عندما تتحكم النوازع الشخصية فى الإنسان تتوه منه الحقائق وتتراجع الموضوعية وتقصر نظرته فلا يرى إلا ما يخدم رؤيته وفكره فقط، وعندما يكون هذا الإنسان المفترض انه فنان ومبدع فالمصيبة تكون أكبر وأخطر لأن كلامه يجد من ينصت إليه وأحكامه على عدم حياديتها تجد من يتبناها، وللأسف هذا ما نجده من بعض نجومنا ومنهم الفنان محمد صبحى الذى على ما يبدو انه منذ ان قدم مسرحية تلبسته شخصية «الديكتاتور» ولم يستطع ان يتخلص منها فأصبحت أحكامه قاطعة ولا يحتمل من يناقشه، يرى نفسه صاحب الرأى الأهم بل والقيم على المجتمع، يحكم ولا يريد من يجادله أحد، يصف ما دونه بالتفاهة ويلقى بالنقائص على الآخرين، يرى أن ما يقدمه من فن هو فقط المرجع رغم ان كثيرين يختلفون على فنه وما قدمه فى فترات مختلفة.
مؤخراً خرج علينا الفنان محمد صبحى بحكم جديد يجافى الواقع مدعياً ان 90 فى المائة من الدراما تشوه صورة المرأة وتقدمهن على أنهن عاهرات أو مدمنات مخدرات أو منحلات محذراً من هدم المجتمع باسم الإبداع، لا خلاف أولاً على ان هذا ما كان موجوداً فعلياً منذ سنوات لكن لو انصف محمد صبحى فى حديثه لفرق فى كلامه بين ما كان وما أصبح عليه حال الدراما المصرية الآن والتى لم تعد تقع فى سقطات الماضى، أو تقدم صوراً مشوهة لمصر وأهلها، الدراما المصرية الآن تقدم الصورة التى يجب ان تكون للمجتمع، تبنى قيماً وترسخ لثوابت وتعلى من مبادئ المجتمع، والمرأة فى الدراما المصرية الآن ليست بالصورة التى يتحدث عنها صبحى، لا هى عيشة زوجة «سى السيد» ولا هى مثيرة الفتن والغرائز ولا عاهرة ولا مدمنة ولا زعيمة عصابة، المرأة فى الدراما المصرية الآن هى السيدة المكافحة صاحبة المبدأ والمقاتلة وعمود الخيمة لبناء الأسرة وسند العائلة، لكن يبدو ان الفنان محمد صبحى لم يشاهد دراما مصرية منذ سنوات، لأنه لو شاهد لوجد ما يجعله يتأكد انه اخطأ فى حكمه وكلامه المرسل وان ما يقوله متأخر تماماً ولا يمت للواقع بصلة، لأن دراما الشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» على مدى السنوات الأخيرة ازاحت تماماً سفالات الفن التى حاصرتنا لسنوات وانهت خطايا الدراما التى امتدت لعقود، دراما المتحدة الآن تقدم صورة موضوعية لمجتمع فيه ابداع وجدعنة وصداقة وشهامة، فيه أولاد بلد وأصحاب فكر وشقيانين يأكلون من عرق جبينهم بالحلال، مجتمع فيه المرأة شريكة كفاح وعامل نجاح، وليست كما يدعى الفنان محمد صبحى.
نظرة صبحى السلبية للدراما بكل صراحة ليس لها ما يبررها، بل حكم متجاوز فى حق الآخرين، ومتجاوز للتاريخ ولطبيعة الوقت ومفردات الزمن الحالى، وإذا كان صبحى، مازال يعيش على مجد «يوميات ونيس» ويريد ان يعود فهذا ماضٍ وانتهى لغة وأسلوباً، لم يعد يصلح مع أبناء هذا الجيل الذى يحتاج إلى لغة دراما مختلفة وحكايات تناسب عصره، وهو ما يحدث فعلياً، «أبوالعروسة» مثلاً حكاية درامية ممتعة تجاوزت فى ابداعها «عائلة ونيس» بمراحل، لانها جسدت واقعاً دون تزيد أو مبالغة درامية، و«الاختيار» باجزائه المختلفة وضع المرأة والأسرة المصرية كلها فى خانة الأبطال المشاركين فى انتصارات الدولة وإعادة البناء.
ربما ما لا يدركه الفنان محمد صبحى ان هذا الجيل لم يعد ينتظر الفنان المرشد الذى ظل يقدمه لنا لسنوات بقدر ما يحتاج دراما القدوة، ولم يعد يتقبل نصائح الخطب الدرامية بقدر ما يريد من يعبر عنه ويلمس مشاكله الحقيقية ويناقشها بجرأة.
هذا هو الفارق بين جيل صبحى الذى قد يكون تجاوزه الزمن وبين جيل حالٍ له طريقته الأنسب والأقرب للشباب والأفضل فى الخطاب والأقدر على توصيل الرسالة فى أعمال درامية لا تلغى الخبرة لكن تستشرف الواقع الحالى والمستقبلى.
صبحى على قديمه ولا يريد ان ينظر للواقع بموضوعية ليرى الجديد ويتعامل مع التطور ويعترف ان هناك أدوات إعلامية جديدة تفرض نفسها ومتغيرات تتجاوز التقليدية، والأهم انه مع هذه الأدوات الحديثة نمتلك دراما محترمة تقدم مصر كما تستحق وتستعيد الريادة فى المنطقة، لكن طالما ظل الفنان محمد صبحى على قديمه فلن يرى الا من خلال النظارة السوداء التى تفقده موضوعية الفنان.