كل يوم وأحياناً كل ساعة تتحكم فى خططنا حالة الطقس: اليوم مشمس أم غائم؟ حار أم بارد؟ ممطر أم جاف؟ وتفاصيل كثيرة جعلت من النشرة الجوية ضرورة حياة والمستشار الأمين.. لا سيما الشباب الذين يتابعونها باهتمام ويقررون بناء عليها خططهم الآنية والمستقبلية :
فلا اتفاق على سفر ولا خروجة تأخذ صك التأكيد إلا بعد استطلاع حالة الطقس.
بالتالى لا أفراح ولا ليالى ملاح فى الهواء الطلق أم القاعات إلا بعد الاطمئنان لتجنب المفاجآت ويمتد الأمر إلى مهن بأكملها تعتمد على النشرة الجوية: المزارعون والصيادون.. المهندسون فى الصحراء والعمال والموظفون على الطريق والقائمة طويلة.
«يالا شباب» ننقل لكم كواليس صناعة «النشرة الجوية» من داخل إدارة التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية.. عشنا مع صناع النشرة يوما بأكمله فى مقر الهيئة بكوبرى القبة.. تأكدنا من صعوبة المهمة ولمسنا الشعور بالمسئولية فى ظل التغيرات المناخية التى هزت المقاييس الثابتة فى «حار جاف صيفاً دفيء ممطر شتاء « أصبحنا نسمع عن تحذيرات بحالات عدم الاستقرار تتكرر على مدار فصول التقلبات الجوية ومنها بالطبع الخريف.
البداية مع د.محمود شاهين مدير عام التنبؤات والإنذار المبكر يكشف أن وراء كل نشرة مهمتين أو مهنتين يتعاونان معاً لخروج النشرة إلى النور: الراصد الجوى والمتنبئ الجوي.
الأول يرصد الظواهر الجوية من خلال المحطات المنتشرة والمتنبئ يحلل البيانات التى تم رصدها ويخرج منها بتنبؤات الأيام القادمة.
المتنبئء خريج علوم فيزياء أو رياضة لاعتماد عمله على المعادلات كما يحصل على سنة إعداد فى معهد التدريب ودبلوم أرصاد جوية لمدة سنتين بجامعة القاهرة أو الأزهر.
يشير إلى أن طبيعة العمل اختلفت مع تطور الأرصاد وظهور رادارات الطقس فأصبحت دقة التنبؤ أكثر.
يضيف أن العالم كله تأثر بالتغيرات المناخية، اختلفت الظواهر الجوية وأصبحت هناك غرف أزمات تتكون عند حالات عدم الاستقرار حيث المتابعة كل ساعة إلى 3 ساعات لننقل لصناع القرار وغرف الأزمات بالمحافظات كيفية التعامل مع الظواهر المختلفة مثل المطر والتراب وأصبحت النشرة تقدم تنبؤات قصيرة المدى «يومية وكل 6 أيام» وأيضاً شهرية بينما تهتم إدارة البحث العلمى بالتنبؤات الموسمية.
يلفت أن ظاهرة الضباب على الطرق السريعة الأخطر لما تسببه من حوادث وخسائر فى الأرواح وأيضاً الموجات شديدة الحرارة التى تتلف المحاصيل وتسبب انقطاع التيار الكهربائى .
يعتبر فصلا الخريف والشتاء هما الأصعب على خبراء الأرصاد بسبب حالة عدم الاستقرار من رياح وأمطار
تفاعل أكثر
بحكم تعاملها مع وسائل الإعلام تصف د.منار غانم عضو المركز الإعلامى العلاقة بين النشرة الجوية والجماهير بالتفاعل المتبادل فالاهتمام بها زاد آخر 5 سنوات لا سيما بسبب التغيرات المناخية.
أصبحت وسائل الأعلام مدركة اعتماد الناس على النشرة فى كل تفاصيل الحياة بدءاً من طبيعة الملابس إلى قرار الخروج أو السفر على الطريق.
بالإضافة إلى تأثير الطقس على الأنشطة الاقتصادية فشاهدنا ما حدث فى إيطاليا من تأثر المحاصيل بجفاف الأنهار فالمسألة تتعدى ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة إلى تغيرات درامية فى الحياة وليس بعيداً الأمطار الغزيرة على أسبانيا أدت إلى وفيات وتعطيل القطارات وإغلاق المطارات.. كل هذا يؤكد أن الطقس العامل المحرك للحياة ولا شك أن الأنشطة البشرية الملوثة هى سبب التغيرات المناخية مما يستلزم المزيد من التوعية المستمرة.
24 ساعة رصداً
نبدأ بالراصدين الذين يعتمد عليهم المتنبئون للوصول إلى تنبؤ دقيق للأحوال الجوية محمود حسن عباس كبير الراصدين بالإدارة العامة للتنبؤ والانذار المبكر يؤكدأن العمل مستمر 24 ساعة من خلال أكثر من راصد تتوزع بينهم المهام: أحدهم يتابع الطقس كل ساعة من خلال الأجهزة ويسج ت إلى التنبؤات
د.وئام حمدى متنبئ جوى تكشف أن العمل فى هذه المرحلة ينقسم إلى جزءين: يدوى وعلى الشاشات، نحصل على الخرائط موقعة من الراصدين أى موضح عليها عناصر الرصد من حرارة ورطوبة وسرعة واتجاه الرياح فى الأماكن المختلفة ونقوم بفضل الكتل الهوائية عن طريق توزيع الضغط على خرائط سطح الأرض وطبقات الجو العليا لنعرف مثلا هل نتأثر بمرتفع أم منخفض جوي؟ كتلة هواء ساخنة أم باردة؟
فى الشتاء مثلاً نتأثر بمنخفض جوى على سطح الأرض أو طبقات الجو العليا مما يسبب عدم استقرار بينما إذا كان المؤثر مرتفعاً جوياًًً يحدث استقرار ولكنه تصاحبه الشبورة المائية.
نقوم بإعداد هذه الخرائط سواء يدوياً أو على أجهزة الكمبيوتر ونعقد صباحاً مناقشات مستفيضة حتى الثانية عشرة ظهراً لنصل إلى التنبؤات التى تشكل أساس النشرة الجوية.
تلاحظ تأثيرات التغيرات المناخية سواء فى طول مدة الموجات الحرارية التى قد تستمر لأسبوعين وكانت من قبل لا تزيد على 48 ساعة وكذلك فى كمية الأمطار الزائدة خلال فصل الشتاء.
تلفت أن الخريف تغير عندنا فصرنا نشعر بارتفاع الحرارة ولا يبدأ الانخفاض إلا فى النصف الثانى منه ونلمس الاختلاف فى درجات الحرارة بين الليل والنهار وهو ما يعد طبيعياً خلال الفصول الانتقالية «خريف/ربيع».
بمساعدة الكمبيوتر
وتستكمل زميلتها د.ريم حسنى أن الكمبيوتر يقوم بدور مهم مع الخرائط اليدوية حيث قسم النماذج العددية ويتم إدخال البيانات التى يجمعها الراصدون ومعها معادلات يخرج منها خرائط مفصلة لعناصر الجو»ضغط جوى -حرارة-رطوبة -امطار» ونستقبل أيضاً من النماذج العالمية فبينما تكون الخريطة اليدوية منفصلة «أحدهما لسطح الأرض وأخرى للطبقات العليا» يتيح الكمبيوتر جمعهما معا وإضافة سرعة الرياح واتجاهها وفصل الكتل الهوائية وبالتالى يساعد فى التنبؤ.
مضيفة أن الاجتماع اليومى للمتنبئين يشهد إصدار النشرة وأيضاً الإنذارات الجوية والبحرية «حالة البحرين المتوسط والأحمر وخليج السويس «.
ترى أن الوعى بالنشرة الجوية زاد فى ظل نجاح هيئة الأرصاد فى التواصل مع المواطنين عبر السوشيال ميديا فى صفحتهم الرسمية بعد أن وصل عدد متابعيها إلى المليون وتعتمد على تبسيط المعلومات والمبادرة بالإنذارات الجوية فى حالة عدم الاستقرار كما تقدم معلومات مبسطة عن عناصر النشرة ليفهم المتابعون مصطلحات تتردد فى النشرة باستمرار مثل مرتفع أو منخفض جوى -الضباب والشبورة-الرطوبة إلخ.
كما تستقبل الصفحة رسائل وتعليقات المتابعين وتجيب عن أسئلتهم التى تبدأ من «نلبس ايه إلى حتمطر عندنا ولا لا ؟»
غرف العمليات
تلتقط طرف الحديث د.إيمان شاكر مدير مركز الاستشعار عن بعد التابع لإدارة التنبؤات والمسئول عن متابعة استقبال البيانات من صور الأقمار الصناعية والبيانات من المحطات وتشير هنا إلى للتعاون مع المنظمة الأوروبية للأقمار الصناعية «يوروسات»المسئولة عن اطلاق الأقمار الصناعية المتخصصة فى الطقس.
تلتقط صوراً واقعية ودقيقة جداً للغلاف الجوى تمثل حركة السحب والأتربة والرياح والامطار ونقوم باستقبال الصور وتحليلها لعمل التنبؤات
تعرض عناصر الطقس من سحب «منخفضة ومتوسطة وعالية» نعرف منها السحب الممطرة وغير الممطرة ومسار واتجاه هذه السحب.
نقوم بتنبؤ آنى «من 3 إلى 6 ساعات» ونتعامل مع غرف الازمات فى المحافظات عند حالات الطقس العنيف نخصص متنبئا جويا لكل محافظة.
نصدر تحديثات عن السحب المطيرة بما يساعد عربات سحب المياه على التعامل الفعال.
هكذا نكتشف أن النشرة الجوية أكثر من مجرد بيانات أو أرقام.. هى خارطة طريق للتعامل مع حالة الجو.. إنذار عند عدم الاستقرار.. ومؤشرات للاطمئنان.. ومنظومة أمان تتطلب رصيدا ومزيداً من الشباب المتخصص للقيام بمهامها العديدة خصوصا وأن آخر دفعة تعود لعام 2016.