«الأم مدرسة» جملة من كلمتين حملها التاريخ وحلق بها عاليًا علو شأن الأم، بحيث صار بيت شوقى سالف الذكر أشهر بيت يجرى على الألسنة فى الحديث عن الأم سواء فى المناسبات العامة أم الخاصة التى تدور حول هذا الموضوع، وحق له ذلك، فحديث القرآن الكريم عن الوالدين بصفة عامة وعن الأم بصفة خاصة قد أعطاها حقها وأنزلها المنزلة التى تستحقها، لافتا النظر إلى مكانها ومكانتها وضرورة تكريمها، فقال سبحانه: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيًرا»، وقال سبحانه: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ».
ومن يتتبع الأحاديث النبوية يجدها تتوالى لتؤكد فضل بر الوالدين عامة، وتحذر من عقوقهما أو الإساءة إليهما أو إلى أى منهما، فقد روى الشيخان (رضى الله عنهما) عن ابن مسعود (رضى الله عنه) قال: سألت النبى (صلى الله عليه وسلم) أى العمل أحب إلى الله؟ قال الصلاة على وقتها، قال: ثم أى قال: ثم بر الوالدين قال: ثم أى قال: الجهاد فى سبيل الله).
ولفضل الأم وبيان مكانتها، والتأكيد على ضرورة إكرامها خصها النبى (صلى الله عليه وسلم) بمزيد من الفضل والبر، فعندما سأل أحد الصحابة نبينا (صلى الله عليه وسلم): يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» (رواه البخاري)، ويقول النبى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ» (رواه البخاري).
على أن بيت شوقى سالف الذكر الذى صدرنا به المقال يحمل فى طياته معنيين هامين:
الأول: ضرورة إعداد بناتنا إعدادًا خاصا وتأهيلهن تأهيلا تربويًّا، وأخلاقيًّا، وفكريًّا، وعلميًّا، وسلوكيًّا، ليكنَّ على مستوى الأمومة الذى تطمح إليه والذى عبر عنه شوقى بقوله: «الأم المدرسة».
الأمر الآخر: أن تعى هذه الأم دورها المنوط بها فى تربية أبنائها على الأخلاق، والقيم الحميدة، وأن تعمل مع الأب على حمايتهم من الفكر المتطرف،ومن أصدقاء السوء، ورفقاء الشر، ودعاة الفساد والإفساد.
وبما أن الأم هى الأكثر معايشة لأبنائها فى الغالب الأعم، فإنها بوعيها وثقافتها وفطنتها وفطرتها قادرة على اكتشاف أى انحراف يمكن أن يطرأ على سلوك أبنائها أو على سلوك بعضهم، فإذا أعددناها الإعداد الجيد الذى يجب أن يكون كان لديها من الحصافة والحصانة ضد الفكر المتطرف ما يمكنها من تحصين أبنائها وحمايتهم من الزلل.