صناعة المصلحين.. واحدة من الصناعات الثقيلة لاتقوم بها إلا الأمم الراسخة البنيان عالية الشأن الحضارى والرقى الإنسانى وهى الضمان الحقيقى لأى نهضة مأمولة وهل هناك نهضة بلا مصلحين؟!
أعجبنى كثيراً عنوان مؤتمر مهم عقد مؤخراً فى رحاب جامعة الأزهر.. المؤتمر نظمته كلية العلوم الإسلامية والعربية للطلاب الوافدين تحت عنوان «الأزهر وصناعة المصلحين» يوم الاثنين 14 من ذى القعدة 1446هـ الموافق 12 مايو 2025م فى مركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف..
لم يلق الاهتمام الواجب أو المطلوب رغم أهمية القضية والتوقيت الحرج الذى تمر به الأمة وما تعج به الساحة من فتن تدع الحليم حيرانا.. لا يملك مفاتيح التعامل معها والخروج منها إلا المصلحون المخلصون..
المؤتمر الذى حضرته وشاركت فيه القيادات الدينية بالأزهر والأوقاف فى مقدمتهم فضيلة الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف والدكتور محمد عبدالرحمن الضوينى وكيل الأزهر والدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر والدكتورة نهلة الصعيدى مستشارة شيخ الأزهر لشئون الوافدين وعميدة الكلية ورئيسة المؤتمر.. هو خطوة مهمة فى طريق طويل ربما يكون صعباً وشاقاً فى مواجهة تحديات جسيمة وخطيرة أصبحت تهدد كل شىء بلا استثناء حتى وجودنا نفسه فما بالك بدورنا فى الحياة وصناعة وتشكيل مستقبلنا.
التركيز على عرض نماذج ومناهج المصلحين ومدارستها وتقديمها للمجتمع وطرحها أمام الشباب يفتح أبواب الأمل وينثر عبيراً مطلوباً عل ساحات تعانى من العجز والعفن الفكرى يحتضنه ويتولاه نماذج ابتلينا بها على الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعى ولم تترك مكانا أو ساحة تتعرض للشباب إلا وكان لها فيها مزاحمة غريبة وعجيبة..
أحسن القائمون على المؤتمر صنعا باختيارهم الإمام الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الأسبق (تولى المشيخة العام 1246 بقرار من محمد على باشا وحتى وفاته العام 1250) شخصية المؤتمر العلمى الأول للكلية عن المصلحين.. وهى شخصية ثرية وفريدة ومن يتأمل ما ارساه من مبادئ وما حرص عليه من خطط علمية وعملية هى عين وقلب أى عملية إصلاحية وغاية كل مصلح وستزول عن المرء الدهشة حين يتاكد أن الأمة تحصد الآن ثمار جهود المصلحين الكبار من أبناء الأزهر.
ملمح مهم أشار إليه د. الأزهرى فى حديثه عن الشيخ العطار ومنهجه الاصلاحى حيث شهد دخول الحملة الفرنسية لمصر ورأى ما سببته من أهوال فى القاهرة واقتحام الفرنسيين للجامع الأزهر ورأى صدام الحضارات فى أعنف صوره ورغم ذلك كان عبقريا وقدم رؤية «تعارف الحضارات» فرغم ما أحدثته الحملة الفرنسية كان الشيخ العطار يتردد على معامل الفرنسيين ورأى الأجهزة والمختبرات واستطاع أن يحدد الفارق بيننا وبين الغرب وكان أنموذجًا مدهشًا لروابط الجسور والتفاهم والسلام بين الشرق والغرب لكل الجامعات والثقافات.
وأوضح وزير الاوقاف أنه بعد خروج الحملة الفرنسية خرج العطار فى سياحة إلى العالم فنزل إلى القدس الشريف وارتبط بكبار العائلات المقدسية ثم الأردن ثم دمشق ثم الأناضول وألبانيا وألف كتبًا وحاور العلماء وأمضى فى سياحته حول العالم عشر سنوات جعلته يرى الحضارات والشعوب وأنماط المعيشة ولما رجع لمصر عين شيخا للأزهر عام (1831) لما تقلَّد منصب المشيخة بدأ يقدم للعالم رؤيته بين الشرق والغرب وأرسل تلميذه رفاعة الطهطاوى إلى فرنسا الذى وقف يسجل كل ما يراه ويشاهده بوصية من شيخه العطار فألّف كتابه المشهور: «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» وفتح نافذة على العالم وبنى الجسور بين الحضارات..
والله المستعان..