من الواضح ان المواقف الأمريكية والغربية تغيرت ليس بشأن إسرائيل التى يبحث الرئيس دونالد ترامب عن مصالحها ولم ولن يتوقف دعم واشنطن لها ولكن هذا التغيير يتجه نحو طريق رئيس الوزراء المتطرف بنيامين نتنياهو وسياساته وإصراره على التصعيد والعدوان وهو ما تسبب فى الاضرار والتحالفات والشراكات الإستراتيجية للولايات المتحدة وفتح المجال أمام منافسيها من القوى الكبرى للتحرك فى الشرق الأوسط مع حلفاء مؤثرين.. أساس المصالح الكبرى والشراكات الشاملة بالإضافة إلى سخط دولى على سياسات الولايات المتحدة ودعمها المطلق لجرائم حكومة الاحتلال المتطرفة.
الصفعات تتوالى على وجه نتنياهو وتنزل على حكومة الاحتلال كالصاعقة فبعد تصريحات الرئيس دونالد ترامب فى الرياض ضمن جولته الخليجية بأن ما يحدث فى غزة حرب وحشية.. وهو اتهام صريح لإسرائيل وأن الفلسطينيين يستحقون مستقبلاً أفضل.. وان هذه الحرب لابد أن تتوقف بعد ان وصل ضحاياها إلى ما يفوق الحرب العالمية الثانية فهناك 500 شخص يقتلون أسبوعياً.. ناهيك عن المواقف والسياسات الأمريكية الأخيرة خاصة فى التفاوض المباشر وعبر الوسطاء مع حركة حماس دون علم أو اخطار أو التنسيق مع إسرائيل.. ثم الاتفاق مع الحوثيين على وقف الهجمات المتبادلة بين الجانبين وعدم استهداف السفن الأمريكية فى البحر الأحمر وغيرها.. كل ذلك يشير إلى وجود خلافات وتباينات فى المواقف الأمريكية مع حكومة الاحتلال الإسرائيلى ونتنياهو تحديداً.
لم يفق نتنياهو من الصفعات الأمريكية المتلاحقة حتى خرج الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بتصريحات مدوية أصابت نتنياهو بالجنون بعد وصفه لما يجرى من إبادة إسرائيلية للفلسطينيين فى قطاع غزة وتجويعهم وحصارهم بأنها أمر غير مقبول ومخزية.. فى الوقت الذى ردت فيه حكومة الاحتلال على تصريحات إيمانويل ماكرون بوصفها دعماً للإرهاب وان إسرائيل عازمة على تحقيق جميع أهداف الحرب باطلاق سراح جميع الرهائن وهزيمة حماس عسكرياً وحكومياً والوعد بأن غزة لن تشكل تهديداً لإسرائيل.
مصر من جانبها وهى صاحبة المواقف الشريفة الشامخة الثابتة والتى رفضت منذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة محاولات تصفية القضية الفلسطينية.. أو تهجير الفلسطينيين فى قطاع غزة بشكل عام وبالأخص فى اتجاه الأراضى المصرية واعتبار ذلك «خطاً أحمر» ومساساً بالأمن القومى الذى لا تهاون ولا تفريط فيه.. أصدرت بيانا رحبت فيه بتأكيد الرئيس ترامب فى كلمته خلال زيارة الرياض على حق الشعب الفلسطينى فى مستقبل أفضل.. وأعربت أنها تتطلع إلى ان تسهم الجولة الخليجية المهمة التى يقوم بها الرئيس الأمريكى إلى السعودية والإمارات وقطر والافراج عن الرهينة الأمريكى بوساطة مصرية- قطرية- أمريكية فى احراز تقدم على صعيد وقف إطلاق النار والافراج عن جميع الرهائن والمحتجزين وادخال المساعدات الإنسانية العاجلة.
الحقيقة ان البيان المصرى شديد الحكمة والذكاء وهو دعوة ان تكون الجولة الخليجية للرئيس ترامب نقطة انطلاق لوقف العدوان الإسرائيلى على غزة وإحلال السلام فى المنطقة وإدراك حقيقى لأهمية زيارة الرئيس ترامب للشرق الأوسط بما تمثله من فرصة تاريخية لدعم جهود الأمن والاستقرار والسلام والتأكيد على حق الفلسطينيين فى مستقبل أفضل فى وطنهم وعلى أرضهم بما يتسق مع الموقف المصرى الثابت.
اذن لدينا واقع تكشفه تصريحات ترامب وماكرون تجاه ما يحدث فى فلسطين.. وأيضاً الإصرار الإسرائيلى من قبل حكومة الاحتلال المتطرفة على مواصلة العدوان على قطاع غزة.. واستمرار الإبادة فهل تصريحات الرئيس الأمريكى تشير إلى اقتراب الوصول لاتفاق شامل لاطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين ودخول المساعدات الإنسانية وانقاذ الفلسطينيين والبدء فى خطة الإعمار المصرية فى القطاع.. أم أنها مجرد تصريحات ربما ترتبط بالزيارة للشرق الأوسط فقط.. وأنا شخصياً لا أعتقد ذلك ولكن من الواضح ان الرئيس ترامب الذى يبحث عن المصالح والمكاسب الأمريكية وعقد الصفقات لا وقت لديه لصراعات ونزاعات.. وليس على استعداد أن يعطى إسرائيل المزيد من الدعم المجانى فى صورة أموال أو أسلحة فى ظل مغامرات نتنياهو التى لا طائل منها.. فالرئيس ترامب جل أهدافه صفقات اقتصادية واستثمارية وتجارية تنشط الاقتصاد الأمريكى وتوفر المزيد من فرص العمل.. وتحسن الظروف الاقتصادية للمواطن الأمريكى بخفض الأسعار.. لذلك نجح فى وقف الحرب مع الحوثيين ويستعد لإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية بعد أن حصل على اتفاق تاريخى بالحصول على 50٪ من المعادن النادرة فى أوكرانيا.. ثم وقف الحرب بين الهند وباكستان وإلغاء العقوبات الأمريكية على سوريا وترامب يبحث دا ئماً عن المكاسب والصفقات بعقيدة وعقلية رجال البيزنس ولا يفوت فرصة دون تحقيق أرباح طائلة.. حتى سوريا لن يخرج منها خالى الوفاض.. لذلك لا وقت لديه لدعم مغامرات نتنياهو وليس لديه استعداد فى تحمل فاتورة هذه المغامرات باهظة الثمن.. لذلك اختار طريق المفاوضات مع إيران والصين حتى وإن كان يبالغ فى التهديدات لكنها سياسة حافة الهاوية وصولاً إلى ما يريده من أهدافه وهى تتحقق بالفعل.. لذلك فإن معركة نتنياهو ستكون خاسرة.
السؤال ما هى الأوراق التى فى يد «واشنطن» أو إدارة الرئيس ترامب لاجبار حكومة نتنياهو المتطرفة على قبول وقف اطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين ودخول مساعدات خاصة ان رئيس الوزراء وحكومته المتطرفة يرفضون ويؤكدون على مواصلة القتال.. خاصة ان نتنياهو يدرك انه فى وقف الحرب نهايته السياسية وربما يلقى عقابه ويدخل السجن بسبب اتهامات عريضة من فساد وفشل.. هل يمكن لترامب ان يوفر الخروج الآمن لنتنياهو من السلطة دون ان يحاسب؟.. فى ظل التسريبات ان إدارة ترامب تبحث عن بديل لنتنياهو ليقود الحكومة الإسرائيلية بما يتسق مع أهداف وسياسات ترامب.. هل شخصية ترامب قادرة على مواجهة اللوبى الصهيوينى فى أمريكا وما لهم من تأثير كبير؟.. وهل تنتصر لغة المصالح والصفقات والأموال والنفوذ على الدعم المطلق لإسرائيل؟.. ماذا فى جعبة ترامب لتنفيذ تصريحاته؟.. وماذا إذا تمسك نتنياهو وبن غفير وسيموريتش بمواصلة الحرب والإبادة فى ظل تصريحات معلنة تؤكد ذلك؟.. هل يلجأ ترامب إلى سياسة الإغراءات لحكومة الاحتلال.. أم أنه قادر على أن يشعل الداخل الإسرائيلى شعباً ومعارضة وجيشاً فى وجه نتنياهو؟.. ربما تكون الأمور انتهت بالفعل وتم الاتفاق على كل شىء بمباركة نتنياهو نفسه وان هناك تقسيماً للأدوار بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال.. لكن المتفق عليه ان الأيام القادمة حبلى بمفاجآت فى الأراضى الفلسطينية وقطاع غزة تشير إلى مصير العدوان الإسرائيلى.. دعونا ننتظر.
تحيا مصر