فى خطوة أثارت جدلاً واسعًا إزاء إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على معظم دول العالم أقلها بنسبة 10 ٪ كالضريبة على الواردات من المملكة المتحدة ومعظم الدول العربية وأكبرها بنسبة 50 ٪، شهدت أسواق الأسهم الأمريكية انخفاضًا حادًا فى ظل تخوف المستثمرين من أن تؤثر هذه الرسوم سلبًا على النمو الاقتصادي، وأن تزيد من التضخم فى الولايات المتحدة وحول العالم وهو ما يرى الكثير من المحللين إيذانًا باشتعال حرب تجارية عالمية شاملة بعد رد الصين عليها أمس.
وانخفضت أيضا أسعار الدولار الأمريكى والنفط بسب المخاوف من ركود عالمى مما دفع المستثمرين إلى البحث عن أصول الملاذ الآمن مثل السندات والين الياباني، وبلغ سعر الذهب أعلى مستوى قياسى له متجاوزًا 3160 دولارًا للأوقية قبل أن يبدأ فى التراجع مع ارتفاع سعر الين اليابانى لينخفض بنسبة 1.23 ٪ ويصل إلى 3094.14 دولار للأوقية.
فى السياق ذاته انتقد قادة العالم الرسوم الأمريكية ووصفوها بأنها «ضربة موجعة» للاقتصاد العالمي، كما حذرت رئيسة الاتحاد الأوروبى أورسولا فون دير لاين من أن العواقب ستكون وخيمة على ملايين البشر حول العالم، حيث شملت التعريفات الجمركية الجديدة 184 دولة وجزيرة وإقليمًا، ما يعنى أن معظم دول العالم شملتها الضرائب التى فُرضت بنسبة لا تقل عن 10 ٪، وكان أبرز هذه الدول الصين بنسبة 34 ٪ و20 ٪ على الاتحاد الأوروبى و30 ٪ على الواردات من جنوب إفريقيا وكندا والمكسيك بنسبة 25 ٪ على وارداتهما.
خبراء الاقتصاد يؤكدون أن قرار دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على الواردات القادمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة انتهاك لقواعد منظمة التجارة العالمية وعنوان لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الاقتصاد العالمى وترجمة لشعار أمريكا أولا دون مراعاة للأصدقاء والأعداء للولايات المتحدة، وهو ما يفجر حربا تجارية على المستوى العالمى وبداية لتحالفات تجارية جديدة سوف توجه للولايات المتحدة خلال المرحلة المقبلة، لأن الجميع سوف يتأثر من هذه القرارات كالاتحاد الأوروبى والصين وكندا والمكسيك والبرازيل واليابان وغيرهم من باقى دول العالم، وهو ما جعل الجميع غاضبا من هذه القرارات المرتبطة بفرض رسوم جمركية من طرف واحد، كما أن ترمب قد وضع العالم ومعه الولايات المتحدة الأمريكية فى مأزق كبير يؤدى إلى إشعال حرب تجارية قد تؤدى فى النهاية إلى حرب عالمية.
يضيف خبراء الاقتصاد أن هذه الزيادة سوف تخلق أزمة اقتصادية على المستوى العالمى وحالة ركود بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام عالمياً، وهو ما ينعكس على زيادة أسعار السلع والمنتجات على المستوى العالمى وبالتالى فإن الجميع سوف يكون خاسرًا فى هذه الحرب التجارية التى أشعلها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسياساته التجارية الجديدة والتى تتسم بأحادية الجانب وتمثل خرقا لمنظمة التجارة العالمية والاتفاقات الدولية، مشددين فى هذا الإطار على أنه يجب على الدول أن تعقد اتفاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة تبحث عن تحالفات تجارية جديدة لتحقيق التكامل الاقتصادى بعيدا عن الولايات المتحدة، وأن تعتمد الدول على الذات وزيادة التصنيع المحلى داخل كل دولة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع والمنتجات.
كما يرى الخبراء أن سياسة الولايات المتحدة منذ تولى دونالد ترامب هى أن ترفع من سقف مطالبها على المستوى السياسى والاقتصادى من أجل الحصول على الحد الذى تريده، لذلك هناك اتجاهان على المستوى العالمى الأول: يريد تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل والرد على تلك القرارات بفرض رسوم جمركية على السلع والمنتجات الأمريكية والاتجاه الآخر: يريد التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الوصول إلى نقاط مشتركة تحقق المكاسب للجميع وتقلل الخسائر، مشيرين إلى أن الاتجاه الثانى هو الأقرب فيما يخص الاتحاد الأوروبى وهو ما يبادر به على الفور لتقليل تداعيات هذا القرار على الاتحاد، لأن المواجهة التجارية ليست فى صالحه، أما الاتجاه الأول فتقوده الصين وحلفاؤها التجاريون على المستوى العالمي.
من جانبه يقول الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية إن قرار ترامب تداعياته ليست اقتصادية فقط بل له تداعيات سياسية أيضاً وربما يهدف إلى تحقيق ما سبق أن أعلنه ترامب فى حملته الانتخابية من العمل على تحقيق العهد الذهبى لأمريكا، فهذا القرار ليس موجهًا فقط إلى الدول المنافسة اقتصاديا للولايات المتحدة مثل الصين بل هو موجه ضد الجميع وإن اختلفت نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأمريكية من دولة إلى أخري، لافتًا إلى أن الخطورة فى ذلك ما يحدث من آثار وتداعيات على الاقتصاد العالمى وخصوصًا مع اتجاه الدول إلى المعاملة بالمثل أى فرض رسوم جمركية على الواردات من الولايات المتحدة وما يترتب على ذلك من تأثير سلبى على الاقتصاد العالمى وظهور مؤشرات الكساد التضخمى والذى يعتبر أخطر أشكال التضخم، ويترتب على ذلك آثار سلبية على جميع دول العالم بما فى ذلك الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبى حيث تتضرر الأخيرة من فرض رسوم جمركية مرتفعة على صادراتها للولايات المتحدة وخاصة صادرات الصلب والألمونيوم مما يدفعها لاتخاذ إجراءات جمركية مماثلة ضد الولايات المتحدة.
كما أن هذه الإجراءات الجمركية تنعكس سلبيًا على المستهلك الأمريكى فى شكل ارتفاع الأسعار خاصة أسعار السيارات المستوردة من اليابان والصين إضافة إلى ارتفاع متوقع فى أسعار الوحدات السكنية نتيجة لزيادة الجمارك على الواردات من دول الاتحاد الأوروبي، وأن تطرح هذه الإجراءات آثارها السلبية على التحالف الغربى فى علاقته بالولايات المتحدة سواء من الجوانب السياسية أو الاقتصادية، كما أنه من المتوقع أن تحدث تداعياتها على الاقتصاد الدولي.
الدكتور أحمد خطاب الخبير الاقتصادى أوضح أن القرارات الأمريكية الأخيرة تأتى فى إطار مواجهة ما وصفه ترامب بالخلل التجارى غير العادل لتخفيض العبء الأمريكى من خلال هذه الرسوم بعد أن أشار إلى عجز تجارى أمريكى بقيمة 350 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مبدأ المعاملة بالمثل فى إشارة أيضًا إلى أن الدول المفروضة عليها تفرض هى الأخرى ضرائب مماثلة على البضائع الأمريكية الواردة إليها.
أكد خطاب أن الكونجرس الأمريكى لم يوافق ترامب على خطته بشأن الرسوم لما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية من زيادة أسعار المنتجات وزيادة نسبة التضخم العالمى والانكماش الاقتصادى والعديد من الآثار الأخرى المحتملة، حيث إن الاقتصاد العالمى والمستهلك الأمريكى هما المتضرران من هذه السياسة التى يقودها الرئيس الأمريكي، مشيرًا إلى أنه من المتوقع خلال الفترة ما قبل دخول هذا الإعلان حيز التنفيذ فى التاسع من أبريل المقبل أن تعقد مباحثات ومفاوضات دبلوماسية لإيجاد حلول مرضية للجميع وإنقاذ الاقتصاد العالمى من الانهيار.
فى ظل هذه التداعيات المتسارعة يبقى المشهد العالمى مفتوحًا على عدة سيناريوهات، أبرزها تصاعد المواجهة التجارية إلى مستويات غير مسبوقة مما قد يؤدى إلى ركود اقتصادى عالمى ينعكس سلبًا على الأسواق كافة بما فى ذلك الاقتصاد الأمريكى نفسه، وبينما تتحرك بعض الدول نحو سياسات المعاملة بالمثل تسعى أطراف أخرى إلى التفاوض لتقليل الخسائر واحتواء الأزمة قبل تفاقمها، ومع اقتراب دخول الإعلان حيز التنفيذ فى منتصف أبريل ستظل الأنظار موجهة نحو المباحثات الدبلوماسية المحتملة التى قد تكون الفرصة الأخيرة لتفادى حرب تجارية شاملة قد تغير ملامح الاقتصاد العالمى لسنوات قادمة.