ما هو الحلم القومي للأمة المصرية؟ ما هو الطموح المشترك الذي لا يختلف عليه أحد من أبناء هذ الوطن؟ ما هو الوعاء الفكري والثقافي الذي يحتوينا وننصهر فيه جميعا بصرف النظر عن اتجاهاتنا وتوجهاتنا؟ ربما كان الشعور بالخطر والقلق وأوقات الأزمات والملمات هي الأمور الأكثر وضوحاً التي تجمع الأمة علي كلمة سواء دون توجيه أو إنذار، لكني أبحث هنا عن شئ آخر تماماً، أبحث عن الحلم الذي يجب أن يجمعنا ونلتف حوله مؤمنين به ونعمل علي قلب رجل واحد لأجل تحقيقه.
>>>
وأتساءل دوماً لماذا لا تجمعنا إلا سرادقات العزاء الحزينة ومواقف الشدة فقط؟ لماذا لا تجمعنا ميادين العمل والإنجاز والتقدم وقاعات الفرح وآفاق الحلم القومي؟ بيد أننا لدينا حلم قومي بين أيادينا لكن معظمنا لا يري أبعاده الكاملة، حلم بناء دولة متقدمة بحق، لدينا رجل يعمل وسط ضباب الأزمات علي تحقيق ذلك الحلم، لكنه لا يجد من يمد يده ويشمر عن ساعديه للمشاركة معه بتجرد وصدق وفهم ووعي كامل بكل مفردات «مشروع التقدم» الذي يمثل إحياء للوطنية المصرية وبعثاً جديداً لقدراتنا التاريخية، وهنا يكمن دور المفكرين والمثقفين والنخب.
>>>
ولا وقت للبكاء علي اللبن المسكوب، ولا وقت للتنظير أو التأطير، فطريق المستقبل مازال طويلاً، وبه الكثير من العوائق والعقبات والصعوبات، التي تحتاج إلي فكر مختلف لن يقوي علي حمله إلا رجال مختلفون.
ومصر الآن في أمس الحاجة إلي نخبة جديدة شكلاً ومضموناً، هذه النخبة يجب أن تكون قادرة علي صناعة الحلم القومي بمفردات عصرية نافذة إلي عقول وقلوب كل أطياف المجتمع، فالمجتمع الذي يفقد القدرة علي الحلم يفقد في اللحظة ذاتها القدرة علي الحياة.
>>>
ما أحوجنا إلي أناس لديهم القدرة علي الحلم والخيال والسباحة بنا صوب المستقبل، مصر في حاجة إلي قادة للفكر والرأي والفن والإبداع، هؤلاء عليهم مهمات جسام كصناعة الوعي الجمعي لأمة كانت حتي وقت قريب تقود المنطقة بقوتها الناعمة، فالنخبة هي التي تصنع القوة الناعمة، والأخيرة هي التي تعيد صناعة النخبة من جديد، وهكذا نخرج من إطار حالة الفقر النخبوي، ونقضي علي ظاهرة النحر الممنهج لقوتنا الناعمة، الغريب أن النخبة المزيفة أو الكاذبة تمثل خصماً من رصيد المجتمع.
>>>
فهي بمثابة جلطة في شرايين الوطن، أنا لست مشغولاً في هذه اللحظة بعرض واستعراض مظاهر ضعف وضياع وسطحية وضحالة النخبة الحالية، فهذا أمر يعرفه القاصي والداني، أنا فقط مشغول بنقطة البداية لصناعة وصوغ نخبة مصرية جديدة حقيقية غير مزيفة، وقادرة علي صناعة الحلم القومي، فهل نحن قادرون؟ الحقيقة ليس لدينا اختيارات علي الإطلاق، فالإجابة الوحيدة هنا هي «نعم» نحن قادرون، ودون مناورات فكرية أو نظريات عقيمة،
>>>
ربما لا أكون مخطئاً حين أقول إنني أرمق بصيص أمل متعاظم في ظهور بشاير هذه النخبة!
إن البداية كانت في الاعتراف الجمعي بأننا بلا نخبة، وبأن قوتنا الناعمة تآكلت، وبأن أحلامنا علي المحك، ثم ظهر في الأفق صوت مدوٍ كان مصدره حلماً رئاسياً بمصر جديدة للمصريين، ثم صرخة في البرية أن هلموا يا شباب مصر، فمصر تناديكم لصناعة حلمها التاريخي، بيد أني لن أكون مبالغاً إذا قلت إن مؤتمرات الشباب كفكرة وتطبيق ومردود ودلالة كانت هي نقطة البداية أو صافرة المباراة، التي انطلقت، ولم ولن تتوقف،
>>>
الشباب عليه أن يحلم ويقفز بأحلامه وطموحاته صوب آفاق المستقبل دون قيود أو سدود، كانت تلك المؤتمرات ومخرجاتها نقطة ضوء وسط نفق مظلم حالك الظلام، حالة حراك مجتمعي بين محتفٍ ومختفٍ ومؤيد ومعارض ولا يدري هؤلاء جميعاً أنهم أسهموا، ربما بقصد أو غير قصد، في خلق الحالة المطلوبة، كان المطلوب استفزاز القوي الكامنة بالقول والفعل والمشاركة وقد حدث، والآن نحن أمام مرحلة مختلفة عنوانها «الإنجازات الصامتة» أو الإنجازات اليتيمة.
>>>
فلم نجد الصدي المطلوب حتي في حده الأدني لما هو حاصل في عموم مصر من مشروعات وإنجازات ومبادرات تستهدف البشر والحجر في آن واحد.