> الانفجار العظيم.. أطاح بالنظام العالمى فوق كوكب الأرض. انفجار عظيم وتوابعه انفجارات أعظم.. ليست وليدة لحظة أو ساعة أو يوم.. إنما هى عملية متوالية ومخيفة.. تهدم نظاماً دولياً قائماً وتقيم نظاماً دولياً جديداً فى القرن الحادى والعشرين.. أين يتجه العالم الآن.. هذا هو السؤال الصعب.. الذى تتوه فيه العقول والنظريات.. وتكاد تنعدم فيه النبوءات.
> هل هذه هى الضربة الوقائية الاستباقية الأولي.. التى قامت بها أمريكا بقيادة دونالد ترامب.. ضد الصين؟!
هذه ليست مجرد الحرب التجارية بين أمريكا والصين.. وهذه ليست مجرد هدم لنظام التجارة الحرة والعولمة.. ما يحدث أمامنا فى الواقع هو الضربة الإستراتيجية الأولى فى الصراع الرهيب على القرن الحادى والعشرين بين الولايات المتحدة والصين. هذا هو الصراع على الهيمنة والتفوق الإستراتيجى فى هذا القرن بين القوتين الأعظم فى الاقتصاد والتكنولوجيا.. وهما أمريكا والصين.. وهذا هو معنى الصراع على القرن الحادى والعشرين الذين يتحدثون عنه فى واشنطن.
النظام الخامس
> الإحساس بالتاريخ.. والإحساس بالسقوط من «سلة التاريخ» بعد معركة السويس فى 6591 فى لندن.. ليس له مثيل.
يقول جوردون براون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق إن الصراع القائم بين أمريكا والصين.. ليس مجرد حرب تجارية.. أو صراع يتم فيه تبادل الضربات القوية بالرسوم الجمركية العالية.. ما يحدث هو مواجهة كبرى وصراع عالمى شامل.. الحرب التجارية هدفها الأول منع صعود الصين كقوة اقتصادية كبرى وعالمية.
وهذه مجرد الضربة الأولى فى الصراع الممتد بين واشنطن وبكين.. أمريكا لن تتراجع.. والصين لابد أن ترد.
> يقول جوردون براون.. إننا شهدنا النظام الدولى الأول بعد هزيمة نابليون فى أوائل القرن الـ 91.. وشهدنا قيام النظام العالمى الثانى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فى 8191.. وأقيم العالمى الثانى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فى 8191.. وأقيم النظام العالمى الثالث بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى 5491.. وأخيراً.. أقيم النظام العالمى الرابع بعد سقوط الاتحاد السوفيتى السابق وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم. وقد شهدنا فى هذه الأيام السقوط المأساوى للنظام العالمى الذى تقوده أمريكا. نحن الآن فى «حقبة الشيطان» من عشرينات القرن الحادى والعشرين. أسوأ رسوم الحماية الجمركية فى التاريخ.. وهى تشبه حقبة الثلاثينات من القرن العشرين.. والرسوم الجمركية الأمريكية العالية.
> انتهى عصر انفراد أمريكا بالهيمنة.. العالم يتحرك الآن فى اتجاه نظام دولى متعدد القوى والأطراف وسوف تتعدد فيه مراكز صنع القرار.. كوكب الأرض الآن فى انتظار الميلاد الصعب للنظام العالمى الخامس فى التاريخ.
الطلاق
> الصراع النارى بين الصين وأمريكا فى الحرب التجارية بينهما.. سيؤدى إلى الطلاق الاقتصادى الحاد بين واشنطن وبكين.. وهو يشبه السقوط الحاد لطائرة ركاب مدنية كبرى من فوق السحاب على الأرض.. فى عملية انتحارية ليس لها مثيل فى التاريخ.
> الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أشعل النيران فى أسواق المال فى نيويورك وحول العالم.. والاقتصاد الأمريكى فى حالة انهيار.. والمواطن الأمريكى فى حالة غليان.. ترامب انفصل عن الواقع فيما يبدو.. وتوجه إلى ملاعب الجولف.. لكن نيرون أحرق روما.. وذهب يغني.
عرش الدولار
> سياسات ترامب تكاد تطيح بالدولار الأمريكى من فوق عرشه باعتباره الملاذ الآمن للاحتياطيات النقدية فى العالم. فقد انهارت أسواق المال والسندات الأمريكية والخسائر تزيد على 92 تريليون دولار. وبنك الاحتياط الفيدرالى يؤكد التزامه بعمل أى شيء من أجل نشر الطمأنينة فى أسواق المال.. وهذه علامة أخرى على أن سلطة ترامب تتراجع.. الموقف مازال خطيراً والرسوم الجمركية على الصين 541% وهى الأعلى فى هذا القرن.
> الصين تملك أوراق ضغط.. بقوتها التكنولوجية والمالية.. وهى تملك أوراق الضغط فى المواد الخام الرئيسية والمعادن النادرة اللازمة للإلكترونيات الجديدة والذكاء الصناعي.. الصين تقوم بمناورات كبري.. لتضع نفسها فى مركز النظام التجارى العالمى القادم.
> سيادة الدولار بين العملات فى العالم.. كانت وسيلة أمريكا للاقتراض بلا حدود.. حتى وصل الدين القومى الأمريكى إلى 73 تريليون دولار.. الآن البعض يقول فى واشنطن إن أمريكا بدأت عصر ما بعد العولمة. يقول إيان بريمر.. إن العولمة ساعدت أمريكا فى أن تتحول إلى أكبر دولة غنية فى التاريخ.. أنصار أمريكا أولاً.. يريدون من ترامب أن يحررهم من العولمة.
انفجار من الداخل
> لكن صعود ترامب للرئاسة أدى إلى ما يشبه الطلاق الإستراتيجى بين أمريكا وحلفائها فى الناتو.. داخل أوروبا.. لندن وباريس وبرلين هناك إحساس فادح بالاتجاه نحو الانقسام والانفجار من الداخل على ما كنا نطلق عليه فى السابق «العالم الغربي».
> أمريكا تنظر لنفسها من الداخل.. وأوروبا تدرك جيداً نقاط الضعف والانكسار لديها قد أصبحت مكشوفة تماماً. الواضح الآن هو وجود إحساس بالاحتقار لدى كبار المسئولين فى أمريكا.. تجاه كل ما هو أوروبي.. وهذه شهادة جديدة على مدى الانقسام الحاد بين الولايات المتحدة فى أمريكا الشمالية.. وحلفاء الناتو فى أوروبا.. وفى هذا التوقيت يمكن لأمريكا أن تبدأ الانسحاب العظيم بقواتها وقواعدها إلى نصف الكرة الغربي.. داخل الأراضى الأمريكية.
> يقول الخبير الإستراتيجى الأمريكى هال براندز إن ترامب لا يتردد فى عقد الصفقات مع القوى الكبري.. ولو على حساب الدول والقوى الضعيفة.
دوائر النفوذ
> ولذلك لابد أن نعرف إلى أين يقودنا هذا العالم الذى سوف يتم تقسيمه فى النهاية إلى دوائر للنفوذ والهيمنة بين القوى الكبرى هذا العالم سوف يكون أكثر ظلاماً وخطراً مما يتصور كل من يطالبون حالياً فى واشنطن طبعاً.. بتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ.
> لقد انتهى عصر دوائر النفوذ بسقوط الاتحاد السوفيتى السابق فى 1891.. وانفراد أمريكا بالهيمنة العالمية.. لكننا لا يجب أن نصاب بالدهشة حين يجرى تقسيم العالم إلى مناطق للنفوذ والهيمنة بين القوى الكبري.
خطر الصراع والحرب
> يقول براندز.. إن ترامب وسط كل هذه الحرب التجارية العالمية التى يقوم بها يريد أن يتوصل إلى صفقة نهائية مع الصين.. عند نقطة ما أو فى مرحلة ما.. وسط كل هذا الدخان والدمار الاقتصادي.
الغريب أن يسعى ترامب إلى مثل هذه الصفقة مع الصين.. رغم أن ما حدث يمكن أن يتحول إلى صراع عسكرى مباشر بين أمريكا والصين فى أى لحظة.. سواء حول تايوان.. أو فى بحر الصين الجنوبي.. أى خطوة خطأ.. أو أى خطأ فى الحسابات قد يؤدى للحرب.
> من الواضح أن سياسات ترامب يمكن أن تؤدى فى النهاية لإقامة دوائر نفوذ منفصلة فى العالم.. بين القوى الكبري.. أى تقسيم العالم إلى دوائر نفوذ.
> دائرة النفوذ تعنى إقامة ترتيبات أمنية تقوم من خلالها أى قوة كبرى بتقرير مصير الدول والقوى الضعيفة التى سقطت تحت نفوذها. ويمكن أن تقوم القوة الكبرى باحتلال الدول الموجودة فى دائرة نفوذها.. وكان عصر الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا من عصور دائرتى النفوذ.. دوائر ومناطق النفوذ ليست طريقاً يؤدى إلى السلام.. بل إلى الحرب والتهديد الدائم بالحرب.. وما نراه حالياً هو الضربة الأولى فى الطريق المرير المؤدى إلى عالم دوائر النفوذ.. أين توجد إسرائيل والشرق الأوسط من هذا العالم.. سؤال صعب علينا أن ننتظر.