كل عام وأنتم بخير.. أعاد الله عليكم جميعاً هذه الأيام المباركة.. بكل خير وسعادة فى شهر رمضان.. تمتلئ المساجد بالمصلين.. وتزدان الشوارع بالزينات والأنوار.. وتعم البهجة ونفحات الخير على الجميع.. وهذه مظاهر طيبة.. ولكن لأن الله رب قلوب.. وأعمال وأفعال.. لا مظاهر.. ولا رياء.. ولأن الدين المعاملة.. وليس مجرد الجلباب الأبيض.. واللحية المدلاة على الصدور.. فإننا نريد أن تكون صلاتنا وإيماننا ومظهرنا مطبقاً لأفعالنا وأعمالنا على أرض الواقع.. نريد أن يشعر الآخر بإيماننا من تعاملنا معه.. من الأمانة فى العمل.. والصدق فى القول.. اجعل الآخر يدرك من تعاملك معه أنك صائم.. وأنك تعرف الله.. وكان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب عندما كان يكلف الولاة فى كافة أقطار الخلافة.. يقول لهم عبارة بليغة تشرحها فى مجلدات.. لكنها الجامعة المانعة.. يقول: ادعو إلى الله وأنتم صامتون.. قالوا: كيف يا أمير المؤمنين؟!.. قال: اجعلوا عملكم يتحدث عنكم.. اجعل فعلك يسبق خطبك.. اجعل عملك يغنى عما يقوله لسانك.. وهذا كان حال صحابة رسول الله الذين تربوا فى حضرة »البشير« السراج المنير.. فكانت أمانته ومعاملته الكريمة حتى مع المشركين وكفار قريش.. جعلت كل من حوله يتسابقون فى الإيمان به دون كلام أو خطب.. وإنما كانت أفعاله هى ميزان الأمانة والعدالة وحب الخير والإحسان إلى الجميع.
>>>
والحق يقال لا تستقيم الأمور أبداً.. بنا فى الشهر الكريم.. أن يكون إيماننا مجرد طقوس ومظاهر.. واصطفاف الصفوف فى المساجد.. بينما هناك من يغش فى تجارته ويستحل التربح على حساب البسطاء.. وهناك من يحتكر سلعة.. أو يغالى فى أجره.. ولا كانت أفعالنا تطابق أقوالنا.. ومظاهرنا.. تطابق باطننا.. ما تفرغ مدرس للسناتر وأهمل الشرح فى عمله وفصوله ومدرسته.. وما غالى طبيب فى سعره.. ولا تعامل مع مريض على أنه »زبون« يجب أن أحقق منه أقصى استفادة.. وما غالى سائق ميكروباص فى رفع أجرته.. وما استغل الركاب أسوأ استغلال.. وما كان هناك سائق تاكسى يتعامل من مواطن بسيط.. ربما أجبرته الظروف لاستقلال تاكسى أن يدفع له ثمن التموين والميكانيكى حتى يلعن الظروف التى اضطرته أن يلجأ إليه!
>>>
نريد أن يكون شهر الخير.. نقطة تحول حقيقية فى حياتنا.. ويكون إيماننا.. أفعالاً وليس أقوالاً ومظاهر.. اجعلوا الشهر الكريم صفحة جديدة مع الله.. وعليك أن تقيس ميزان إيمانك وصلاحك وتقواك فى الميزان الذى وضعه رسول الله للبشر.. لا أحد يعرف نتيجته سواك.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: »لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه«.. فلينظر كل منا إلى نفسه.. ليعرف كم يأخذ من عشرة.. قطعاً بما نراه ونشاهده من أفعال وأعمال سيأخذ كل منا »صفر مربع«.. وحتى يدرك كل منا أن الجلباب اللأبيض واللحية والتردد على المساجد.. والخطب العصماء.. واللسان المعسول.. مظاهر كدابة.. ولا قيمة لها فى ميزان التقوي.. ضع أمامك وبينك وبين نفسك: هذا الحديث الشريف والذى بدأ بلا النافية.. لا يؤمن أحدكم.. شرط الإيمان والصلاح والتقوي.. أن تحب للآخر ما تحب لنفسك.. أن تعامل الآخر.. كما تحب أن تعامل.. أن تنجز مصلحة الآخر.. كما تحب أن تقضى مصالحك.. أن تحب لأبناء جارك ما تحبه لأبنائك أن تحافظ على مال وعرض جارك.. كما تحب أن يحافظ الآخر على مالك وعرضك.. أن تتمنى من النجاح لزميلك.. ما تتمناه لنفسك.. هذا هو حال المؤمن دون لحية ولا جلباب ولا ذهاب وإياب.. ولا حج.. ولا عمرة.. قطعاً كل هذا شيء طيب.. لو كان الجلباب واللحية والصلاة والحج.. مع إيمان القلب.. والامتثال للحديث الشريف.
>>>
أتمنى أن نستغل جميعاً.. هذه الأيام المباركة.. لتكون صفحة جديدة مع الله.. ويكون إيماننا واقعاً.. فلا نرى محتاجاً ولا بائساً.. ولا مظلوماً.. ولا مكلوماً.. ولا صاحب حاجة.. يقف على باب موظف يتوسل إنجاز حاجته.. ولا طالباً ينتظر مسألة من مدرسه.. ولا مريضاً لا يملك ثمن كشف طبيب غالى فى سعره.