أتذكر دائما كلمات عميد الأدب العربى د. طه حسين.. أن الأجيال الجديدة لا تقرأ.. وأن عدم القراءة يجعلهم غير قادرين على التفكير الصحيح.. وأن الازمة الحقيقية لدى كثير من المثقفين والمفكرين والادباء.. هى عدم القراءة.. وقال الكاتب الصحفى الكبير محسن محمد.. إن ازمة الصحافة الحقيقية.. هى أن الكثير من رؤساء التحرير.. لم يقرأ كتاباً واحداً فى حياته.. أقول هذا الكلام وأنا أبحث عن تفسير لما تقوم به إسرائيل من إبادة جماعية للشعب الفلسطينى بلا رحمة.. وتهدم مدنهم وقراهم.. وجدت الإجابة عند المفكر والفليسوف الفرنسى الكبير روجيه جارودي.. فى كتابه محاكمة الصهيونية الإسرائيلية.. وجارودى لمن لا يعرف.. هو الذى اثبت بالمستندات والبراهين.. أن عدد اليهود الذين حرقهم هتلر ٢ مليون فقط.. وليس ٦ ملايين كما تدعى إسرائيل.. كنوع من الابتزاز لألمانيا.. التى مازالت تحصل منها إسرائيل على تعويضات.. حتى اليوم.. وقد حاكمته فرنسا بتهمة معاداة السامية.. وحكم عليه بتعويض والسجن مع إيقاف التنفيذ.. وهى المحاكمة اللغز فى فرنسا بلد الحريات.. كما وصفها جارودى نفسه.. لكنه الضغط الإسرائيلي.. المتغلغل داخل صفوف اصحاب القرار.. ليس فقط فى فرنسا.. إنما فى مختلف الدول الأوروبية وايضا الأمريكية طبعا.. يقول جارودى إن كل زعماء الحركة الصهيونية الأقوياء من المتواجدين فى الولايات المتحدة الأمريكية.. والذين يؤثرون بقوة فى الانتخابات الأمريكية يريدون امتلاك إسرائيل.. لكل الاراضى التى ذكرتها التوراه من النيل للفرات.. ويقول جارودي.. إنه فى كل المراكز الإستراتيجية الخاصة بسياسات بعض الدول تمتلك الحركة الصهيونية عملاءها السريين.. ويوما بعد يوم تظهر عنصرية وامبريالية فكرهم تجاه الفلسطينين.. هذا الكلام كتبه جارودى فى صفحة 23 من كتابه محاكمة الصهيونية الإسرائيلية.. هذا الكتاب صدرت طبعته الأولى سنة 1999 عن دار الشروق المصرية.. باللغة الغربية.. فى هذا الكتاب يحاكم جارودى صهيونية إسرائيل.. نازيتها وعنصريتها امام التاريخ.. لحساب الحق.. ولحساب الأمة العربية.. التى تتكون من بضع وعشرين دولة وأكثر من ربع مليار انسان.. انظروا.. ماذا كتبت مجلة كيفونيم.. القدس.. العدد 14.. فبراير 1982 (ص26 .. 59).. العراق بلد غنى بموارده النفطية والذى تتنازعه الصراعات الداخلية.. فهو يقع على خط المواجهة مع إسرائيل.. وتفكيكه أمرا مهما بالنسبة لإسرائيل.. بل أنه أكثر أهمية من تفكيك سوريا.. لأن العراق يمثل على المدى القريب اخطر تهديد لإسرائيل.. ولكى نفهم اكثر سر ما تقوم به إسرائيل.. نتوقف امام ما جاء بكتاب جارودي: أنه جاء فى سفر التثنية الاصحاح العشرين تحت عنوان: شرائع حصار وفتح المدن البعيدة: وحين تتقدمون لمحاربة مدينة فادعوها للصلح أولا.. فإن اجابتكم الى الصلح واستسلمت لكم.. فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيدا لكم.. وان أبت الصلح وحاربتكم.. فحاصروها.. فإذا اسقطها الرب الهكم فى ايديكم.. فاقتلوا جميع ذكورها بحد السيف.. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما فى المدينة.. غنائم لأنفسكم.. وتمتعوا بغنائم اعدائكم التى وهبها الرب الهكم لكم.. أما مدن الشعب التى يهبها الرب الهكم.. لكم ميراثا.. فلا تستبقوا فيها نسمة حية.. بل دمروها عن بكرة أبيها.. كما أمركم الرب الهكم.. لكى لا يعلموكم نجاساتهم التى مارسوها فى عبادة الهتهم.. أما المدن التى أنتم ماضون إليها لترثوها.. وهزمتموهم.. فإنكم تحرمونهم.. لا تقطعوا لهم عهداً.. ولا ترفقوا بهم.. اهدموا مذابحهم وحطموا اصنامهم.. لأنكم شعب مقدس للرب.. الهكم.. وتستأصلون جميع الشعوب الذين يسلمهم الرب إليكم.. فلا تشفقوا عليهم ولا تعبدوا الهتهم.. لأن ذلك شرك لكم ويقول جارودى فى صفحة 174.. إن إسرائيل تريد ضم فلسطين كلها إليها كمرحلة أولي.. اما المرحلة الثانية فهى ضم كل الدول المجاورة (لبنان وسوريا والعراق والاردن ومصر).. من هنا حصلت إسرائيل من عام 1948 إلى عام 1952.. على مساعدات تماثل كل المساعدات التى حصلت عليها خمس دول (مصر ولبنان والاردن وسوريا والعراق) والتى تضم عدد سكان يماثل عشرين مرة سكان إسرائيل.. ويقول جارودى فى صفحة 175.. وهكذا بدأ تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى وإقامة إمبراطورية حقيقية فى الشرق الأوسط.. التى كان شارون يخطط لها منذ ديسمبر 1981.. وقد أوضح موشى ديان الحقيقة المؤلمة بقوله: نحن مثل اعلان الاستقلال الأمريكى (التى طردت الهنود دون وضع اى حدود لتوسعها).. نحن لسنا مضطرين لتحديد حدود لدولة إسرائيل.. بقى أن أقول: إن القراءة تجعلنا نستوعب أسرار ودوافع ما يجرى حولنا وتكشف الحقيقة المؤلمة.. كما أوضح طه حسين وجارودي.