أعلم جيدا أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات أو هكذا يدعون، لا تتأثر أو لا تتغير السياسات التى تنتهجها مع تغير الرئيس أو حتى الحزب الحاكم، ولكن يبقى الرئيس ترامب حالة خاصة ومختلفة أيضا، الأمر الذى جعل الكثيرين يخشون عودته مرة أخرى إلى البيت الأبيض خشية انتقامه من معارضيه ولن أبالغ إذا قلت خصومه خاصة الرئيس السابق بايدن ونائبته وغيرهما من قادة ومسؤولين فى شتى الوزارات والهيئات الأمريكية!!
ومع اليوم الأول من عودته إلى كرسى الحكم فى البيت الأبيض أخذ ترامب يطلق تصريحاته التى تضمنت الكثير والكثير من الوعود والوعيد أيضا، لاسيما فيما يتعلق بوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا وكذلك القتال فى غزة واصفا نفسه أنه رجل سلام وجاء لتحقيق السلام فى العالم لدرجة انه توقع حصوله على جائزة نوبل للسلام!!
والآن وبعد مرور قرابة ثلاثة شهور فقط على توليه مقاليد الحكم بدأ ترامب تنفيذ وعيده بالانتقام ليس من معارضيه فى أمريكا فقط، بل امتدت يده الطولى للتنكيل بالكثيرين من بلدان العالم وشن حربا اقتصادية على الجميع فيما عرفت «بتعريفات ترامب» التى تضمنت فرض رسوم جمركية على أكثر من 180 دولة حول العالم لدرجة أنه فرض رسوما جمركية على «جزيرة هيرد وجزر ماكدونالد» الواقعة قرب القطب الجنوبي.
هذه الجُزر لا يعيش فيها بشر، فقط بطاريق!!
ناهيك عن دوره الغريب والمريب فى ذات الوقت فى دعم الكيان الصهيونى ورئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» فى حرب الإبادة الجماعية التى يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى الأعزل خاصة فى غزة والضفة الغربية فى أعقاب انطلاق عملية طوفان الأقصى التى نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس فى السابع من اكتوبر 2023 مما أدى إلى استشهاد أكثر من ٥٥ ألف فلسطينى وإصابة قرابة 150 الفا آخرين حتى الآن معظمهم من الأطفال والنساء!!
يأتى ذلك فى الوقت الذى حذر فيه خبراء الاقتصاد من أن التعريفات الجمركية التى أعلن ترامب عنها ستؤدى إلى رفع أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة إلى الولايات المتحدة، مما سيؤدى إلى تأجيج التضخم. فبعد موجة من التضخم استمرت لسنوات فى أعقاب جائحة «كوفيد19» شهد التضخم فى الولايات المتحدة انخفاضا كبيرا.
ولكن فى يناير الماضى ارتفع مؤشر أسعار المستهلك إلى 3 بالمئة، وهو أعلى معدل فى ستة أشهر. وقدرت وكالة «ستاندرد آند بورز» العالمية للتصنيف الائتمانى ارتفاع أسعار المستهلك فى الولايات المتحدة بنسبة إضافية تصل إلى 0.7 بالمئة نتيجة للرسوم الجمركية المفروضة على الصين وكندا والمكسيك إذا دخلت الرسوم حيز التنفيذ بالكامل.
ومع الإعلان عنها رسمياً وتنفيذها، يظل من غير الواضح ما هو التأثير الذى قد تخلفه أى تعريفات جمركية على معدلات التضخم فى الولايات المتحدة.
ففى حين أن بعض المنتجين وتجار التجزئة المحليين فى الولايات المتحدة سوف يستفيدون من استراتيجية ترامب للتعريفات الجمركية، فإنهم سوف يواجهون تكاليف استيراد أعلى للمواد الخام، فضلاً عن اضطراب سلاسل التوريد.
وقد يتضرر المصدرون الأمريكيون من الإجراءات الانتقامية التى يتخذها شركاؤهم التجاريون حيث أعلنت بعض الحكومات بالفعل، بما فى ذلك الاتحاد الأوروبى والصين، عن اتخاذ تدابير مضادة، و من المتوقع أن تحذو حكومات أخرى حذوها.
أخيرا وليس آخرا يرى خبراء اقتصاديون أن خطة «ترامب» الجديدة للتعريفات الجمركية بمثابة « تسونامى «سيضرب الاقتصاد العالمى وسيكون له تداعيات يصعب قياسها حتى على الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، خاصة فى حال استمرارها واتخاذ الدول الأخرى تدابير قاسية انتقامية.