تقول الكاتبة رضوى عاشور فى روايتها الطنطورية «أمسى البكاء مبتذلا، ربما لأن الدموع صارت تستحى من نفسها».. هكذا يقف العالم عاجزاً خجلاً حتى دموعه جفت من اعتياده مشهد تناثر أشلاء الأطفال فى مناطق الحروب والصراعات. عام جديد يبدأ يحمل معه أحلامًا وطموحات فى مستقبل أفضل، ولكن عن أى مستقبل نتحدث وهناك الملايين من الأطفال تقطعت بهم سبل الحياة وتاهوا فى دروب المعاناة ولا «غد» يلوح فى آفاقهم.. ومع تقرير لليونيسيف يؤكد أن عام 2024 كان الأسوأ على الأطفال.
«لا مكان آمن للأطفال فى غزة».. جملة تتناقلها التصريحات والبيانات الرسمية بشكل شبه يومى خلال عام 2024، لكنها تحمل فى طياتها حقيقة مفجعة وهى أن الأطفال هناك يعيشون حياة ليست كالحياة، لكنها أيام تمضى بين قصف متواصل لمحتل شرس رأى فى الأجساد الصغيرة أهدافا لأسلحته الثقيلة، فوجهها إليهم متوهما النصر بحصد أرواح الأبرياء، ليضيف إلى سجلات المجازر أرقاما جديدة. وليست «بحر البقر» عنهم ببعيد، تلك الغارة الإسرائيلية التى قتلت أطفال مدرسة مصرية دون رحمة أو مبرر.
يوم تلو الآخر تزداد معاناة الأطفال فى غزة، فمن ينجو من الموت يعيش مبتور أحد أطرافه، أو يتيم أحد والديه أو كليهما، أو مشردًا، أو ينتظر الموت من الجوع والمرض.. هكذا يحتفل أطفال فلسطين بالعام الجديد، بين حطام أحلامهم التى احتضنتها منازلهم المدمرة، وبين نفسيات مدمرة تهدد بجيل ضائع لا ملامح لمستقبله..الحال لا يختلف كثيراً فى لبنان، هذا البلد الذى كلما حاول النهوض من كبوة تلاحقه أخرى لتتراكم عليه النكبات فى ظل ظروف سياسية واقتصادية مذرية. قدر أطفال لبنان – كغيرهم من أطفال مناطق الحروب – أنهم دائما يدفعون الثمن فى صراعات لا دخل لهم فيها ولكنها تفرض عليهم أياما ثقالاً تنغص عليهم طفولتهم.
أما فى السودان، تلك الحرب التى تناستها معظم دول العالم، فلا ملامح لأى مستقبل لأطفالها مع استمرار القتال لأكثر من عام ونصف. عجزت التقارير الدولية عن وصف أوضاع الأطفال هناك، واكتفت بالقول إنها «مروعة»، وأصبحت مزيجا بين قتل وتشريد وجوع وانتشار الأمراض والأوبئة.
«إن هذه الحرب الضارية والمجاعة المحتملة تخلق بيئة مشئومة لخسارة كارثية فى أرواح الأطفال» تحذير أطلقته يونيسيف، لكنه ربما لم يجد من يستجيب له حتى الآن ويوقف معاناة جيل مازال يمكنه صناعة المستقبل.