجمعة أو فى اللقاءات الثنائية المنفصلة نجاح تجمع البريكس فى احراز تقدم كبير على صعيد تعزيز حضوره على الساحة الدولية بدليل ذلك الاهتمام العالمى الواسع من جانب وكالات الأنباء العالمية أو محطات التليفزيون وعبر مواقع التواصل الاجتماعى لدرجة ان قمة البريكس تفوقت وطغت على الحدث العالمى الأبرز كل أربع سنوات والخاص بالانتخابات الأمريكية التى تجرى وقائعها حاليا.. فهل انتصر بوتين على بايدن.. وهل تضاءلت فرص الاحتكار الأمريكى الغربى وهيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي؟
بوتين حاول الإجابة عن هذا السؤال وقال: لقد سعينا إلى تعزيز نفوذ بريكس، وزيادة دورها فى الشئون العالمية، وفى حل المشاكل العالمية والإقليمية الملحة، وساهمنا بكل طريقة ممكنة فى تعميق التعاون متعدد الأوجه بين دولنا فى ثلاثة مجالات رئيسية.. السياسة والأمن والاقتصاد.
أشار بوتين إلى أن هناك «تغييرات جوهرية فى عالم متعدد الأقطاب» مؤكدا أن هذا هو جوهر إستراتيجية مسار بريكس على الساحة العالمية، والذى يلبى تطلعات الجزء الرئيسى من المجتمع الدولي، ما يسمى بالأغلبية العالمية، وهذا المسار بالتحديد هو المطلوب بشكل خاص فى العالم، مشدداً على أن عملية «تشكيل عالم متعدد الأقطاب جارية» ولدى «بريكس» – الذى يضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا، مصر، إثيوبيا، إيران، السعودية، والإمارات العربية المتحدة – القدرة على تحقيق ذلك.
خلال اللقاء الضيق مع زعماء البلدان الـ10 الأعضاء فى بريكس قال بوتين «من العدل أن نقول إن المجموعة تضم أطرافاً متشابهين فى التفكير، ودولاً ذات سيادة تمثل قارات مختلفة، ونماذج متنوعة للتنمية، والأديان، والحضارات والثقافات الأصلية».
مصر صاحبة الدور الإقليمى والعالمى المحورى تؤكد دوما أنها مع الجميع لصالح الجميع وليست مع فئة أو محور أو تكتل بعينه فهى منفتحة فى علاقاتها مع الجميع شرقا وغربا وبما يحقق مصالحها الوطنية وبما يتوافق مع هوية وثقافة ومصالح الشعب المصري.. وهذا ما طرحه الرئيس السيسى خلال كلمته أمام القمة وفى لقاءاته الثنائية مع زعماء العالم، مؤكداً أن مصر تؤمن إيمانا راسخا، بأهمية تعزيز النظام الدولى متعدد الأطراف، وفى قلبه الأمم المتحدة وأجهزتها، باعتباره الركيزة الأساسية للحفاظ على مكتسبات السلام والاستقرار والتنمية، والضمانة القوية لحفظ الأمن والسلم الدوليين، إلا أن الأزمات المتعاقبة التى عصفت بالعالم، خلال السنوات الماضية، قد أوضحت بما لا يدع مجالا للشك، عجز النظام الدولى عن التعامل بإنصاف مع الصراعات حول العالم.. فضلا عن حالة الاستقطاب والانتقائية، التى أضحى النظام الدولى يتسم بها.
وبالطبع تطرق الرئيس السيسى فى كلمته إلى الحرب المشتعلة فى الشرق الأوسط وعدوان إسرائيل المتواصل على غزة ولبنان مشددا على أن منطقة الشرق الأوسط تعيش على وقع الحرب الإسرائيلية المستمرة، لما يزيد عن العام، على أبناء الشعب الفلسطينى المحاصرين بقطاع غزة، والمحاطين بأشكال القتل والترويع كافة»، محذراً من «توسيع الصراع والانزلاق نحو حرب شاملة».
وصل الرئيس «إلى بيت القصيد ولب الأزمات العالمية الراهنة فى ظل عالم القطب الأوحد إن «هذه الاعتداءات، التى امتدت إلى الأراضى اللبنانية، تعد أكبر دليل، على ما وصل إليه النظام الدولي، من تفريغ للمبادئ وازدواجية للمعايير، فضلاً عن غياب المحاسبة والعدالة، إزاء الانتهاكات التى ترتكب فى حق المواثيق الدولية، وقواعد القانون الدولى والإنساني، الأمر الذى نتجت عنه كارثة إنسانية غير مسبوقة، واستمرار الحرب وتوسعها».
آن الأوان لكسر الاحتكار الغربى وهيمنة عملة واحدة على مقدرات الاقتصاد العالمي.. آن الأوان لتحقيق العدالة والانصاف بين الجميع ومن حق الدول النامية ان تعيش وتتنفس وتحقق طموحاتها العادلة والمشروعة.. آن الأوان للعيش فى عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن تحيز وظلم القطب الأوحد وفرض هيمنته وسطوته وعضلاته على شعوب العالم.. آن الأوان لوقف العدوان الإسرائيلى البربرى على جيرانه العرب والمتواصل منذ أكثر من سبعين عاما بدعم ومساندة مباشرة ولا محدودة من أمريكا وأوروبا.. وفى النهاية آن الأون لنشر قيم العدل والمساواة بين إنسان الجنوب وإنسان الشمال.. بين صاحب البشرة البيضاء وأخيه ذى البشرة السمراء أو الصفراء فكل البشر اخوة ويعودون إلى أصل واحد يجمعهم عالم واحد.. أرض واحدة وسماء واحدة ويرزقهم رب واحد اسمه العدل.