يترقب العالم بقلق الشهور الأولى من الولاية الثانية للرئيس الأمريكى دونالد ترامب. الرئيس الـ47 للولايات المتحدة يتبنى سياسات من شأنها أن تسقط ضحايا كثر فى الداخل والخارج بدايةً من المناخ والصحة وليس انتهاءً بالاقتصاد وسلام العالم ذاته.
لا يخفى على أحد أن الرئيس الأمريكى العائد إلى البيت الأبيض يرى أن حلفاءه الأوروبيين فى حلف شمال الأطلنطى «الناتو» طفيليات تمتص دماء العم سام دون أن تدفع المقابل المرضى له ثمنا لحمايته لها.
ترامب أعلن فى وقت سابق أنه يريد من هؤلاء الحلفاءإنفاق خمسة بالمائة من إجمالى ناتجهم القومى على الدفاع لزيادة اسهاماتهم فى ميزانية الحلف العسكرى الأقوى فى العالم. هذا الرقم من شأنه أن يثقل بشدة كاهل تلك الدول التى ما زالت تعانى آثار كورونا وتبعات حرب أوكرانيا. كما يعنى أنها ستضطر إلى تقليص الإنفاق الحكومى على برامج مهمة مثل الرعاية الصحية والرفاه الاجتماعية مما ينذر بسخط شعبى قد يطيح بحكومات من السلطة.
ورغم أن بعض البلدان المتاخمة لروسيا مثل بولندا وليتوانيا تؤيد المسعى خوفا من تمدد الدب الروسي، ما زالت أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا متعثرة وتكاد لا تحقق نسبة الـ 2 بالمائة التى كان الحلفاء قد اتفقوا عليها فى عام 2014!
من جانبه، أعلن الأمين العام لحلف الناتو مارك روته أنّه سيتعيّن على أعضاء التحالف زيادة الإنفاق الدفاعي. وقال روته فى كلمة على هامش المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس «يتعيّن علينا أن نزيد «الإنفاق الدفاعي» جماعيا وسنقرّر الرقم الدقيق فى وقت لاحق هذه السنة، ولكنّه سيكون أكثر بكثير من اثنين «فى المائة»«.
فهل تشهد قمة الحلف التى تنعقد فى لاهاى فى شهر يونيو المقبل تنفيذ ترامب لتهديده بالانسحاب من الناتو إن لم يدفع حلفاؤه نصيبهم صاغرين؟
ليس الناتو وحده هو المهدد لكن الاتحاد الأوروبى والصين وكندا والمكسيك أيضا فى مرمى نيران دونالد ترامب. وتوعدالرئيس الأمريكى بفرض رسوم جمركية باهظة على الواردات من تلك الدول أملا فى علاج خلل ميزان بلاده التجارى معها ورغبة فى تشجيع قطاع التصنيع المحلى وإعادة الوظائف المهاجرة إلى الأراضى الأمريكية.وقال ترامب بعد تنصيبه إنه قد يفرض تعريفات جمركية تصل نسبتها إلى 25 بالمائة على الواردات من كندا والمكسيك بحلول الأول من فبراير المقبل. لا يكتفى ترامب بذلك لكنه هدد أيضا بفرض تعريفة بواقع 10 بالمائة على الواردات العالمية و60 بالمائة على السلع الصينية.
رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو سارع إلى التصريح بأنه إذا اختار الرئيس الأمريكى المضى قدما فى تهديداته، فبلاده جاهزة للرد متوعدا بأن «كل شيء مطروح على الطاولة».
أما المفوض الأوروبى للشئون الاقتصادية فالديس دومبروفسكيس فقال إن التكتل مستعد للرد بطريقة متناسبة على أى تعريفات يفرضها الأمريكيون. لكن المسئول الأوروبى عاد ليؤكد على أهمية الحفاظ على العلاقة التجارية والاستثمارية بين الطرفين وأشار إلى تقديرات صندوق النقد الدولى بانخفاض إجمالى الناتج القومى العالمى بواقع سبعة بالمائة نتيجة لهذا الصراع.
فهل نصل إلى مرحلة الحرب التجارية بين أقطاب الاقتصاد العالمى تدفع ثمنه غاليا الدول المتقدمة والنامية على حد سواء؟
المناخ ضحية محتملة أخرى للرئيس الأمريكى والطبيعة ستدفع ثمن لعبة شد الحبل بين الديمقراطيين والجمهوريين.
وفى الكلمة التى ألقاها دونالد ترامب فى مبنى الكابيتول «مقر الكونجرس الأمريكي» بعد أداء اليمين الدستورية رئيسا للولايات المتحدة، كان من بين أوائل قراراته الجمهورية التى كشف عنها بعد عبارات النشوة بالفوز هى إعلان حالة الطوارئ فى مجال الطاقة والمقصود هنا الطاقة المستخرجة من الوقود الأحفورى بالطبع. وقبل أن تغرب شمس ذلك اليوم كان قد وقع على انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ التى سبق وانسحب منها فى ولايته الأولى ثم أعاد خلفه بايدن الانضمام إليها!
كما ألغى ترامب أمرا لسلفه الديمقراطى جو بايدن يهدف لجعل نصف جميع المركبات الجديدة المبيعة فى عام 2030 كهربائية، وهى خطوة يفترض أن تشكل دعما لمصنعى السيارات التقليدية فى أمريكا.
تأتى كل هذه القرارات بينما الحرائق ما زالت مشتعلة فى كاليفورنيا والصقيع والثلوج تغطى تكساس وولايات أمريكية أخرى فى ظواهر استثنائية يرجعها كثيرون إلى التغير المناخى الذى قد تفاقمه تلك الإجراءات.
ينقلنا ذلك إلى ملف الصحة محليا وعالميا، هنا يدخل ترامب على الخط ويعلن فى خطاب القسم أن أفراد الخدمة الذين تم فصلهم من الجيش الأمريكى لأنهم رفضوا لقاحات كوفيد-19 سيُعادون إلى الخدمة وسيحصلون على أجورهم بأثر رجعي.
وفى السياق، أصدر ترامب قرارًا جمهوريًا بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية. الرئيس الأمريكى اتهم المنظمة بسوء إدارة جائحة كوفيد-19وتأثرها السياسى غير المناسب.
أخيرًا نعت الرئيس الأمريكى نفسه فى خطاب تنصيبه بأنه «صانع سلام». لكن ترامب فى الخطاب ذاته تعهد بالاستيلاء على قناة بنما. وقبلها هدد باستخدام القوة العسكرية لضم إقليم جريلاند من الدنمارك بخلاف تكراره المطالبة باعتبار كندا الولاية الأمريكية الـ51.