عجبت لك يا زمن .. خلقت الأنثى لتحمل وتلد وترضع .. أمور طبيعية خلق عليها الإنسان كما هو الحال فى عالم الثدييات .. هذه طبيعة الحياة وسنتها .. ولكن يبدو أن الإنسان المعاصر له رأى آخر .. ويصر على تحدى قوانين الطبيعة.. فاليوم أصبح الحمل يحدث كثيرا عن طريق الأنابيب والحقن المجهرى .. وأصبحت الولادات القيصرية هى القاعدة بدلا من الاستثناء.. تماما كما أصبحنا نعيش فى عالم من الكيمياء والتى نأكلها ونشربها ونلبسها لا شك أن الكل يعلم أن الولادة عن طريق فتح البطن تسمى العملية القيصرية.. ويقال إنها سميت بهذا الاسم بسبب مقولة غير مؤكدة بأن الإمبراطور يوليوس قيصر ولد بنفس الطريقة.. والأرجح أن السبب يرجع إلى أن ترجمة كلمة «سيزار» باللاتينية يعنى «قطع» .. وقد يظن البعض أن الولادة القيصرية التى تجرى عن طريق فتح البطن مجرد إجراء طبى سهل، لكنها فى الأصل عملية جراحية ليست بسيطة بل تحتاج إلى تخدير وتسبب نقاهة أطول ومضاعفات أكثر والطب يقول إن العملية القيصرية تُجرى فقط فى حالات الضرورة، مثل تعسُّر الولادة أو حفاظًا على حياة الأم والجنين، ومنظمة الصحة العالمية تحدد المعدل الطبيعى للولادات القيصرية بنسبة 15٪ لكن، ويا للأسف، أصبحت مصر الآن عاصمة الولادات القيصرية فى العالم بنسبة مذهلة بلغت 72 ٪ من إجمالى الولادات عام 2021، مقارنة بـ52٪ فى عام 2008، هذه الأرقام الفلكية تتجاوز بدرجة كبيرة المعدلات العالمية التى تتراوح بين 20 ٪ و25 ٪ فقط وإذا ألقينا نظرة على الدول الأخري، نجد أن البرازيل تحتل المرتبة الثانية بنسبة 55 ٪، بينما لا تتجاوز النسبة فى دول الخليج 36٪ أما فى الدول الإسكندنافية مثل النرويج والسويد، فإن 80 ٪ من النساء يلدن طبيعيًا وبكل سهولة. فما هذا الذى يحدث عندنا؟ ولماذا يتفوق الريف على الحضر فى نسب الولادات القيصرية؟ ولماذا يتفوق العلاج الخاص على الحكومى فى هذه الظاهرة؟
الولادة القيصرية عملية جراحية وتحتاج الى تخدير .. وأى إجراء جراحى قد ينتج عنه مضاعفات .. سواء نتيجة الجراحة أو نتيجة التخدير .. أى عملية وفى أى مكان وبواسطة أى طبيب .. الجراحة ليس لها كبير .. والقيصرية أكثر تكلفة .. للأفراد وللدولة .. والنقاهة منها أطول من الولادة الطبيعية فلا تستطيع الأم العناية بمولودها قبل ثلاثة أيام على الأقل من إجراء العملية .. والسيدات الحوامل اللاتى أجريت لهن عملية قيصرية فى ولادة سابقة من المؤكد أنهن سيلدن بنفس الطريقة فى الولادة التالية مرة ثانية.
لابد لنا من التعرف على مسببات هذه الظاهرة المزعجة.. أصابع الاتهام تشير إلى الأطباء بالدرجة الأولي، حيث يتقاضى الطبيب أجرًا أعلى عند إجراء الجراحة مقارنة بالولادة الطبيعية والبعض من الأطباء قد يلجأ إلى القيصرية لتجنب عناء الانتظار والسهر طول الليل أوالمخاطرة بمضاعفات قد تحدث أثناء الولادة الطبيعية كما أن الخوف من ألم الولادة يدفع بعض السيدات إلى طلب الجراحة بأنفسهن، وهنا يجب أن يتحمل الطبيب مسئولية توعية المرأة بمخاطر هذا القرار فى الأنظمة الصحية المتقدمة، تلعب القابلات دورًا محوريًا فى رعاية الحمل والولادة القابلة تتولى متابعة الحالة وتشرف على الولادة الطبيعية بمهارة وإتقان، وتستدعى الطبيب فقط إذا ظهرت علامات تعسر الولادة وهن قادرات على التعرف عليها. هذا النظام يُعزز الولادة الطبيعية ويقلل من التدخلات الجراحية لكن فى مصر، يبدو أن القابلات خرجن من المشهد تمامًا، وحلَّت محلهن عيادات ومستشفيات خاصة كانت شققا سكنية تحولت المطابخ فيها الى غرف للولادة والعمليات!
هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة طبية، بل هى وصمة تؤثر على سمعة الأطباء والرعاية الصحية بصفة عامة فى مصر وتحتاج منا الى وقفة حازمة فهى تُسبب خسائر صحية واقتصادية جسيمة. والحل يبدأ من الإعلام والذى يجب أن يُسلط الضوء على هذه القضية بأساليبه المؤثرة يجب أن تُتاح للنساء، خاصة فى الريف، فرصة التعرف على أهمية الولادة الطبيعية والمخاطر المرتبطة بالقيصرية. كما يجب أن تتحمل نقابة الأطباء مسئوليتها فى وضع معايير صارمة لضمان رعاية آمنة وإنسانية للحمل والولادة. فالولادة الطبيعية ليست فقط الخيار الأفضل صحيًا واقتصاديًا، بل هى الحق الطبيعى لكل امرأة. فلنُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعى قبل أن نصبح أسرى لجراحات لا داعى لها!