هل يمكن أن نرى العالم قريباً بدون الولايات المتحدة الأمريكية؟ أو على الأقل بدون هذه الهيمنة الأمريكية على العالم بالصورة التى نراها الآن؟
قد يرى البعض أن السؤال نوع من أحلام اليقظة، ولكننى أرى العكس وبناء على بعض معطيات الواقع الكثيرة.
فى البداية إذا كانت واشنطن قد نجحت فى صناعة أو خلق عالم القطب الواحد بعد إبعادها الاتحاد السوفيتي عن نظام القطبية الثنائية، وتفتيته إلى جمهوريات مستقلة، بل وتم ضم بعضها إلى الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو بعد تفكيك حلف وارسو وخروج دول الكتلة الشرقية منه والانضمام إلى الحلف المنافس «الناتو».
الآن وبعد مرور نحو 35 عاماً على تنفيذ السيناريو الأمريكى الذى رسم بدقة من خلال «بريسترويكا»، أقصد «كارثتوريكا «جورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتى والتى أدت إلى ميلاد عالم القطب الواحد وما تبعه من الهيمنة الأمريكية على العالم.
أعتقد أن واشنطن نفسها تضع السيناريو الجديد لانهيار نطام الهيمنة الأمريكية على العالم من خلال الممارسات «الترامبية» نسبة إلى نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقبل دخوله البيت الأبيض للمرة الثانية، وللأمانة هذا المسلسل بدأ قبله بممارسات وبدرجات مختلفة، لكن الآن يتم وبسرعة كبيرة.
بعيداً عن القوة العسكرية التى قد تكون لصالح واشنطن بشرط ان يكون الطرف المواجه قوة فردية، لكن انتقل الأمر من المواجهة العسكرية إلى مواجهات أخرى تحميها طبعاً القوة العسكرية والتهديد بها، لكن ماذا ستكون النتيجة إذا كان الكاوبوى الأمريكى فى كفة والعالم كله فى كفة أخرى بما فيها حلفاء أمريكا ذاتها
> أعتقد أن نظاماً عالمياً بدأ فى التشكل.. لكن ما بذور هذا النظام؟
فى مقدمة الأسباب التى من شأنها نهش السيادة الأمريكية رغم بطش القوة ان اضمحلال المعايير الأخلاقية والقانونية والسياسية والكيل بـ100 مكيال وليس مكيال واحد أصبحت هى السائدة فى التصرفات الأمريكية على الساحة الدولية الآن، والأدهى من ذلك تبريرها بمنطق «اللى مش عاجبه يخرج من رحمتنا «، ينادون بحقوق الإنسان، بشرط ان يكون المقصود مناوئا للسياسة الأمريكية، فإذا كان المعتد من معسكرنا فلا مجال للحديث عن أى انتهاكات وما يحدث فى غزة خير مثال.
باختصار يمكننا القول إن واشنطن انطلقت من مرحلة السيطرة والهيمنة إلى مرحلة التدمير والطوفان وذهاب العقل حيث تحاول اقتلاع كل ما هو غير أمريكي!!
الأمر المهم إن مصدر قوة الهيمنة الأمريكية الرئيسى الكامن فى أوروبا بدأ ينحسر من حولها، والسبب سياسات ترامب الأخيرة لتنضم إلى بقية دول العالم فى خندق المناوئين للسياسة الأمريكية، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، بل وقد يتطور الأمر إلى مرحلة الفعل بتأسيس واقع جديد بدون واشنطن، أو على الأقل سحب عصا القيادة والهيمنة منها خاصة إذا تعلق الأمر بالاقتصاد.
والسؤال طبعا ما القوى التى ستحل محل الكاوبوى؟
بالطبع إذا حدثت مواجهة أمريكية مع العالم اقتصاديا فقد تحدث الفوضى، ولكننى أرى إنها ستكون «الفوضى الخلاقة «على حسب مصطلح كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكيية السابقة والتى كانت تصدره لنا، واقترب اليوم الذى سنصدره للبيت الأبيض مصحوبة بمقولتنا الشهيرة» بضاعتكم ردت إليكم «!!.. وأعتقد بقرب ميلاد نظام عالمى جديد تتشارك فيه قوى متعددة ستتحدد أسماؤها ومراكزها بنتيجة المواجهة.
أسباب هذه الرؤية الاستشرافية متعددة منها ببساطة ما نراه وقبل مرور 100 يوم على دخول ترامب للبيت الأبيض للمرة الثانية، نجده قد دخل فى مواجهة مع العالم كله، الجيران قبل غيرهم، الحلفاء قبل الأعداء.. لكن المواجهة الكبرى الآن مع التنين الصينى، وما أدراك ما التنين الصينى، بالإضافة لدول العالم كله من خلال سياسة الرسوم الحمائية للاقتصاد الأمريكى «المنهوب» من قبل دول العالم كله على حد وصف ترامب!!، وأقصد طبعاً فرض ترامب رسوما جمركية تتراواح من 10 إلى 125 ٪ على الواردات من الصين والعديد من دول العالم
> السؤال هنا هل هذه الرسوم ممكن أن تؤدى لانهيار الولايات المتحدة؟
الإجابة تستلزم ان نعرف أن ترامب علق الرسوم الجمركية «الانتقامية» ضد العالم كله 90 يوماً، لكنه بدأ يطبق حتى الآن 10 ٪.
وللحديث بقية.