شهدت فعاليات الدورة الـ 26 لمهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، برئاسة المخرجة هالة جلال، ندوة بعنوان «الأفلام الذاتية التسجيلية والوثائقية»، وذلك فى قصر ثقافة الإسماعيلية، بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين فى السينما. أدار الندوة الكاتب والناقد زين خيري، الذى استهل حديثه بالترحيب بالحضور، مؤكدًا أن السينما، حتى عند تناولها موضوعات اجتماعية وعامة، تبقى فنًا ذاتيًا يعكس وجهة نظر صانعها. وأضاف أن الفن لا يمكن أن يكون موضوعيًا أو محايدًا، إذ يحمل بصمة صاحبه، فكيف إذا كانت الأفلام ذاتية، تتناول حياة المخرج نفسه لنقل رؤيته أو توثيق شريحة زمنية معينة؟
وتحدثت المخرجة والمنتجة ماريان خورى عن تجربتها فى الأفلام الذاتية، مشيرة إلى أن أول فيلم ذاتى لها، زمن لارا، عُرض لأول مرة فى مهرجان الإسماعيلية، ونال إعجاب المخرج يسرى نصر الله. الفيلم تناول حياة سيدة إيطالية-مصرية كانت تدرّس الباليه فى سنّ التسعين، ووجدت مريان أنها تشبهها فى جوانب عديدة. بعد ذلك، قدمت أفلامًا أخرى مثل عاشقات السينما وظلال، الذى وثّقت فيه تجربتها داخل مستشفى للأمراض العقلية.
عن فيلمها «احكى لي» قالت خوري: «الفيلم يتناول قصص ثلاث نساء من عائلتي، من جدتى إلى ابنتي. عندما عُرض فى مهرجان القاهرة، كان الجمهور يظن أنه يكشف فضائح يوسف شاهين، مما أثار فضولهم، لكنهم اكتشفوا لاحقًا أنه فيلم شخصى يتناول العائلة. يوسف شاهين ظهر فى الفيلم، وكان وجوده جاذبًا، لكن الجمهور أدرك فى النهاية أنه كان بمثابة مرآة للمشاهدين».
أما المخرجة والمؤلفة دينا حمزة، ابنة الشاعر الراحل محمد حمزة، فكشفت أن فيلمها جاى الزمان كان طوق نجاة لها من العزلة والانتحار بعد وفاة والدها، إذ عانت من حالة غضب تجاه الموت، خصوصًا بعد رحيل والدتها قبله. قررت توثيق الأماكن التى كان يرتادها والدها، مثل الإذاعة والمستشفي، مؤكدة أن «الأفلام الذاتية تمثل علاجًا نفسيًا لنا، خاصة تلك التى تتناول الأب والأم، لأنها تتيح مشاركة الجمهور فى تجربة الفقد». وأضافت: «كان هدفى أيضًا تسليط الضوء على الشعراء، الذين يعدّون رموزًا خفية لم يُنصفهم التاريخ الفنى كما أُنصف الممثلون».
من جانبه، تحدث المخرج عمرو بيومى عن تجربته فى فيلم رمسيس راح فين، الذى يتناول مسيرة نقل تمثال الملك رمسيس الثانى من ميدان رمسيس إلى المتحف المصرى الكبير. أشار بيومى إلى أن الفيلم يوثق أيضًا لصورة الرؤساء والملوك فى الذاكرة الجمعية المصرية، وكيف جسّدتهم الشعوب فى صورة الأب القائد الذى يؤدى واجبه تجاههم.
فيما استعرضت المخرجة نادية كامل تجربتها مع فيلم «سلطة بلدي»، الذى يتناول قضية التعصب الدينى والقومى فى مصر خلال القرن الحادى والعشرين، وتأثير «صدام الحضارات» على المجتمع. وأوضحت أن الفيلم يعرض قصص زواج مختلط عبر 100 عام داخل عائلتها، مؤكدة أن «السينما الذاتية، سواء التسجيلية أو الروائية، تمنح المبدع حرية التعبير عن ذاته دون قيود أو إذن من أحد، لكنها فى الوقت نفسه مغامرة تتطلب شجاعة لمواجهة التحديات حتى النهاية».
أما المخرج بسام مرتضي، فتحدث عن فيلمه أبو زعبل 89، الذى يوثق رحـــلة ابن مـــــع والدته إلى سـجن أبو زعبل عام 1989 لزيارة والده المسجون. أوضح مرتضى أن الفيلم، الذى يمتد لـ83 دقيقة، يستعيد ذكريات تلك الرحلة من منظور الابن نفسه، قائلاً: «حرصت على تقديم شخصيات قريبة لى بمنظور مختلف، لأن السينما الذاتية ترتبط بالصدق. تأثرت بالسينما التسجيلية، التى أراها سينما حكيمة، وأردت تقديم فيلم مرهق ومربك عاطفيًا، لكنه فى الوقت نفسه صادق وعميق».
اختتمت الندوة بتفاعل الحضور مع صناع الأفلام، حيث طرحوا أسئلة حول أهمية السينما الذاتية فى توثيق التجارب الشخصية، ومدى قدرتها على التأثير فى الجمهور، خاصة فى ظل تزايد الاهتمام بالأفلام الوثائقية كوسيلة للتعبير الصادق عن الذات والمجتمع