لم تُبْنَ الدول والأوطان وترتفع هامات الأمم والشعوب دون تضحيات حقيقية مؤلمة، تبدأ هذه التضحيات من القمة إلى القاع، فالتضحيات بالنفس والروح والدم من أجل الأوطان هى الأعلى مرتبة دون سواها ويتصدرها الضباط والجنود فى ميادين المعارك والحروب والصراعات، وهناك من يضحى بماله أو وقته أو خبرته من أجل وطنه، وهناك من يضحى براحته وسلامه النفسى وحياته المرفهة من أجل المشاركة فى الشأن العام، وهناك من يتحمل بعض الصعوبات الاقتصادية مقتنعاً وصابراً من أجل غد أفضل وهذا أيضا نوع من التضحيات، وهناك من يضحى – يتصدق بعرضه وهو يواجه أهل الباطل يحاولون نهش سمعته ونشر الشائعات حوله بالباطل وهذا أيضا نوع من التضحيات، لكن بنظرة فاحصة لحجم ونوع التضحيات التى يقدمها المصريون للحفاظ على الدولة الوطنية ومجابهة التحديات والتهديدات غير المسبوقة وسط إقليم مشتعل بصراعات لن تنتهى فى القريب العاجل وتحول بعضها إلى ما يسمى «بالحروب والصراعات المملة» سنجد هذه التضحيات أمر يسير ويسير جداً بالنسبة لعظم الهدف والمقصد، فارتفاع سعر درنات البطاطس لبعض الوقت وانقطاع التيار الكهربائى لبضع دقائق وخفض نسبة الدعم المقدم من الحكومة قليلاً للمحروقات أو المخبوزات وما ينتج عنه من ضغط على جيوب المواطنين تحت مظلة الحماية الاجتماعية، كل هذا لا يمثل شيئا لو كان المقابل هو الحفاظ على الوطن، واستمرار مخزون الأمن والأمان، أعلم أن المزايدين لا يعجبهم هذا الطرح، ففكرة أننا أفضل – والحمد لله من غيرنا – فكرة لا تجد القبول عند هؤلاء الذين اعتادوا على تزوير الواقع وتزيين أفعال الشيطان وأقواله لدغدغة مشاعر الجماهير ونفاق العوام، لكننى هنا أقول بتجرد والله شهيد على ما أقول وأردد، لقد استطاعت مصر خلال سنوات عشر صناعة المستحيل وتقديم معجزة حقيقية على الأرض فى وقت لم يعد يعرف أو يعترف بالمعجزات، إعادة بناء الدولة بتكلفة تريليونية والقضاء على الارهاب والحفاظ على استقرار الوطن ووحدة وسلامة أراضيه وسط عالم يعاد تشكيله لتختفى دول من على الخرائط وقطعا لن تعود مجدداً وتتآكل دول أخرى وتتحلل جيوش وتسود المنطقة ميليشيات مسلحة من دون الدولة الوطنية، لذلك أضحك كثيراً عندما أتابع أحدهم يتحدث بطريقة جادة عن سعر ورق العنب أو البامية أو البطاطس أو يدخل أحدهم فى جدال عقيم حول أولويات مشروعات البنية التحتية ويتحدث كما لو كان خبيراً أممياً فى كل المجالات وهو لا يجيد إدارة «كشك سجاير» أتابع كل هؤلاء وأتساءل هل ينقصهم الوعى الحقيقي؟ أم ينقصهم التجرد؟ أم أن تكوينهم الوطنى به عوار تكوينى وعيب خلقى لا يمكن علاجه؟ أنا لا أخون أحداً ولكن أتساءل ألا يعقل هؤلاء ويتدبر كل منهم ما يدور حوله من صراعات حولت دولا كانت ملء السمع والبصر إلى دويلات وميليشيات؟ فيا ليت قومى يعلمون أن طريق الآلام والتضحيات مسار إجبارى لأجل بقاء الدولة الوطنية المصرية.