فى زوايا هذا العصر، تتسارع الأشياء كما لو كانت تهرب من زمنها.
تتقدّم التكنولوجيا بخطى معدنية واثقة، فيما يقف الإنسان أحيانًا مذهولاً، وأحيانًا منهكًا، بين ما يريد أن يواكبه وما يخشى أن يفقده ذات مساء، تأمل الإنسان هاتفه الذكي، وتساءل:
هل أنا فى طريق التطور.. أم فى دوامة التحوّل؟
كانت الشاشة تلمع، ترش عليه سيلاً من الأخبار والصور والإشعارات، كأنها تقول:
لا تتوقف، العالم لا ينتظر فى قلب هذا الصراع، تتقاتل فكرتك
واحدة تصرخ»الآلة هى المستقبل واختصر الوقت واترك التفاصيل وعش رقميًا»
وأخرى تهمس «احذر.. فربما تفقد دفء الحياة وأنت تطارد السرعة»
لقد أصبح الإنسان سيد الآلة يستيقظ على صوتها، ينام على همساتها، ويخطو فى الحياة وهو يُحدّق فى شاشة.
كلما ابتكر آلة جديدة، ظنّ أنه يحرر نفسه، لكنه فى كل مرة يضع قيدًا جديدًا حول روحه
وفى كل ثانية تزداد تلك القيود مع عجلة التطور المتسارعة
فى كل خطوة يخطوها نحو «الذكاء الاصطناعي» يبتعد قليلاً عن «الحكمة»
التكنولوجيا تمنح الإنسان قدرة غير مسبوقة على السيطرة، لكنها تسلبه نفسه «شيئًا فشيئًا» دهشة البدايات، وبساطة الأشياء.أين ذهبت الرسائل المكتوبة بخط اليد؟ اصبحت مجرد ذكريات فى الزمن الجميل.
أين اختفى الحديث الطويل فى المقاهى والضحك الحلوة تحلق فى الافق، بلا قلق من الوقت أو شحن البطارية؟ الخاصة بالهاتف المحمول أو الاب توب لقد أصبحت الحياة تُدار بتطبيقات متعددة وانترنت الاشياء.
تطبّق على الحب، على الصحة، على إدارة الوقت وحتى على تربية الأطفال.
القرارات باتت تحسمها خوارزميات، لا إحساس فيها ولا ذاكرة أو ذكريات حلوة.
حتى الإبداع أصبح يُصنّف ضمن «محتوى رقمي»، يقاس بعدد الإعجابات والليكات، لا عمق المعانى ولا مشاعر أو احاسيس بشرية اصبحت فى الماضى البعيد إنه عصر «الكفاءة»، حيث يُقاس كل شيء بالسرعة والنتائج.
لكن من يُحصى الخسائر غير المرئية؟ من يرصد الفقدان البطيء للدهشة، للملامح، وللعلاقات التى صارت تقتيات على رموز وصور وفيديوهات؟ التطور لا يُخطئ، لكنه أحيانًا لا ينتظر الضعفاء.
فإما أن تركب الموجة، أو تُغرقك اللحظة.ويبقى السؤال الحائر فى قلب كل إنسان.
هل نحن نتقدّم حقًا؟ أم أننا نركض فى دائرة براقة من الضوء، نلهث خلفها، ونفقد ظلالنا ونحن نطاردها؟ربما كان الحل فى التوازن، لا الرفض ولا الاستسلام أن نُمسك بأيدى التكنولوجيا، لكن دون أن نترك قلوبنا تسقط من أيدينا.