مشاهد أربعة متفرقة يجمعها رابط واحد.الأول: أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، وفى مدرسة عريقة بالإسكندرية يقف طالب أمام رئيس الطلبة بالمدرسة وهو طالب أكبر سناً ليعاقبه! الثانى: أستاذة جامعية تلوم زميلتها قائلة: طنطا غير معقول ! الثالث: طالب جامعى لا يصدق نفسه ويشعر أنه فى حلم عندما يمر أمامه شخص! الرابع: حدث ثقافى لا يتكرر فى الثامن عشر من نوفمبر 1998 وبداخل كلية الآداب جامعة طنطا! وعلى التوالى يمكن الكشف عن غموض المشاهد فبالنسبة للأول فإن الطالب الذى يتعرض للعقاب هو المفكر العالمى الذى يعد واحداً من أهم عشرة مفكرين تأثيراً فى القرن العشرين «إدوارد سعيد» ورئيس الطلبة القائم بالعقاب هو من صار النجم العالمى «عمر الشريف» وكانا آنذاك طالبين فى «فيكتوريا كوليدج». أما الثانى فإنه لوم من أستاذة جامعية لزميلتها الأستاذة الروائية المبدعة «رضوى عاشور» عندما طلبت من «إدوارد سعيد»الإشراف على الباحث النابه هانى حلمي- عضو هيئة التدريس بآداب طنطا حالياً- ويأتى المشهد الثالث مرتبطاً بالطالب الذى أصابه الذهول عندما وجد «إدوارد سعيد» أمامه فى أحد ممرات كلية آداب طنطا ولم يصدق نفسه وهو الباحث المتميز د.سامح إسماعيل لاحقاً.
وأخيراً المشهد الرابع الخاص بالحدث الثقافى المتفرد بآداب طنطا والذى جعلته جريدة أخبار الأدب «مانشيتاً رئيسياً»: إدوارد سعيد فى طنطا».
إدوارد سعيد «الفلسطينى الأصل» الأستاذ الجامعى فوق العادة بجامعة كولومبيا «بنيويورك» والذى أطلق عليه طلابه بالجامعة لقب «إمبراطور كولومبيا» والمفكر العالمى الذى ترجمت أعماله إلى 26 لغة والصوت الأكثر فعالية فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى على حد تعبير الصحفى العالمى الأشهر «روبرت فيسك». إنه رائد دراسات ما بعد الكولونيالية (ما بعد الاستعمارية) والذى ذاع صيته بكتابه الأشهر «الاستشراق» 1978 والذى قدم فيه أفكاراً واسعة التأثير حتى الآن وأبان فيه كيف ارتبطت الدراسات الاستشراقية بأهداف سياسية استعمارية، وقد كونت رؤيته منعطفاً جديداً فى تاريخ الاستشراق والجدل الدائر حوله وكان إدوارد سعيد عضواً مستقلاً فى المجلس الوطنى الفلسطينى فى الفترة ما بين (1977 – 1991) واستقال احتجاجاً على اتفاقية «أوسلو» وقد كتب إدوارد سعيد فى «الجارديان» ولوموند ديلوماتيك» والأهرام «والحياة اللندنية» كما كانت له محاضرات فى الـ بى بى سى أتيحت للعامة عام 2011.
لم يتصور أحد أن يركب «إدوارد سعيد» قطاراً من القاهرة إلى طنطا بعد أن وافق أصلاً فى الإشراف على طالب دكتوراة فى جامعة إقليمية بل ويأتى ليناقش هذه الرسالة التى وجد فى صاحبها قيمة بحثية متميزة وهو الذى ذات يوم تناول وجبة خفيفة ظهراً بباريس ثم ركب «الكونكورد» ليتناول العشاء فى نيويورك.
وأخيراً يقول المبدع «محمود درويش» فى قصيدته عن «إدوارد سعيد» وكلاهما فلسطينى القضية «أنا من هناك .. أنا من هنا .. ولست هناك .. ولست هنا لى إسمان يلتقيان ويفترقان، ولى لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم.