حسناً فعلت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى بمبادرتها الشجاعة لضبط الأسواق والسيطرة على الأسعار والوقوف ضد جشع وطمع الكثيرين من التجار وأصحاب الأعمال الذين لا يهمهم سوى مصالحهم التجارية الخاصة.. وتحقيق المزيد من الأرباح ولو كان ذلك على حساب أصحاب الدخول المحدودة أو المتوسطة والتضييق على مستويات حياتهم وظروفهم المعيشية.. ولو تسببت هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة فى زيادة معدلات مشكلات الأسرة المصرية وزيادة حالات الطلاق خاصة بين الأسر الجديدة الشابة وهى تواجه بالتدبير وأحياناً بالاستغناء ـ متطلبات الحياة.
يخطئ من يظن أن سياسة الاقتصاد الحر التى أخذت بها الدولة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضى هى نظرية «براجماتية بغيضة» تخضع للعرض والطلب وتترك «الزبون» تحت مقصلة «البائع».. وخاصة فى الدول النامية التى تسعى لبناء اقتصادها وتعتمد على الفرد كقوة بشرية أساسية تعتمد عليه فى هذا البناء وبالتالى لا يمكن أن نتركه وحده يواجه مصيره المحتوم تحت ضغط السادة التجار وخاصة الكبار منهم والمحتكرين الذين لا يهمهم إلا مصالحهم.
والرئيس عبدالفتاح السيسى كان واضحاً فى هذا الأمر منذ بدأ الناس يتعرفون على شخصه المميز عند ترشحه للرئاسة الأولى قبل عشر سنوات.. عندما أشار إلى أن المواطن المصرى لم يجد من قبل من يحنو عليه أو يرفق به.. وتوالت بعد ذلك المبادرات العديدة التى تصب فى توفير الحياة الكريمة للمواطن قدر الإمكان رغم الظروف الاقتصادية والسياسية العالمية الضاغطة.. فكانت برامج الحماية الاجتماعية تساند هذا المواطن ولاسيما مع مضى الدولة فى سياسة الإصلاح الاقتصادى من أجل بناء الإنسان والتنمية وتحديث الدولة.
>>>
ومن هنا جاء التحرك الحكومى الحاسم فى الأسابيع الأخيرة بالتحاور والتشاور مع المنتجين وأصحاب الأعمال ورؤساء الغرف التجارية.. لوضع حد لحالة الارتفاع الجنونى فى الأسعار الذى واكب عملية المضاربة على سعر الدولار والدخول فى حلقة جهنمية زادت من أرباح هؤلاء التجار والمزيد من الضغط على جيوب الناس فى الأسواق.. ولا كان يليق أن تستمر بعد أن نجحت الدولة فى إنهاء مشكلة الدولار.
صحيح أن مبادرات خفض الأسعار التى تحدث هذه الأيام محدودة ولا تناسب الزيادات الكبيرة فى الأسعار التى حدثت على مدى العامين الأخيرين.. وصحيح أن التجار بعد أن ضاعفوا أسعارهم عدة مرات خلال هذه الفترة ثم يجيئون الآن باستجابة محدودة ويتحايلون على مبادرة الحكومة بعد أن وفرت لهم العملة الصعبة من البنوك للإفراج عن السلع بالموانئ.
ولكن أتصور أن هذه الجهود الحكومية وتفعيل الرقابة وفقاً لإمكانات وقدرات الأجهزة الرقابية هو أمر جيد ومشكور يجب البناء عليه.. وهو إشعار للسادة التجار أن التجارة ليست «شطارة» على طول المدى وأن مصلحة المواطن وقدرته على العيش مسألة أمن قومى وحفاظ على الوطن وحماية له من مستغلى الظروف خاصة الاقتصادية سواء من الداخل أو الخارج الذين يلعبون على وتر حالة عدم الرضا وتقليب الشعوب من أجل مصالح إقليمية ودولية مازلنا نعانى منها.. ونعتمد على وعى الناس للتصدى لمثل هذه المخططات.
>>>
ولعله يواكب هذه الجهود الحكومية لضبط الأسواق محاولات أخرى من دوائر ومبادرات شعبية للمقاطعة ونشر ثقافة الاستغناء كما يحدث فى كثير من أسواق دول العالم المتقدم.
وفى الحالين الحكومى والأهلى لمحاولة السيطرة على الأسعار ووضع حد للجشع والاستغلال هى محاولات الغرض منها هو إيجاد معادلة متوازنة تضمن الكسب المعقول الحلال للتجار.. ومعيشة مريحة غير مرهقة للناس ـ عموم الناس ـ الذين يوازنون بالقسط بين دخولهم وقدرتهم الشرائية بعيداً عن الطموحات الزائدة فى مجتمع كادح عامل تسعى فيه الدولة لتوفير الحياة الكريمة لكل أفراده على قدر عطائهم وسعيهم فى الحياة.
>>>
باختصار.. إن مشوار ضبط الأسواق طويل.. طويل ويحتاج صبراً ومتابعة واستمرارية.. ونأمل أن نسير فيه جميعاً حكومة وشعباً بعد أن أخذنا ضربة البداية الصحيحة.