من الأحاديث النبوية التربوية التى تؤسس لبناء البشر على النموذج الإنسانى الأمثل وتؤسس لبناء الحضارات التى تنشر السلام والأمن والرقى البشرى الذى يتجاوز فيه الإنسان آدميته وماديته الى روحانيته وسموه المنشود الذى يتفوق فيه على الملائكة ويصبح عبدا ربانيا «أوصانى ربى بتسع أوصيكم بها: أوصانى بالإخلاص فى السرِّ والعلانية، والعدل فى الرِّضا والغضب، والقصد فى الفقر والغِنى، وأن أعفو عمَّن ظلمنى، وأُعطى مَن حرمنى، وأصل مَن قطعنى، وأن يكون صَمتى فكرًا، ونطقى ذكرًا، ونظرى عبرًا».
والحديث كما جاء به وصية من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم. أراد رسولنا الكريم أن يمنحنا هذه العطية العظيمة التى منحه إياها ربه ليس هذا فقط وإنما كان صلى الله عليه وسلم يدعو بها.. ويحرص كل الحرص على ان يكون كما أوصاه ربه.
فإذا تأملنا أن النص هو وصية من المولى لحبيبه وربيبة «أدبنى ربى فأحسن تأديبى» والوصية تكون من محب رءوف بمن يوصيه يريد له الكمال فى كل شىء. إذن فهى وصية الوصايا خاصة أن القرآن الكريم حمل إلينا المنهج الربانى الذى يصلح كل شىء فوصية المولى لنبيه فكأنه يمنحه خلاصة ما يحقق الهدف من خلق الكون ويعطية خلاصة الخلافة القويمة لله فى أرضه ووسائل إعمار الأرض وإصلاحها «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها.
فلو تخيلنا أن رجلًا منا أو جماعة من البشر اجتهدت وجاهدت نفسها حتى حققت ما فى الحديث أو بعض ما فيه فأخلصوا فى السر والعلن مثلًا وكما نعلم فإن أزمة الأزمات فى الأمم قضية النفاق الذى يبطن فيه المنافق مالا يظهر ويقول ما لا يفعل ويخادع البعض البعض الآخر ويحتال من يحتال ويغش من يغش. فلو حققت فئة مجتمعية هذه الوصية فكم تحل من المشكلات وتنشر من الحب وتتخلص من الضغائن وترتقى بمجتمعاتنا.
ولو أن فئة من المجتمع جاهدت نفسها وتواصت على هذا ليكون شعارها العدل فى الرضا والغضب. . بلا زيادة أو نقصان قولا وعملا؛ والعدل يكون مع النفس ومع الناس ومع الكائنات كلها؛ فكل إنسان يربى فى داخله ميزانا فلا يظلم فى غضب أو فى رضا. «أى أننا نكون فى محاسبة دائمة للنفس فى كل حركة وسكنه» وفى كل لحظة. فأى مجتمع نكون لو أننا فعلنا ذلك.
أما ثالث الوصايا فهى القصد اى الاعتدال فى الغنى والفقر هذا الاعتدال الذى من شأنه أن يجعل خير البشرية يصل إلى كل أفرادها لأن كل واحد سيكون معتدلاً فى مأكله ومشربه وملابسه وبقية استهلاكه.
الوصايا الثلاث السابقة هدفها الارتقاء بالإنسان فى نفسه وشخصيته أما الثلاث التالية فهى للارتقاء بالآخرين من خلال التعامل معهم وهذه الوصايا هى: «وأن اعفو عمن ظلمنى وأعطى من حرمنى واصل من قطعنى» هنا يكون استلال الكراهية والحسد من قلوب الآخرين أى أننى أغيرهم وأساعدهم للانتقال إلى المنطقة الإنسائية والخلفية التى أصبحت فيها.
أما الوصايا الثلاث الأخيرة فمن شأنها أن تحافظ على ماحققت من مكانة إنسانية وخلقية وان اكون مستغلا لكل لحظات عمرى فى زيادة رصيدى عند الله وهى أن يكون صمتى فكراً ونطفى ذكرا ونظرى عبراً. فاللهم امنحنا من كرمك وجودك التخلق بهذه الوصايا.