عالم بلا أمراض، ارتفاع متوسط عمر الإنسان إلى ما بعد المائة، مع حدوث تغيير شامل فى كل المفاهيم المتعلقة بالمراحل العمرية.. فيبدأ فطام الأطفال مثلاً فى سن العشرين، وتتم الإحالة إلى التقاعد فى التسعين، ويرتفع سن الزواج إلى ما بعد الستين.. فإذا ما تقدم شاب صغير فى الخمسين من العمر مثلاً لخطبة فتاة فإن الرفض سيكون حتميا لأنه لا يزال صغيراً والزواج مسئولية. هذا قليل من كثير.. وقائمة وعود العلماء التى انطلقت منذ العام الأخير من القرن العشرين ولم تتوقف حتى الآن، حافلة بالخيال الجامح الذى يحمل عنوان «طب المستقبل». المشكلة أننا لا نعرف ما هو المقصود بالمستقبل.. لا نعرف ما هى حدوده الزمنية.. هل بعد عام أم ألف عام؟.
الخلايا الجذعية كانت فرس الرهان فى كل أحاديث طب المستقبل، والأخبار كانت تبشر بأن هذه الخلية المعجزة سوف تحل كل مشاكل البشر الصحية المستعصية القاتلة.. ومن بعدها أو قبلها، جاءت هندسة الجينات الوراثية، والتى استفادت من الإعلان الدرامى عن كشف شيفرة المنظومة الوراثية للإنسان وقرب التوصل إلى الأسرار الجينية للإصابة بكل الأمراض، من السرطان إلى أمراض القلب والشرايين.
اكتشف العلماء أن الخلايا المكونة للجنين فى مراحل الانقسام الأولى للبويضة المخصبة تكون كلها متماثلة، بحيث انه إذا تم فصلها ووضع كل منها فى تجويف بويضة مفرغة من محتوياتها يمكن أن تكون جنينا كاملاً.. وهو شكل من أشكال الاستنساخ.. إذن هذه الخلية يمكن أن تصبح فى مرحلة من المراحل قلباً أو كبدا أو أى نسيج آخر. التقط العلماء هذه الحقيقة وبدأوا يفكرون فى أنه إذا أمكن الحصول على هذه النوعية من الخلايا وتوجيهها نحو مسارات محددة نستطيع الحصول على أعضاء كاملة قابلة للزرع فى الإنسان لعلاج الفشل العضوى.
فكرة الخلية المعجزة التى تمثل المادة الخام لصناعة جميع أعضاء الجسم ظلت مسيطرة على العلماء حتى بعد أن اصطدمت تجاربه برفض قاطع لاستخدام الأجنة البشرية كحيوانات تجارب، أو كمصدر للخلايا الجذعية.. وبعد تجارب عديدة اكتشف العلماء أن كل نسيج من أنسجة الجسم يحتوى على خلايا جذعية تمثل النواة التى تقوم بعملية الإحلال والتجديد للخلايا التالفة والمستهلكة أو التى ينتهى عمرها الافتراضى.. وتوصل العلماء إلى حقيقة أن انتزاع بعض الخلايا الجذعية من النخاع العظمى للمريض وتحفيزها مختبريا على إنتاج خلايا متخصصة معينة.. مثل خلايا القلب أو خلايا الكبد.. يعنى إمكانية إعادة بناء العضو التالف أو حقنه بخلايا جديدة نشطة تتكاثر وتحل محل الخلايا التالفة أو المتليفة.. فإذا حقنت هذه الخلايا فى قلب مصاب بالهبوط فإن من شأن ذلك أن يعيد الحياة للقلب العليل.
حسب التقارير العلمية الصادرة عن عدد من مراكز الأبحاث فإن هذه المحاولات حققت بعض النجاح.. وعلى سبيل المثال فقد أعلن أطباء أمريكيون فى مؤتمر الجمعية الأمريكية لجراحى الصدر الذى عقد بكندا قبل سنوات، أنهم نجحوا بالفعل فى علاج ضعف عضلة القلب، باستزراع خلايا جذعية مأخوذة من نخاع عظام المرضى، حيث قام باحثون من كلية طب جامعة بيتسبرج الأمريكية بقيادة الدكتور أميت باتل باستخلاص خلايا جذعية من نخاع عظام مرضى مصابين بمرض قصور القلب، ثم زرعوا هذه الخلايا فى الجزء المعطوب من عضلة القلب.. وبعد ستة أشهر وجد الباحثون أن عضلة القلب فى المرضى الذين تلقوا هذا العلاج تؤدى وظيفتها بصورة أفضل كثيراً من المرضى الذين لم يتلقوه.
يؤكد العلماء المؤيدون لهذه التجارب والمقتنعون بنتائج التجربة الأمريكية أن استخدام الخلايا الجذعية المنزوعة من نخاع عظام المريض سيشكل أهم محاور طب المستقبل.. فبواسطة هذه التقنية المعقدة يمكن إعادة الحياة إلى البنكرياس الذى ضمرت فيه الخلايا المنتجة للأنسولين مما يشكل علاجاً جذرياً ونهائياً لمرض السكر.. ويمكن إعادة الحياة للكبد المتليف أوالذى دمرته الفيروسات الكبدية.. أى أنها يمكن أن تمثل بداية الانتصار الحقيقى على كل أشكال الفشل العضوى.