مع مفاوضات الرمق الأخير التى تدور فى أجواء شديدة الدقة والتعقيد، نسمع على الجانب الآخر طبول الحرب تدق وأصوات المدافع تكسر حاجز الصمت.
وستشتد الأزمات من حولنا وستزداد الفتن فيما بيننا وستتنوع المؤامرات علينا، الأحزمة النارية مربوطة على مجمل حدودنا المباشرة، النيران تزداد اشتعالاً لدى جميع جيراننا، ارتفع صوت الميليشيات مع تفكك الجيوش الوطنية نتيجة ضعف قبضة الحكومات المركزية وضياع مفهوم الدولة الوطنية، بيد أن الإقليم يعيش على قرون الشيطان، فإسرائيل كشفت عن حقيقتها ونواياها ومخططاتها خلال حرب غزة الجارية ومفاوضات الهدنة الحالية وسيكون التعامل معها مستقبلاً غاية فى المخاطرة والصعوبة والتعقيد ولن تتوقف عن المؤامرات التى تحيكها ليل نهار ضد كل من تجرأ ووقف ضد ممارساتها اللاإنسانية خلال هذه الحرب وعلى رأسها مصر بالتأكيد، وإيران لن تتخلى عن طموحاتها التوسعية بسهولة ولن تستغنى عن أذرعها المسلحة فى المنطقة وستستمر «معركة عض الأصابع» مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، وستظهر معارك «قص الشوارب» رغم المصالحات الشكلية الجارية، أما تركيا فلها خارطة طريق واضحة لاستعادة مكانتها بين العالم التركى فى الفناء الخلفى للحليف الروسى محاولة تدوير الزوايا مع جيرانها فى الشرق الأوسط خاصة مصر ودول الخليج، قضية فلسطين مرتبطة بكل هذه الأطراف الإقليمية لكن العبء الأساسى سيستمر على عاتق الدولة المصرية، وفى الأطراف البعيدة اندلعت الحرب الروسية– الأوكرانية وستستمر لسنوات قادمة مثلما استمرت حرب الشمال الكبرى بين روسيا القيصرية والامبراطورية السويدية والتى اندلعت عام 1700 وانتهت بانتصار روسيا عام 1721، وتبدو من بعيد بوادر صراع مكتوم بين بكين وواشنطن وانتقال مركز التنافس من الشرق الاوسط إلى الشرق الادني، ومن بعيد نتابع إعادة تسليح الجيوش الألمانية واليابانية بعد عقود من الانزواء والاختباء فى عباءة المنتصرين فى الحرب العالمية، أما ما يجرى فى الصحراء الأفريقية وحول بحيرة تشاد من زحف آمن للجماعات الإرهابية لاستيطان تلك المنطقة فى ظل غياب الدولة المركزية بعد مطحنة الانقلابات العسكرية فى بعض الدول الافريقية فهذا ملف شديد الخطورة والتعقيد، لاحظنا أيضا موجات من التحركات الراديكالية صوب أمريكا اللاتينية هروبا من التضييق الأوروبى والأمريكى على قواعدهم القديمة داخل القارة العجوز، ونتيجة ما يجرى فى أفريقيا وما رصدناه فى امريكا اللاتينية بالاضافة الى تفاعلات الصراع فى الاقليم فإن موجات الهجرة غير الشرعية تشتد وتتنوع وتنتج عصابات تديرها شبكات ضخمة بحجم استثمارات تريليونية، وفى قلب كل ما يجرى نجد الأزمات الاقتصادية سببا ونتيجة لكل ما يجرى من أزمات وصراعات وحروب، كل ما يهمنى هنا هو مصر ومشروعها الوطنى الذى تحيط به التحديات والمؤامرات من كل اتجاه، نجاح المشروع الوطنى مرهون بحالة الوعى المطلوبة ودرجة اليقظة الضرورية والحفاظ على اللحمة الوطنية مع مضاعفة حجم العمل والإنتاج وتحقيق قفزات متتالية كما تم فى العقد المنصرم.