فى صباح ذكرى إحياء الاسراء والمعراج المعجزة الربانية أراد الله سبحانه وتعالى ان يربت على قلوب أهل قطاع غزة بتذليل العقبات المفتعلة من جانب دولة الاحتلال ليعود أهل شمال غزة إلى ديارهم بالاحرى لركام الدور سيرًا على الاقدام عبر شارع الرشيد حاملين القليل من المتاع.. والجزء الثانى عبر مركباته من شارع صلاح الدين امتزجت مشاعر الفرح بالعودة إلى ما تبقى من ذكرياتهم على الاطلال والآلم على فراق الاعزاء وتدمير كل سبل الحياة ولكن لم يمنعهم ذلك من الاصرار على العودة.
مشهد تدفق الفلسطينيين له مغزى لا يعرفه ولا يفهمه إلا من يتمسك بحقه ويدافع عنه ويبذل فى سبيل الحصول عليه الغالى والرخيص فالعودة للارض رغم الدمار يعنى الامل باعادتها الاعمار والصمود فى هذه المعركة.. وهذه العودة تعنى رغبة فلسطينية بافشال مخططات التهجير والابادة والتطهير العرقى التى نادى بها رجل المخابرات العجوز «جيورا إيلاند» ابن جهاز المخابرات البريطانية والمسئول عن ملف الشرق الاوسط بها سابقاً حين دق ابواب جميع شاشات الفضائيات الاسرائيلية والقريبة مطالباً القيادة العسكرية والسياسية الاسرائيلية بعد 7 اكتوبر بالتدمير الكامل للقطاع ومنع الطعام والماء وكافة سبل الحياة بحيث لا يصبح المكان قابلا للحياة مما يجبر الفلسطينيين على الرحيل ولكن جاءت حشود العائدين لرفض النكبة الثانية والهجرة الطوعية واللجوء المؤقت او المستمر لاى مكان وتفضيل نصب الخيام امام اطلال منازلهم.
المتأمل للحشود خلال الثلاثة ايام الماضية يجدها تضم جميع اجيال سكان القطاع فمنهم العجزة رجالاً ونساءً اللذين عاش البعض منهم النكبة الاولى او سمع من اجداده عنها.. ومنهم النساء الثكلى والفتيان والفتيات اللذين حرمتهم الحرب من الدراسة والعلم وقضت على جزء من احلامهم ومنهم الاطفال اللذين روعتهم صواريخ وقنابل العدو وافقدتهم والديهم او احدهما او بترت جزء من اجسادهم كل هؤلاء مشروعات مقاومين سكن وجدانهم الظلم والخذلان من عالم سقطت منه الانسانية.. وايضاً يبعثون برسائل تؤكد صمودهم واصرارهم على التمسك بارضهم ر افضين التهجير لأى بقعة من العالم مفضلين العيش على انقاض ديارهم ولم ولن يساوموا على و طنهم وبارادتهم سيستمرون فى المطالبة بحقوقهم ولا مكان فى عقلهم الجمعى للتنازل عن المطالبة بحقوقهم التاريخية والمشروعة.. ولذا كانت عودة الحشود للديار اشبه بنفرة الحجيج اللذين توحدت قلوبهم توقاً للرحمة والمغفرة.. فحشود الفلسطينيين المستضعفين تؤكد على عدم امكانية اقتلاع هذا الشعب من ارضه والتأكيد على الثبات على الحق.
ما تبثه الفضائيات من مشاهد مهيبة تؤكد على الوعى وا لادراك لهذا الشعب وتمسكه بأرضه واعتبار رحلة العودة معركة ضمن معركة ولا تقل اهمية وخطورة عن المعركة العسكرية التى خاضوها ضد الكيان المدعوم من الغرب ولكنه فشل فى تحقيق اهدافه التى اعلنها سواء القضاء على المقاومة.. واطلاق سراح اسراه بالقوة العسكرية و حتى خطة الجنرالات جاء مشهد طوفان العودة ليؤكد فشلها.. فانسحاب العدو من معبر نتساريم للمرة الثانية خلال العشرين عاماً الماضية له رمزية بان محاولات فصل شمال غزة عن جنوبها فشلت بالإرادة والصمود.
الفلسطينى البسيط يدرك ان هذه العودة ليست النهاية بل بداية لمرحلة الصمود والمقاومة والتمسك بالعقيدة والايمان بان هذا هو العلو الثانى لهذا العدو وبعده السقوط المدوى كما وعدنا الله سبحانه وتعالى.. والتمسك والثبات هو الطريق للنصر فى معركة الحياة والاغاثة واعادة الاعمار فهذه المعركة تتطلب جهداً عربياً ودولياً ودبلوماسياً لاستمرار وكالة غوث اللاجئين «الاونزوا» فى عملها وفتح خزائن الصناديق العربية للتمويل وتمول عمليات اعادة الاعمار وربما العودة القادمة تكون إلى ديار الاجداد فى عكا وحيفا ويافا على ساحل المتوسط برفض التعامل مع الأوطان كسلع تباع وتشترى لان الارض العربية هى العرض والشرف.