كأنه كان يزن حروفه بميزان من ذهب عندما وصف عالم الجغرافيا العبقرى الراحل الدكتور جمال حمدان سيناء فى مؤلفه الأشهر «شخصية مصر: دراسة فى عبقرية المكان»فى الفصل العاشر، فقال: « تبدو سيناء كثقل معلق، أو كسلة مدلاة على كتف مصر الشرقى، فى أقصى الشمال، ولا تلتحم بها إلا بواسطة برزخ السويس» وفى موضع آخر من نفس الفصل يبدو حمدان شديد الدقة والروعة معا وهو يصف طبوغرافية وثروات ورمال سيناء فيقول: سيناء ليست مجرد صندوق من الرمال كما يتوهم البعض وإنما هى صندوق من الذهب.» وهكذا استحوذت سيناء على تفكير جمال حمدان واحتلت مكانة بارزة فى كتاباته ومؤلفاته، فأولاها مكانة خاصة ووصفها بأهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق، وصنفها كوحدة جيوستراتيجية واحدة، لكل جزء منها قيمته الحيوية.
السؤال الذى يطرح نفسه دائما: لماذا سيناء على مر العقود كانت ومازالت هدفاً لعدو أو محتل؟ والإجابة بوضوح، أو بالأحرى كلمة السر هى موقعها الجغرافى الذى كان ولازال العنصر الحاسم فى تاريخها وحاضرها ومستقبلها، سيناء بقعة كونية واحدة على هذا الكوكب اجتمعت فيها ميزات لم تتوفر فى مكان آخر بالعالم، سيناء حلقة الوصل بين آسيا وإفريقيا،و معبر بين حضارات العالم القديم فى وادى النيل و دلتا نهرى دجلة والفرات وبلاد الشام، سيناء معبر الديانات السماوية كرمها الله بذكرها فى القرآن الكريم، تملك سيناء وحدها نحو 30٪ من سواحل مصر بحيث أن لكل كيلو متر ساحلى فى سيناء هناك 87 كيلو مترا مربعاً من إجمالى مساحتها مقابل 417 كيلو متراً مربعاً بالنسبة لمصر عموماً..
تأتى الذكرى الـ42 لتحرير سيناء يوم الخميس القادم فى ظل ظروف إقليمية صعبة ففى الجوار حرب فى قطاع غزة لها تداعياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية على المنطقة بأكملها، ولم يكن ذكر سيناء غائبا، ففى بداية الحرب على قطاع غزة طرح مخطط إسرائيلى خبيث لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء و هو ما جعل القاهرة تقف وقفة حاسمة و تعلن أن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء خط أحمر وتعلن أيضا رفضها لتصفية القضية الفلسطينية.
الآن و بعد 42 سنة على تحريرها كاملة تشهد سيناء حاضرا ومستقبلا جديدا يليق بمكانتها حيث وضعتها الدولة على رأس خطة التنمية الشاملة التى ركزت على أهداف كبيرة وواضحة أولها القضاء على البطالة بتوفير آلاف فرص العمل بما يستتبعه من تحسين مصدر دخل المواطن وبالتالى حياة كريمة له ولأسرته، كما أولت الدولة اهتماما كبيرا بالزراعة واستصلاح الأراضى، والتنمية الاقتصادية، السياحية، انطلاقا من رؤية أعم وأشمل لبناء اقتصاد وطنى قوى، اليوم تشرق الشمس على سيناء عامرة بصباح جديد فـ «صباح الخير يا سينا».