مصر تسابق الزمن من أجل الوصول إلى تهدئة ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة.. ومنع العدوان الإسرائيلي.. والحيلولة دون اتساع رقعة الصراع.. تتواصل مع زعماء العالم.. وتستقبل قادته وتحتضن جهود الوساطة والتفاوض.. من أجل نزع فتيل اشتعال المنطقة وتفاقم الكارثة الإنسانية فى ظل قرار تل أبيب بشن عملية وهجوم برى عسكرى على رفح الفلسطينية.. بالأمس استقبل الرئيس السيسى رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية.. وأيضاً رئيس الوزراء وزير خارجية دولة قطر من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار.. وإنقاذ المنطقة من مصير مظلم.
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى أكتوبر الماضى تحولت القاهرة إلى قبلة العالم.. زيارات ولقاءات واتصالات من قادة وزعماء العالم وكبار المسئولين الدوليين واستضافة قمم إقليمية ودولية من أجل الوصول إلى حل وتهدئة ووقف إطلاق النار.. وسط تحذيرات مصرية دقيقة من خطورة استمرار العدوان والتصعيد الإسرائيلى بما يؤدى إلى توسيع نطاق الصراع وامتداده إلى مناطق وجبهات وأطراف أخرى بما ينذر بحرب شاملة فى المنطقة.. لن يسلم منها الشرق الأوسط والعالم.. لأننا فى عالم مثل الجسد الواحد.. إذا تأثرت فيه دولة بحرب أو نزاع أو صراع.. فإن تداعياته يتحملها الجميع.
مصر منذ اللحظة الأولي.. طالبت الجميع بالهدوء والتريث والحكمة فى وقت كانت فيه القوى الكبرى الداعمة لإسرائيل تتسابق فى تقديم الدعم والمساندة والحشد لصالح تل أبيب دون وعى أو إدراك لخطورة ما ترتكبه إسرائيل من مجازر وجرائم يومية تأكل الأخضر واليابس بلا رحمة أو ضمير أو إنسانية.. أرقام مهولة من الأطفال والنساء والمدنيين تتساقط يومياً ما بين شهداء وجرحي.. سبل الحياة تنعدم يوماً بعد يوم.. من تدمير لكل ما قد يؤدى إلى استمرار الحياة والعيش فى غزة من استهداف للمخابز والمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء والاتصالات.. وقصف للمنازل والعمارات والمنشآت.. حتى باتت غزة أشبه ببيوت الأشباح.. تغرق فى الدماء والأشلاء.. بما يجسد أننا أمام حرب إبادة متكاملة الأركان وتجويع وحصار.. هى بالفعل محرقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى بوحشية وبربرية.. فى مسلسل تحت عنوان «آلة القتل» يستمر عرضه على مدار 130 يوماً.. وكأن أفلام مصاصى الدماء والرعب أصبحت واقعاً نعيشه وسط صمت مطبق.. وتواطؤ من القوى الداعمة للكيان الصهيونى بلا توقف.. وجل ما يستطيعون فعله.. هو الإيحاء الكاذب بوجود خلافات أو توترات مع إسرائيل بسبب انتهاكاتها فى غزة.. والتلاعب بمقولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين مع تنفيذ العمليات العسكرية للقضاء على المقاومة الفلسطينية.. ورغم ذلك وعلى مدار الساعة يتساقط يومياً مئات الشهداء من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء.. لذلك فإن هناك شركاء لإسرائيل فى حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
الغريب أن إسرائيل تكذب مراراً وتكراراً وتتحدث عن اتخاذ الإجراءات لحماية المدنيين الفلسطينيين على مدار الشهر الخامس ولكن على أرض الواقع وفى جميع المدن الفلسطينية فى قطاع غزة تتفنن فى قتلهم والتنكيل بهم وهدم وقصف منازلهم.. وبداية التصعيد فى رفح الفلسطينية إجرام وإبادة يتواصلان.. فكيف تتحدث إسرائيل عن خطة لإخلاء النازحين من رفح؟.. أين وكيف؟.. وهو سؤال يطرحه العديد من الدول.. حتى أن جوزيب بوريل الممثل السامى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسية والأمنية تساءل كيف لإسرائيل أن تستطيع إخلاء 1.4 مليون نازح.. وإلى أين وإذا كانت تتحدث أمريكا عن حماية المدنيين فعليها أن تخفض أموالها ودعمها لتل أبيب.
الحقيقة أن الحديث عن دعم أمريكى إضافى لإسرائيل يقدر بـ14 مليار دولار.. ناهيك عن الجسر الجوى المتواصل الذى يتدفق بأحدث الأسلحة والذخائر ناهيك عن حاملات الطائرات والمدمرات والغواصات النووية والقاذفات والمقاتلات التى تقف فى عرض البحر لحماية إجرام إسرائيل.. والدعم السياسى فى مجلس الأمن باستخدام «الفيتو» الذى يرفض وقف إطلاق النار.. وكذلك فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.. كل ذلك يكشف حالة من الريبة والشكوك حول تناقض واشنطن فى ترويج وجود خلافات مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة نتنياهو وحالة الدعم غير المسبوق لحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين.. وهناك خبراء يؤكدون أن إسرائيل لم تكن لتجرؤ على اتخاذ تنفيذ هجوم برى على رفح الفلسطينية فى ظل هذه الحسابات والتقديرات والصدامات المتوقعة والكارثة الإنسانية التى سوف تتضاعف وتتفاقم لولا وجود (كارت أخضر) ودعم أمريكى منقطع النظير.
فى قمة الحكومات المنعقدة فى دبى الإماراتية كشفت الجلسات أن هناك 17 تريليون دولار تكلفة النزاعات والحروب والصراعات فى العالم.. وسؤالى المهم من يقف وراء هذه الصراعات والحروب.. ومن بيده «ريموت» الإشعال فى مناطق كثيرة بالعالم ليس هذا فحسب.. كم من ملايين البشر يسقطون قتلى وجرحى جراء هذه الصراعات والحروب.. وكم من الموارد والثروات والوقت يضيع بسبب هذه الحروب الطاحنة.. ومن المستفيد من وراء هذه الحرائق المشتعلة فى مناطق كثيرة فى العالم.. ألم يكن من الأجدر توظيف واستثمار هذه الأموال الطائلة فى رفاهية البشرية من بناء وتنمية ودعم للدول والشعوب الفقيرة؟
الحقيقة أن مصر لم تدخر جهداً.. وتبذل مساعى متواصلة ومستمرة على مدار الساعة من أجل احتواء الصراع والتهدئة ووقف إطلاق النار فى غزة.. ونزع فتيل الحرب الشاملة قبل امتدادها إلى مناطق أخرى.. هذه الجهود اتخذت مسارات وجهوداً مختلفة سواء فى شكل مباحثات ولقاءات وزيارات واتصالات ووساطات أو تنسيق وتشاور مستمر مع الشركاء الدوليين والإقليميين فى محاولة مستميتة من أجل اخراج المنطقة من هذا النفق والمصير المظلم.. وفى إطار هذه الجهود المخلصة والشريفة لمصر وقيادتها السياسية استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس ويليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية بحضور الوزير اللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية فى إطار المفاوضات التى تستضيفها القاهرة من أجل إيجاد حل وتهدئة ووقف لإطلاق النار فى غزة.. بمشاركة أمريكية– قطرية وحضور الأطراف المعنية بالصراع والتصعيد «بيرنز» ثمن الجهود المصرية الحثيثة فى دفع مسار التهدئة فى قطاع غزة ووقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين ودور مصر المحورى فى تقديم وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ بداية واندلاع الأزمة.. وهى شهادة جديدة تضاف لمئات الشهادات الموضوعية فى حق الجهود المصرية والتى تدحض أكاذيب قوى الشر.. اللقاء أسفر عن تأكيد الطرفين على استمرار التشاور والتنسيق المكثف لتحقيق أهداف وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتفعيل حل الدولتين وهى الرؤية التى طرحتها مصر منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى وان حل الدولتين هو السبيل الأمثل لعدم تكرار مثل هذه الصراعات وحفاظاً على أمن واستقرار وسلام المنطقة ويعزز جهود إرساء الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.
ليس هذا فحسب.. فالرئيس السيسى استقبل أيضاً رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرى خاصة أن القاهرة والدوحة تقودان عمليات التفاوض سعياً لنزع فتيل الصراع والعدوان الدائر والذى وصل إلى شهره الخامس حيث جسد اللقاء توافقاً مصرياً– قطرياً على أهمية التوصل لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وحماية المدنيين والتأكيد على خطورة تصعيد العمليات فى رفح الفلسطينية والتحذير من العواقب الوخيمة فى حالة تنفيذ الهجوم البرى الإسرائيلى على المدنيين الفلسطينيين فى جنوب القطاع وهو ما يستلزم ضرورة تكاتف الجهود الدولية للحيلولة دون اتساع دائرة الصراع وزيادة عوامل التوتر فى المنطقة.
ثمة أمور وتحركات تجرى خلف الكواليس وبعيداً عن الأضواء.. وفى جنح الظلام بين واشنطن وتل أبيب منذ اندلاع العدوان.. ورغم إجادة أمريكا صناعة المبررات والذرائع للتدخل وتحقيق أهدافها فى تدمير الدول.. وإسقاطها واستنزافها وهناك تاريخ مرير لنجاح هذه الصناعة الأمريكية سواء فى كوبا وفيتنام والعراق وأفغانستان وغيرها من دول الشرق الأوسط.. وما شهده الربيع العربى المشئوم دليل على ذلك.. لذلك يذهب بعض الخبراء إلى أن هناك أهدافاً غير معلنة تتعلق بأوهام إسرائيلية توسعية واضغاث أحلام قديمة ومغانم ومكاسب اقتصادية كثيرة لأطراف وشركاء وتحالف يدير ما يحدث فى غزة يفضحه الإصرار والتمسك بحرب الإبادة رغم الاحتجاج والرفض الدولى والشعبى المتصاعد وعدم القدرة على كبح جماح الدولة الصهيونية وردعها.. ويؤكد الجميع أن واشنطن تستطيع فعل ذلك وبسهولة لكنها تقف وراء ما يدور وتريده.
هناك إدراك من قوى الشر أن مصر على مشارف الوصول إلى «نقطة» ستقفز بها قفزات تاريخية غير مسبوقة نحو القوة والقدرة المتناهية والتقدم.. وتعلمه قوى الشر جيداً.. أن مصر إذا وصلت إلى هذه النقطة حسب إدراك قوى الشر.. لن تستطيع أى قوة إرجاعها أو المساس أو الاقتراب منها وعدم القدرة على تعطيلها أو توقيفها وهو ما سيؤدى إلى بعثرة المشروعات المشبوهة والمصالح المتنامية لقوى الشر فى المنطقة العربية.. لذلك علينا أن ندرك جيداً أن كل ما يدور ويجرى فى المنطقة الهدف منه مصر.. هناك رغبة ومؤامرة ومخطط شيطانى لضرب المشروع الوطنى المصرى لتحقيق التقدم الشامل.. وامتلاك القوة والقدرة المؤثرة وترسيخ قوة الردع المصرية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا القائد الوطنى الشريف المخلص صاحب الطموح والشموخ غير المحدود لوطنه وأكرر صاحب الطموح اللامحدود والشموخ والاستثنائي.. قاد مصر إلى نقلة تاريخية ورغم ما يراه البعض من وجود تداعيات أزمات عالمية أثرت على مصر إلا أنها مؤقتة لا تمس جوهر ما تحقق من قوة وقدرة وفرص عظيمة.. وقلت من قبل إن «فلسفة البناء» لدى الرئيس السيسى ارتكزت على رؤية إستراتيجية متكاملة امتلكت مصر من خلالها مقومات وأسباب القوة والقدرة الشاملة والمؤثرة.. توفر الحماية للأمن القومى المصرى وتجابه التهديدات والمؤامرات.. وتحمى المشروع الوطنى لتحقيق التقدم وما فيه من بناء وتنمية وترسخ حالة الأمن والاستقرار لمصر.. وتحول دون تكرار ما تعرضت له مصر من تهديدات وجودية قبل ذلك.. لذلك لا أبالغ عندما أقول انه الرئيس الاستثنائى والفرصة التاريخية لتحقيق وتنفيذ مشروع مصر الوطنى العظيم.. فى التقدم بمفهومه الشامل والقوة والقدرة بمفهومها المتكامل.. وعند هذه النقطة لن تستطيع أى قوة تهديد مصر.. لذلك أكرر تجرى رحى مؤامرة خطيرة شيطانية على مصر.. القيادة السياسية الوطنية الشريفة شديدة الحكمة والإدراك تلم بكامل تفاصيلها وربما منذ سنوات.. لذلك تجهزت الدولة المصرية جيداً وامتلكت زمام القوة والقدرة.. ولكن حكمة الرئيس السيسى تدير بذكاء وعبقرية وتسعى لتفويت الفرصة على قوى الشر ولن تستدرج أو تجر لفخ رسموه ونصبوه جيداً لمصر.. لذلك نرى الصبر والحكمة والجهود المصرية على مدار الساعة والحشد الدولى الذى تقوده مصر وهى قادرة على إبطال مفعول المؤامرة.
لسنا دعاة حرب.. ولسنا ضعفاء ونحن دعاة استقرار وسلام وعقل وحوار والقوة لدينا تحمى وتدافع ومقدارها يعلمها الجميع.. لكننا نريد السلام ولا نخشى الحرب إذا فرضت علينا.. وإذا تهدد أمننا القومى أو جار أحد علينا أو حاول أن يفرض علينا واقعاً لا نرضاه.. بأسنا شديد.. والقوة عندنا لا تعنى البطش والعدوان.. نستخدمها فقط فى عدالة قضيتنا ودفاعاً عن أرضنا لا نهرع ولا نخاف ولا نرهب.. فنحن (وطن على قلب رجل واحد) قيادة وشعباً وجيشاً فى اصطفاف وطنى غير مسبوق.. تلك هى معادلة القوة والصخرة الصلبة التى تتحطم عليها مؤامرات الشيطان.. فلا يجب أن ينسى الآخرون المتآمرون الواهمون أننا من كتب التاريخ عن أمجادنا وبطولاتنا وانتصاراتنا لكنهم للأسف.. يتناسون ولا يتعلمون.
محاولات استدراج وجر مصر معروفة ومفهومة خاصة فى ذروة استعدادها للانطلاق والتأهب لمكان ومكانة تدركها قوى الشر.. لكن لنا حساباتنا وتقديراتنا الصحيحة التى تضع فى اعتبارها مصالحنا وأمننا القومى وأهدافنا الوطنية.
إسرائيل لن تتوقف عن الأكاذيب والخزعبلات وتبرير الفشل الذريع.. والقصور الحاد فى أداء المهام.. لذلك تصدر الاتهامات المشبوهة والأباطيل وتزييف الحقائق.. سعياً لوضع فشلها على شماعات الآخرين.. فإسرائيل التى تتهم الآخرين بتسليح المقاومة.. تناست أن مصر استمرت 10 سنوات فى محاربة الإرهاب الأسود.. المدعوم والممول من قوى الشر.. ونسيت تاريخها المشين مع دعم الإرهاب وتسعى لتبرير فشلها بأى شكل من الأشكال.. فلم تحقق على مدار أكثر من 130 يوماً أى نجاح أو هدف فى قطاع غزة.. لم تقض على المقاومة.. ولم تطلق سراح رهائنها ومحتجزيها.. بل جل ما تفعله هو قتلهم بالقصف الجوى البربرى.. ولم تفرض واقعاً على الأرض يشير إلى تحقيق أى نصر سوى قتل الأطفال والنساء وتتلقى ضربات قاتلة وموجعة وصفعات متلاحقة من المقاومة الفلسطينية التى تسقط جنودها وضباطها قتلى وتفتك بمدرعاتها وآلياتها ودباباتها وتفضح القوة المزعومة لجيش الاحتلال.
وزارة الخارجية المصرية ردت بحسم على هذيان وزير المالية الإسرائيلى سيموتريتش وتصريحاته غير المسئولة والتحريضية والتى تكشف كما أكد البيان عن نهم للقتل والتدمير وتخريب أى محاولة لاحتواء الأزمة فى قطاع غزة.. مصر اعتبرت مثل هذه التصريحات غير مقبولة جملة وتفصيلاً.. فمصر تسيطر بشكل كامل على أراضيها ولا تسمح لأى طرف بأن يقحم اسمها فى أى محاولة فاشلة لتبرير قصور أدائه.
الحقيقة أن إسرائيل تغرق فى وحل الفشل الذريع بسبب أعضاء حكومتها المتطرفة أمثال بن غفير وزير أمنها و«سيموتريتش» وزير ماليتها.. وبطبيعة الحال كبيرهم الذى علمهم التطرف نتنياهو ومن الواضح أن الضربات المتلاحقة على رءوسهم أصابتهم بالهذيان وعدم التركيز ومحاولات التحرش غير المحسوبة بمصر.. التى لا تريد لصبرها أن ينفد.. أو تنجر لمثل هذا المستوى من التصريحات التى تكشف عن نهم للقتل والتدمير.
الحقيقة أيضاً أن مصر جاهزة لكل السيناريوهات وسوف تتعامل مع جميع المواقف.. وتتصدى لكل محاولات فرض واقع لا ترضاه.. ولن تستجيب لأى ضغوط تمارس عليها مباشرة أو غير مباشرة فهى مثل الجبل لا تهزه ريح المتآمرين والفاشلين.