الإبداع المصرى يحـتاج إلى رعاية وتسويق
دعم المحتوى العـربى ليناســب الذكاء الاصطناعى ولغــة العصـر
د. بهى الدين:
الثقافة العربية لم تشارك فى صنع المحتوى الرقمى والحل التأثير فى الوجدان الجماعى وخلق اتجاه موازِ
نعيش عصر تآكل الهويات.. لكن مصر متماسكة
يسعى صالون «الجمهورية» إلى إحداث حراك ثقافى حقيقى والتصدى بجدية لمناقشة كل القضايا الملحة والبحث عن إجابات مقنعة لكل الأسئلة والتساؤلات والشواغل التى تحتل عقل ووجدان مثقفى ومبدعى ومفكرى مصر لاسيما فى لحظة زمنية ثقيلة تتصارع فيها الثقافات وتتآكل الهويات وتتلاشى ومن هنا جاء عنوان الحلقة الأولى من حلقات هذا الصالون الذى يطمح إلى مواصلة الحراك بعنوان «الثقافة فى زمن الصراع» ولا شك أن للثقافة والفنون دوراً هو الأطول عمراً والأعمق تأثيرا دائما وقد شارك فى الحلقة الأولى مجموعة بارزة من كبار المثقفين والمبدعين وكبار المسئولين فى أكثر المواقع الثقافية حساسية تأثيرا فى الجماهير فضلا عن أكاديميين مرموقين وأساتذة فى التاريخ واللغة والنقد الأدبى، كان السؤال الأساسى للصالون فى زمن الصراع.. كيف نحمى هويتنا الثقافية.. وجاء النقاش ثريا ومتنوعا وجاءت كلمات الضيوف كمصابيح أضاءت كثيراً من الجوانب المعتمة..
> الجمهورية: نرحب بالسادة الضيوف وصالون الجمهورية الثقافى سوف يكون بداية تستمر بهدف التنوير عن القضايا المصرية ودعم كل ما يتعلق بالإبداع والفكر والهوية الثقافية المصرية التى تتعرض لحرب شرسة لطمسها، ونحن نعلم ان الهوية ركن مهم فى الجمهورية الجديدة وما نستهدفه هو الحوار الحر الصريح حول القضايا الثقافية فى عصر حروب الجيل الرابع و الخامس والسؤال حول مدى تأثير الثقافة المصرية فى المجتمع والمحيط الخارجى والرهان على دور وزارة الثقافة والعدالة الثقافية على مستوى الجمهورية؟
>> الدكتور محمد عبدالحافظ ناصف: اعتبر نفسى أحد أبناء مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر وقصور الثقافة رأس الحربة الأساسى لتقديم الخدمات الثقافية فى الأقاليم والأهم من ذلك تفهم المحافظين لدورنا الفاعل فى المجتمع، وعن تجربة عندما يكون المحافظ محباً للثقافة ييسر عمل الهيئة وحدث تناغم فى صالح المواطن، وأنا أفكر فى ثقافة المواجهة وكيفية تنفيذها خاصة فى المدن الحدودية وهى مرتبطة بثقافة الهوية المصرية فى مقابل الانتماء القبلى والسؤال كيف نربى أولادنا فى الحدود؟ خاصة أن هناك تعاملاً ونسباً مع بعض البلاد المجاورة ولذا يهمنا انتماءه للوطن وتنمية ثقافته ومن المهم تقديم الخدمات لهذه الفئات متنوعة بالاضافة الى الدور الثقافى لمزيد من الانتماء للارض المصرية ولا نريدهم ان يشعروا ان المحافظات المركزية تحصل على كل شئ وان يتم توفير الخدمات الصحية والتعليمية والإسكان وفرص العمل وان نركز على ثقافة الهوية وبعد ان نجعل الشباب يدركون من هم يأتى دور ثقافة الوعى عن طريق الأنشطة المباشرة مثل المسرح والسينما والحفلات والمحاضرات والتدريبات واشرح من خلالها كل الامور التى يجب ان يستوعبها حول الدولة المصرية وخصائص الشعب المصرى.
> الجمهورية: ماذا تعنى ثقافة المواجهة؟
>> عبدالحافظ: ثقافة المواجهة قائمة على مجموعة من المفاهيم يتم ترسيخها لدى الأطفال والشباب حول المواطنة والتوعية بما يتربص بمصر وحالة الاستنفار المجتمعية والثقافية المطلوبة ومن ضمن البرامج التى نعمل عليها «أهل مصر» وهى أسابيع ثقافية لكل فئة من الفئات فى المحافظات الست الحدودية وهى جنوب وشمال سيناء وأسوان والبحر الأحمر والوادى الجديد ومطروح وأسوان الأسابيع الماضية فمثلاً كان هناك 220 طفلاً يجتمعون فى هذه المحافظات ومن كل محافظة 40 طفلاً فى برنامج ثقافى وفنى وتوعوى ونقول لهم خلى بالك انت مصرى والعمل على العقل مع فئة الشباب والمرأة قد يكون أصعب من الأطفال ولذا نقدم لهم ورشاً تفاعلية مثل ورش صناعة الجلد والملابس وإعادة التدوير والتطريز.
بالتأكيد التنوع الثقافى فى صالح مصر وقوتها الناعمة ولذا عندما يجتمع ابناؤنا من كل هذه المحافظات فإن الفوارق تذوب ويكون الانتماء للكل وعلى سبيل التأكيد فى هذا البرنامج نقوم بتعميق الهوية وثقافة المواجهة وهى من الأهداف الإستراتيجية المصرية.
> الجمهورية: طالما نتحدث عن ثقافة المواجهة وتعميق الهوية المصرية نريد خريطة كاملة لما يحدث وكيفية بناء الانسان المصرى وترسيخ الهوية والتصدى للأفكار الدخيلة وتأثير المؤلف المصرى والإقبال على معرض الكتاب وتشخيص الحالة الثقافية ؟
>> الدكتور أحمد بهى الدين العساسى: هناك حاجة الى التفاعل مع المتغيرات خاصة أن هناك مواجهات عسكرية وتقدماً فى النظم الامبريالية وصراعات ناعمة والعالم يتغير ولم نعد فى عصر العولمة ولكن فى مجتمع المعلومات والمعرفة كما قالت منظمة اليونسكو والمعرفة مادة خام وخصبة للغاية للاستثمار ويشكل اقتصاداً قوياً وبالغ التعدد وتشكيل الأدمغة ومعدلات الدخل المرتفع لصناع المحتوى على الشبكة العنكبوتية أكبر دليل والسؤال.. فى هذا العالم الرقمى هل من الممكن ان تذوب الثقافات المختلفة وان تذوب الهويات؟ والاجابة بنعم ولكن الثقافات القديمة مازالت متماسكة وصلبة أمام هذه المتغيرات والهوية المصرية ثرية ومعقدة للغاية والعالم الجديد الذى نشأ فى القرنين الماضيين تأصلت فيه صناعة هويات جديدة لإزاحة القديم ولكن هناك خصائص الهوية والثقافة المصرية فى سلوكنا وتقاليدنا وعاداتنا وبالتالى هى صلبة أمام هذه التغييرات وعلينا ان نستمر فى آليات هذه الثقافة لمواجهة السياقات الراهنة.
ومعرض القاهرة الدولى للكتاب نموذج فاعل فى الحالة المصرية وعندما تم اختيار العالم المصرى «سليم حسن «كاتب وعالم المصريات شخصية المعرض لم يكن هذا مصادفة وإنما لأنه كان يبحث فى مفردات الحضارة المصرية وجذورها كما تم تقديم مشروع «ديوان الشعر العربى» والبحث عن الشعر فى صورته الكلاسيكية الذى تم تأليفه فى مصر منذ ان عرفت العربية وهو تراث كبير فى بناء الشعر العربى وبالفعل نفذت الطبعات الاولى واقتناها الشباب وهى شعر عمودى قديم والمحتوى ثقيل وهذا يؤكد أن الاقبال كبير على المحتوى الجاد وأقول ان فى مرحلة الشك فى الذات يأتى ضياع الهوية والارقام تقول الحقيقة ان هناك مبيعات لوزارة الثقافة وحدها فى معرض الكتاب حوالى 600 ألف نســـخة خـــلال 12 يوماً والكتاب يستهدف الأسر وهناك رضا من دور النشر الخاصة لنسبة المبيعات خلال المعرض فى الوقت الذى اثرت الحروب على المستوى العالمى على اسعار الورق وهذا يعنى ان هناك متلقياً مهتماً وسلسلة كتاب القرن العشرين نفدت بالكامل وفيها يوسف جوهر وطه حسين ونعمان عاشور ونفدت الطبعات لأن المتلقى يبحث عن الجيد وعلينا ملء الفجوات الثقافية حتى لا نسمح بالثقافات الاخرى ان تخرب عقول شبابنا.
> الجمهورية: الفجوة الثقافية فى فترة ما اثرت على المجتمع حيث استغلتها الجماعة الإرهابية والتيارات الدينية وحاليا استقاء المعلومة من السوشيال ميديا وهو أخطر فكيف تتعامل المؤسسة الثقافية المصرية لملء الفجوات؟
>> الدكتور أحمد بهى الدين: من خلال تضافر الجهود على المستويين الخاص والعام باعتبار اننا كلنا فى خندق واحد ونعمل على أكثر من مستوى والانتقال إلى العوالم الرقمية ليس بهين خاصة ان الثقافة العربية لم تشارك فى صنع العالم الرقمى الجديد ولكن علينا ان نلوذ بثقافتنا وحضارتنا وتراثنا لأننا فى مرحلة اكتشاف عالم ملىء بالمنحنيات الجديدة والذكاء الاصطناعى واختراق المجتمعات من الداخل ومن خلال الشباب يمكن ان يساهموا فى تكوينه.
وهنا يجب ان يكون هناك اتجاه مواز لهذا التداخل الرقمى فى مجتمعاتنا وتقديم الجديد فى الثقافة الوطنية واجتذاب الأطفال ولدينا مؤسسات عريقة وقادرة على التأثير فى الوجدان الجماعى والمصريون لديهم خصائص صلبة تختلف عن باقى الشعوب فى تشكيلهم الثقافى فلدينا قيم التسامح والرحمة والصلابة فى الحفاظ على التقاليد ونحن بلد متدين منذ فجر التاريخ لذا فإن لدينا ثقافة ناضجة يمكن التعامل وفقا لها وخرجت سلسلة مصريات من هيئة الكتاب معبرة عنا وهناك إقبال كبير عليها من فئة الشباب.
والدولة المصرية واعية جداً لخطر الهوية ونعمل بشكل جاد لحمايتها والهيئة العامة للكتاب وقصور الثقافة لديهم تجربة فريدة وسوف تجد هذا الزخم من الاهتمام من خلال الطبعات وسلاسل الكتب المتنوعة.
> الجمهورية: مسئولية هيئة الكتاب تحمل معانى كبيرة للوطن فهل هى منفصلة عما تقدمه الدراما المصرية خاصة ان الدراما جزء من الثقافة الجماهيرية ؟
>> الدكتور أحمد بهى الدين: قيم الخلود فى الثقافة المصرية متجذرة وفى الوجدان الجمعى تبدأ من الأسرة كقيمة مقدسة حتى فى أساطير الخلق المصرية بدأت من فكرة الاسرة ايزيس واوزيروز ومتجذرة فى فكرة ان الأرض هى الوطن حتى الحاكم هو رب الاسرة وفكرة الابوة مهمة لضمان الحفاظ على الموروث الثقافى ودورنا كمؤسسات صحفية وثقافية واعلامية توفير الذخيرة الثقافية القادمة حتى يجدها النشء وينهل منها وبعدها يذهب إلى رواية أو فيلم وثائقى وعندما يفتش عنه يجده وألا تكون المصادر بالنسبة له أجنبية فقط وهذا دورنا والدراما المصرية عليها دورها تقوم به الآن وهو توفير المادة الثقافية لتستفيد منها وهى متوفرة وهو ما يعنى تكامل الأدوار.
> الجمهورية – مصطلح العدالة الثقافية مازال يحتاج إلى جهد كبير فى القرى والنجوع والصعيد وقد استطاعت حياة كريمة ان تفتح المجال أمام المؤسسات النقابية للوصول للقرى فمتى نستخرج أدباء جدد ومثقفين من هذه القرى وألا يكون الضوء مسلطاً فقط على المدن المركزية؟
>> مسعود شومان: أشكر دعوة جريدة الجمهورية الكريمة على هذا المسلك المهم جدا فى مناقشة جزء خطير من قضايانا الرئيسية، وظنى أننا حتى لو طرحنا اسئلة ولم نقدم إجابات لها، بمعنى أن وصولنا لمجموعة تساؤلات تدور حولها رؤيتنا فهو أمر مهم جدا وأحب أن استهل كلامى بموال «يا حلو قوللى على طبعك وانا امشى عليه»، تظل مشكلة الثقافة فى فكرة الطابع، فكرة الخصائص المميزة للهوية المصرية وأتصور أننا لدينا مستندات ثقافية كثيرة جدا تؤكد على فكرة الجذور، وما تشير له مقولة «من فات قديمه تاه» أو السخرية من الذين بلا جذر فيقال «نبته على كوم ريش» و فكرة الثقافة وربطها بالثقافة الجماهيرية تجعلنا نتأمل مصطلحين «الثقافة الشعبية» و»الثقافة الجماهيرية» وهناك فرق كبير بينهما.
الثقافة الجماهيرية المعنية بالتوجه بأفكار واضحة وصريحة، والأفكار الشعبية المتعلقة بالجماعة الشعبية نفسها وجذورها وأريد أن أتذكر معكم مقولة سينجور الشاعر الأفريقى العظيم عندما «يموت معمر إفريقى فكأنما احترقت مكتبة بها ألف كتاب»، وذلك أمر مهم جدا فيما يتعلق بالنظر لثقافتنا الشعبية خاصة بحاملى الثقافة، هؤلاء لم يتلقوا عناية تليق بما يحملونه من ثقافة مهمة جداً وعريقة على المستوى الاجتماعى أو الفنى أو جمع ما يحفظونه من ثقافة.
وفى هذا السياق انتقلت الهيئة العامة لقصور الثقافة نقلة كبيرة جدا من كونها تعقد أنشطة مركزية إلى ما يمكن تسميته المفهوم الأنثروبولوجى للثقافة، وهى ثقافة من الناس إلى الناس. أى أننا عند ذهابنا لمكان ليس لدينا نشاط مركزى أو نموذج نستطيع تطبيقه على كل الجغرافيا الثقافية.
فى الماضى كانت الأنشطة فى هيئة قصور الثقافة مركزية، أما الآن نقوم بدراسات وقراءات قبل إعداد البرامج.. فالنشاط الذى ستقدمه فى الوادى الجديد، يختلف عما يمكن تقديمه فى حلايب وشلاتين، لأن هناك ثقافات يمكن أن تكون رافضة لما نقدمه إذا لم نكن نعى طبيعة المنطقة التى نقدم فيها النشاط الفنى ولدينا الآن ما يطلق عليه الإيكولوجيا الثقافية، أى علاقة البيئة نفسها بنوع الثقافة.
مصر بلد عظيم، لكن لدينا فصام بين ما نملكه من ثقافة وما ندرسه فى المدارس والجامعات، فالأمهات تقدم لأولادها نوعاً معيناً من الثقافة وتنقل خبرات ومعارف وممارسات وعادات وتقاليد ولكن حينما نذهب للجامعة أو المدارس نجد ثقافة أخرى مختلفة بل وربما متناقضة مع ما ورثناه.
لدينا الآن برنامج فى الثقافة الجماهيرية «وصف مصر هنا والآن».. إعادة وصف مصر ليس بعيون أبناء الحملة الفرنسية أو أى أجنبى جاء هنا، وانما وصف مصر من خلالنا، مراقبة ما الذى حدث لثقافة المصريين على مستوى الطعام والملبس والقيم، كل ذلك يحتاج لإعادة نظر من خلال وصف ما حدث للأسواق والعادات والتقاليد والمعارف والخبرات فى أماكن مختلفة والتأكيد على الهوية والجذور المصرية تتم من خلال برامج كثيرة جدا، مثلا إنعقاد مؤتمر أدباء مصر فى دورته الـ «35» فى الوادى الجديد، وزيارة الأدباء للأماكن التراثية هناك وأهمية ذلك، ثم دورته الجديدة تحت عنوان «ثقافة العبور، والأمن الثقافى» كل هذا يصب فى عنوان الصالون بقوة لأن ثقافة العبور بالمعنى الرمزى «العبور من منطقة إلى منطقة»، والتأكيد على فكرة العبور ونصرنا فى أكتوبر وعلاقة ذلك بالأمن الثقافى على مستوى المقاومة الشعبية، وأكتوبر فى الدراما وفى أوجه الإبداع المصرى المختلفة.
أنا أدعو من خلال صالون الجمهورية لإنشاء «المركز القومى لثقافة الحدود المصرية» وهو لن يكون مهتماً بالثقافة بالمعنى النخبوى وإنما الثقافة بمعانٍ متعددة تشمل دراسة الصحراء والجيولوجيا والعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بذلك.
تحديد مفهوم الثقافة، والصراع أمر مهم جدا، وأتصور أننا نحتاج للبحث فى جذورنا، وأنه يجب أن يكون هناك نقابة المبدعين الشعبيين، لأنهم لا يلقون رعاية اجتماعية ولا اهتماماً حقيقياً مثل أحمد برين وأسماء أخرى عظيمة جداً.. الحفاظ على هؤلاء حماية لهويتنا ضد الفن الردئ المتصدر الساحات. بينما الفنانون الحقيقيون الذين يعبرون عن هوية مصر الحقيقية ليس لهم وجود.
وقد انتبهت القناة الوثائقية المصرية وبدأت فى القيام بأرشفة مادة عن فنانين مثل محمود شكوكو وأحمد برين والافراح الشعبية وذلك أمر مهم جدا ومواجهة لموجة الرداءة، كما أن إنتاج هذه المواد يؤكد انه لا صراع بين الميديا والتراث الشعبى، بل إننا من الممكن ان نستثمر الوسائط الجديدة للتسويق للتراث خاصة مع وجود هجمة من ثقافات خارجية للتسويق لأنفسهم سواء فى الرواية أو الفنون الأخرى ويستخدم وسائل التواصل الحديثة، فنحن لدينا القوة الحقيقية متمثلة فى المثقفين والكتّاب والتراث العظيم.
نحن نحتاج إلى أن نتعامل مع الماضى بحذر، ونقتحم المستقبل بجرأة و توجد اليوم مسألة الذكاء الاصطناعى، وهو أمر نحن لم نشارك فيه بعد، وإذا لم نشترك فى المادة الأصيلة التى يتكون منها ستقدم لنا فيما بعد أموراً مختلفة ومغايرة لثقافتنا.
> الجمهورية: تأكيد على هذا الكلام، نحن لدينا هنا فى جريدة الجمهورية صفحة أسبوعية اسمها «وجوه لا تغيب» نحاول أن نضئ فيها على رمز من الرموز المصرية، ونذكر شباب هذا الجيل بهؤلاء العظماء،رموز مصر فى الثقافة والفن والأدب وحتى فى الطب لأنى عندما سألت طلاباً فى الجامعة عن «طه حسين» من هو وما هو مشروعه، رواياته، كتبه، مشروعه الثقافى الكبير، فوجئت أن الطلبة لا يعرفون عنه غير أنه كفيف.
>> مسعود شومان: تعقيبا على ذلك نحن أيضا لدينا مشروع هام جدا اسمه «العودة للجذور» وهو برنامج يتعلق بإعادة كاتب كبير تحقق وانتشر إبداعه وصار علما نعيده إلى جذوره وقمنا بذلك مع عدد من الأسماء الكبيرة، الأستاذ محمد جبريل، عبد الغنى داوود، أبو العلا السلامونى، أحمد سويلم، محمد السيد عيد، والموجودين بيننا من الأسماء اللامعة اعدناهم جذورهم ليتعرف الشباب على ان هذا الشخص خرج من هذا المكان ويمكن لغيره أن يصعد ويصبح نجماً ولم ننس الراحلين كذلك فقدمنا برنامج «عطر الأحباب» لتذكر كبار الكتّاب السينمائيين والمثقفين أيضا فى بلادهم متعلقا بتاريخ ميلادهم ووفاتهم، وهو برنامج ينطلق فى كل اقاليم مصر والقرى وبالنسبة للجيل الجديد لدينا برنامج لكشف المواهب تحت عنوان «مواهبنا مستقبلنا» وهو برنامج يذهب لاكتشاف المواهب فى كل المجالات، ولدينا فرق ومراكز لدعم الموهوبين فى عدة أماكن مثل شبين الكوم والمحلة والإسكندرية ونتاجها عظيم.
> الجمهورية: هناك انفصال بين الثقافة، وبين ما ندرسه فى الجامعات والمدارس فهل تسببت الجامعات فى ذلك الانفصال ؟
>> د. أحمد بلبولة: أعرب عن سعادتى بوجودى فى قلعة من قلاع التنوير المصرى، وهى جريدة الجمهورية وأشير إلى أن الثقافة اليوم تزاحم ألف كتف لكى تجد لها مكاناً، وسط هذا العالم السيال المتدفق بالمعلوماتية، وسط هذا الصراع الرهيب بين الوسائط المختلفة ولكى نجيب عن هذا السؤال لا بد أن نعترف إن ثقافة النخبة تعانى من عطب كبير جدا من يناير وما بعدها، وثقافة النخبة إلى الآن تقبع فى خندق المقاومة، أنا مثقف إذن لا بد ان أكون مقاوماً، خلقت لكى أعترض.
ونحن لدينا حالة غريبة تحدث الآن بين من نسميهم المثقفين «النخبة» إنهم يعطلون حواسهم تماما عما يحدث حولهم من تحقيق فعلى لأحلامهم، ويقعون فى أسر مقولات وقناعات قديمة، والسؤال إذا كانت احلامك تتحقق أمامك.. لماذا لا تدعم ذلك، لماذا لا تؤمن إلا بكوابيسك وأوهامك.
ولا يمكن ان نتجاهل ما حدث فى مصر فى السنوات القليلة الماضية، نحن أمام نهضة تحدث،دولة مختلفة تماما والسؤال لماذا لم يستطع المثقف الذى قرأ الأدب الروسى والفرنسى والكلاسيكيات والفلسفة فى لحظة فارقة من عمر الوطن ان يضئ الطريق ؟ نحن أمام خلل كبير.
الدولة الآن تقوم بدور المثقف، وتنقل العقل نقلة كبيرة من خلال ما يحدث فى العاصمة الإدارية الجديدة او المتحف المصرى الكبير، نحن امام طرز معمارية ما بعد حداثية، الدولة الآن سابقة على المثقفين، تسبق العقل الثقافى، وهذه حالة غريبة وأكاد أجزم أنها ليست موجودة إلا هنا فى بلدنا ولابد ان نعدل علاقة الثقافة بالدولة، وعلاقة الثقافة بمسألة المقاومة و على سبيل المثال، رفاعة الطهطاوى عندما انحاز للدولة ماذا قدم ! على باشا مبارك عندما انحاز للدولة ماذا قدم! نحن نعيش على ارث هؤلاء التنويرين الذين لم نكمل مسيرتهم، ولم نتحقق من فرضياتهم التى لا تزال فاعلة حتى الآن.. ولم نلتفت إليها ومسألة علاقة التعليم بالثقافة.. لا بد أن نفرق بين التعليم والثقافة.. والتعليم.. معرفة منظمة تهدف إلى منتج، هذه المعرفة المنظمة تخرج طبيباً وكيميائياً ومهندسا وصحفيا، وفى النهاية قد يكون أى من هؤلاء إرهابيا.. لماذا ! لأنه ليس مثقفا ويقابلنى العديد من الأساتذة الكبار يتباهون أنهم لم يقرأوا كتابا، نسأل أنفسنا بصراحة من المسئول عما حدث فى سيناء التعليم أم الثقافة ؟ من كان يصمم القنابل ويضع الفخاخ هو إنسان متعلم.. لكنه ليس مثقفاً.
إذن الثقافة هى المسئول، «غياب الثقافة» هو المسئول عما حدث.
والثقافة التى ملأت فجواتها «الجماعات المتطرفة»، الآن تملأ السوشيال ميديا ومحتواها هذه الفجوات التى تتركها، الثقافة إذن خطيرة جدا وفى غاية الأهمية.
محور آخر يتعلق بعلاقة التعليم والثقافة، انظمة التعليم لدينا الآن تكرس لفكرة الطبقية، بمعنى أن دارسى الطب والهندسة أكثر رقياً وأهمية من غيرهما، مع ان المدرس مهم جدا، ولكن هناك نظرة دونية نحوه لأن اجره متدنى ونحن نريد أن نحدث انقلابا هرميا فى مسألة التعليم، وهذا هو دور الثقافة فى تطوير التعليم لماذا لم يتبق من التاريخ الذى كان يعيش فيه «طه حسين» والعقاد غير هؤلاء، بالطبع كان هناك عظماء كثر فى ذلك الوقت، لكنهم بقوا لأن الثقافة أمسكت بهم التعليم مفيد للثقافة بدون شك، لكن لابد أن يعاد النظر فيه مرة أخرى، وأن يكون التعليم حقيقيا.
> الجمهورية: المشروع الثقافى المصرى نتحدث عن أسماء كبيرة، عصر محمد على ومشروعه ورفاعة الطهطاوى والفترة شبه الليبرالية ثم فترة عبد الناصر كيف ينجح مشروع مصر الجديدة الثقافى؟
>> د.جمال شقرة: هذا سؤال صعب جدا، نحن فى مرحلة تتعرض فيها الثقافة فى مصر لأزمة حقيقية وكان لدينا مشروع ثقافى حقيقى فى الفترات التى اشرتم اليها، ولكن هناك أزمة ما حدثت للثقافة المصرية، وانا استخدم هنا مصطلح الثقافة هى طريقة حياة شعب لدينا مشكلة حقيقية، غياب تحقيق المعادلة بين التراث وبين المعاصرة، نحن نعانى إلى الآن من هذه المشكلة، فنحن غير قادرين على ربط التراث بالمرحلة المعاصرة ونحن نعانى من أزمة، وفى زمن صراع تتعرض له الهوية والثقافة المصرية، سبب ذلك.. ما أدى بنا للسلم الهابط ولماذا لا توجد قامات مثل نجيب محفوظ وغيره فى كل المجالات.
عندما بدأنا العمل فى موقع رئاسة الجمهورية على موسوعة «عظماء وعظيمات مصر» كان لدينا انبهار من كل الأسماء وفى الفترة الحالية وبدون جلد للذات، لدينا مشكلة ناجمة عن غيبة دور مؤسسات التنشئة الإجتماعية والأسرة المصرية التى لا تقوم بدورها فى إرساء القيم أو استلهام الخبرات التاريخية من التراث، ولذلك هناك قطيعة بيننا وبين التراث، يجب أن نعترف بذلك هناك دولة تبذل جهداً.. وقيادة لديها رغبة فى الارتقاء بالثقافة ونخبة تحاول، لكن هناك قطيعة بالنسبة للتعليم، أعتقد أن ما مر به التعليم المصرى على مر العقود الماضية أمر سيئ فعلا على جميع مستوياته سواء فى المدارس أو الجامعات قد تصادف أستاذاً جامعياً يدرس منهجاً بحث علمى وهو يضع حجابا فى جيبه، أو تصادف شخصاً يقود سيارة فخمة جدا ويرمى قمامة فى الشارع.
أيضاً نظام التعليم الطبقى يهدد المجتمع المصرى، أغلب المؤسسات مقصرة ولا تقوم بدورها.. إلا محاولات هنا وهناك لكن فى النهاية من يستطيع ان يصل للشباب!.. طالما كان لديّ يقين أن مصر لديها معدة هاضمة للحضارات الآخرى وليس هناك من يقدر على التأثير على هويتنا، لكنى فى اللحظة الراهنة أخاف على هوية مصر، لابد أن نعترف أن اللغة العربية مهددة، وأن القيم الموروثة الموجودة فى جيناتنا مهددة ايضا.. قيم ارتباطنا بالأرض مهددة وما يحدث فى مصر الآن لمقاومة ذلك، هى جهود فردية، وانا ايضا أعيب على النخبة انفصالهم عما يحدث، وأوجه الاتهام لمرحلة ما بعد الانفتاح الاقتصادى والتمحور حول الأنا والذات، والإنحدار الرهيب الذى حدث بعد ذلك ولذلك لابد أن نلتف حول مشروعنا الثقافى.
لا يمكننا الرهان على الشباب الحالى، لأن عيونهم فى الخارج تماما وقدمنا مشروعاً بالتعاون مع هيئة الكتاب ود.أحمد بهى الدين اسمه «مقولات عن مصر»، جمعنا خلاله مقولات عن بلدنا، لا يمكن أن تتخيلوا ماذا يقول العالم عن مصر وتلك مفارقة يجب أن نقدم ذلك للشباب، وأن تنشأ علاقة بين التراث والمعاصرة، ونقدم ذلك فى صورة راقية.
> الجمهورية: الشباب المصرى لديه قبول واستعداد، يحتاج لثقافة لتثبيت الهوية، التقصير من الجميع اتهام واضح للمثقفين أنهم تخلوا عن دورهم، اتهام واضح لمؤسسات التنشئة والمؤسسات الثقافية كيف نعيد أدوارهم؟
>> د.عادل ضرغام: فى ظنى أن الإشكالية التى نعانى منها الآن هى كيف ننظر إلى الهوية؟، وهل نحن لدينا فعلا اشكالية فى الهوية المصرية، وهل الهوية لها سمات دامغة مستمرة طوال الوقت، ام هى هوية مرنة.
هل هى اللغة.. هل هى الدين ؟ أنا أعتقد أننا يجب أن نخلص هذا المفهوم من كل الأساسيات التى تربطه بها وجعلها أصيلة فى الهوية..الهوية ليست شكلاً صلباً، هى متغيرة من فترة لأخرى، وهناك أجزاء ثابتة، وهناك أجزاء يمكن ان تعلق بها ويظن المراقبون أنها جزء منها بينما هى ليست فى حقيقة جوهرها فى الهوية المصرية هناك روح يجب أن تستمر من الماضى البعيد حتى اللحظة الراهنة ونحن ليس لدينا إشكالية فى فكرة الهوية مطلقا، لأننا ليس لدينا انتماءات عديدة، كلها أشياء تخص اختلافاً فى الدين وليس لدينا مذهبية بشكل واسع، وإنما أمور بسيطة وليس لدينا إنقطاع عن هويتنا، صحيح إنه موجود فى اللحظة الراهنة لدى بعض الشباب، لكنه ليس انقطاعاً مخيفاً، وإنما يمكن استعادته نحن لسنا مثل البلدان التى خسرت رهانها مع تاريخها، التاريخ المصرى ممتد من الأزل حتى الأن، قد يقل فى لحظة من اللحظات لكن مصر على امتداد الزمن لم تخسر روحها ولا علاقتها بماضيها.
الاشكالية تكمن أننا كمجتمع لم نعد قادرين على صناعة النماذج كما كنا فى الستينات والسبعينات، كنا بارعين فى صناعة النماذج البشرية، فى كل مجال كان لدينا نموذج يمكن تطبيقه عبد الحليم حافظ، أم كلثوم، طه حسين وعشرات غيرهم لكننا الآن، ولا أعرف لماذا فقدنا القدرة على صناعة النموذج المصرى، فى النصف الأول من القرن العشرين كان لديك نماذج فاعلة فى كل مجال وعلى الدولة ان تهتم بالثقافة، نعلم ان الاقتصاد أولوية لكن الثقافة مهمة ورئيسية يجب ان يكون هناك اهتمام مواز مع كل الأشياء الأخرى لدينا المشروع الثقافى، المرتبط بالجمهورية الجديدة لكن هناك غياب التوجيه فى ظل من يتربصون بهذا المشروع.
كيف يمكن أن تحل مشكلة الثقافة ! الأزمة فى الأساس أزمة وعى، وحضور الوعى فى أى إشكالية هو إدراك لطبيعتها، والطريقة التى يمكن ان تحل بها وكذلك لدينا غياب للتفكير المستقبلى، فدائما لا يأتى الحل قبل أن تحدث الأزمة، وهذا يعتبر خطرا عظيما ويجب أيضا أن نعتنى بالذاكرة الوطنية لأن ذلك يحل لنا مشكلات عديدة، فكرة الانقطاع عن التاريخ والتراث التى نجدها فى بلدان عديدة فى المنطقة لن تكون موجودة فى وجود الذاكرة الوطنية وتوعية النشء بالنماذج العليا فى ماضينا، نستحضر هذه النماذج فمثلا.. لماذا نستحضر «طه حسين» فى حياتنا دائما، وكأن كتابه مستقبل الثقافة فى مصر، يطرح نفس الإشكاليات، وكأننا لم نتحرك خطوة واحدة للأمام فى حل إشكاليات التعليم والحياة والثقافة والمشكلة ليست الثقافة وحدها، التعليم ايضا يواجه مشكلة، أنت لا تستطيع أن تفصل ما هو ثقافى عما هو تعليمى.
حين أدرس للطالب «صلاح عبد الصبور» أو «السحار»، ولا اتوقف عند اللحظة الآنية، يعتبر ذلك انقطاعاً، الطالب يجب أن يكون واعيا بمنتج اللحظة الحالية و الإشكالية هنا لا ترتبط بالمثقف فقط ولا بالمؤسسة الثقافية ولكنها ترتبط بإشكاليات عديدة والتعليم ايضا يتحمل جزءا من المشكلة، لأن يدرس للطالب تاريخا قديما وادبا قديما، فهذا تغييب للحظة حضارية نحن نعيشها الخوف من انقطاع الذاكرة، متى تنقطع الذاكرة !
عندما نتحدث عن شعر التفعيلة، جاءت أجيال عديدة بعد جيل السبعينيات، لم يشر إليها احد.
يجب ان نعيد فكرة «صناعة النموذج البشرى «، نتحدث الآن عن تسويق الثقافة، كيف نسوق منتجا ليس موجودا، أو لم تسهم فى صناعته، مصر كانت مبدعة فى صناعة النموذج، وفقدت ذلك على مدى عقود كيف نحل إشكالية مثل «الإرهاب» مثلا، هل تحلها الثقافة بمفردها !، لا يمكنها ذلك.
لدينا الآن مشروع ثقافى جيد يتشكل.. كيف نروجه.. هذا مهم فى ظل العالم المتحم بالحروب والصراعات.. المشروع المصرى يمكن أن يلعب دور كبير فى نشر السلام والحوار.
وكيف نحمى اطفالنا من هذه التوجهات ! هل تحلها الأسرة بمفردها، ام التربية والتعليم أم وزارة الشباب ام الثقافة، يجب أن يكون كل ذلك فى إطار عام.. هناك إشكاليات لا يمكن حلها إلا بتعاون كل المؤسسات والنخبة والشباب.
وبالرغم من كل مخاوفنا، فى ظنى أن هناك لحظة فارقة يمكن ان تعيدنا إلى روحنا وتاريخنا وماضينا ايضا.
الدكتور جمال شقرة: لديّ تعليق على فكرة صناعة النموذج.. أريد ان أقول إننا لسنا نعيش فى ظل جمهورية جديدة فقط، وإنما نعيش ولادة شخصية جديدة بما تحمله من سمات جديدة.
ومن خلال دراسة قمت بها، لم يعد كلام جمال حمدان، ولا ميلاد حنا ولا طه حسين ولا شفيق غربال أو أى ممن كتب عن الشخصية المصرية ينطبق على الشخصية المصرية الجديدة المغايرة.
شخصية الشباب الآن فى طبقات مختلفة بعيدة عن الشخصية التى تتسم بالذكاء والالتصاق بالأرض والقدرة على الصبر والتحدى واحترام الكبير.. خمس عشرة سمة موجودة فى الشخصية المصرية مقارنة بالشباب الذى أراه مقارنة بالشباب القديم الذى نعرفه، نجد الشخصية القديمة تتلاشى لأنه إلى جانب الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعى وغيرهما يتكون لدينا شخصية مصرية جديدة، من الممكن أن يكون بها إيجابيات لكن بها سلبيات كثيرة أيضا، لابد أن نتعامل معها سريعاً.
إذا لم ننتبه لذلك، ونتعاون معا أسرة ومسجداً وكنيسة وتعليماً وإعلاماً، لنغزو نحن أيضا الميديا لنحافظ على أولادنا، وأن نحقق المعادلة الصعبة بان يكون لدينا معاصرة للتراث، وعدم وجود انقطاع بين الحاضر والآنى.. أعتقد أننا إذا لم نفعل ذلك سيكون الشباب الجديد فى خطر، خاصة قضية الانتماء، وهذا يعيدنا إلى ما ينادى به الرئيس بالاهتمام بالشباب وبناء الوعى.
> الجمهورية: فى رأيك لماذا لم نستطع أن نتجاوز نجيب محفوظ أو كتاب مستقبل الثقافة لطه حسين، فى ضوء نماذج الشباب الذين تتعاملين معهم أين العيب ؟
>> د.زينب فرغلى: فكرة الصراع والثقافة.. كلاهما يمكن ان ينتج الآخر فمن خلال الصراع تتولد أفكار ومبادئ جديدة، والثقافة تولد صراعا.. فأنت كوطن قد تكون مستهدفاً فقط من أجل ما تحمله من حضارة وثقافة ومن وجود، نستطيع أن نقول ان الصراع قد يولد ثقافة مغايرة وهذا ما يحدث لنا الآن ونتحدث عنه.
هذا الصراع أوجد جيلا مختلفا فى المنطقة العربية ولو حددنا المسألة أكثر، لقلنا إنها أنتجت جيلا مختلفا فى مصر.. الطالب الجامعى الآن يختلف عنه منذ خمسين عاما، نحن نتحدث عن فجوة كبيرة جدا صنعها الصراع داخل الوطن، هل استطاعت المؤسسات أن تنتج شابا يستطيع أن يعيش بالثقافة المصرية فى ظل هذا الصراع.. الإجابة لا وأنت مستهدف من الخارج بالقضاء على الهوية ليست هوية مصر فقط، بل الهويات الوطنية والتعامل تحت هوية واحدة، العالم يريد هوية واحدة.. هو يصنع هوية، ووضع مؤسسات وأنظمة للقضاء على الهويات الموجودة داخل الوطن..
من الأمور التى أثرت على الهوية، وقسمت المجتمع لنصفين هى المدارس الدولية، قضت على فكرة الهوية، وبالتالى لا نستطيع أن نعيد الهوية كأفراد، يجب أن تعاد كمؤسسات تعمل لإعادة الهوية للشعب المصرى، إلى الجيل الجديد الذى سوف يملك زمام الأمور فى المستقبل.
نحن لم نصنع جيلا يستطيع أن يحمل الوطن فى المستقبل، لأننا لم نستطع أن نعلمهم ان يتحملوا الوطن فى أزماته والجيل الحالى يتعرض لحرب هدفها صرفه عن الوطنية والا تكون لديهم فكرة الانتماء للوطن، المؤسسات تساهم فى ذلك، المنظومة التعليمية والثقافية هى من أوجدت فكرة الفجوة بين المؤسسة والجمهور على مدى عقود. الهوية ايضا محاربة من الخارج، الذى صدر لنا فكرة الإرهاب.
لماذا لم يتقبل الغرب الإسلام رغم أن جميع الأديان وجدت فى الشرق ولم توجد فى الغرب.. لأن الإسلام أراد بناء منظومة تحوى العالم كله، وهذا يتعارض مع الفكر الغربى، هو يريد الهيمنة، ولتحقيق الهيمنة يجب أن تكون الأمم ضعيفة لا تملك الثقافة ولا الفكر ولا الهوية.
نحن لدينا هوية قوية عليه أن يكسرها، ويسعى لذلك.. الاستعمار لم يخرج من بلادنا، هو موجود فى كل مؤسسة تساهم فى إضعاف فكرة الهوية.
كلمة أخيرة
د. بهى الدين:
معرض القاهرة الدولى للكتاب نموذج فاعل فى الحالة المصرية وعندما تم اختيار العالم المصرى «سليم حسن «كاتب وعالم المصريات شخصية المعرض لم يكن هذا مصادفة وإنما لأنه كان يبحث فى مفردات الحضارة المصرية وجذورها.
ناصف:
التنوع الثقافى فى صالح مصر وقوتها الناعمة ولذا عندما يجتمع ابناؤنا من كل هذه المحافظات فإن الفوارق تذوب ويكون الانتماء للكل
د. جمال شقرة..
هناك تذويب الهوية المصرية فى المدارس الدولية، هى مدارس لا تدرس التاريخ المصرى، ولا تؤمن بالعلم المصرى.. هى جزء من العولمة .
هناك طبقية فى الشباب ما بين المدارس الحكومية والدولية، وذلك أمر خطير جدا، هناك أمر خاطئ فى التعليم.. يحاول الوزير حالياً اصلاحه بقرارات يجب أن نساندها لأنها تحمى الهوية.. نحتاج أن نقف عند التعليم، وعلى الأسرة المصرية نفسها أن تعيد التفكير فيما يحدث.. وفى هذه الشيزوفرينياالفكرية .
اللغة العربية مهددة.. الثقافة المصرية والهوية مهددة، وهناك مؤامرة علينا.
د. مسعود شومان..
أحلم بدعم أكبر للمؤسسات الثقافية، هناك مؤسسات ليس لها علاقة بالثقافة رأسمالها أكبر من المؤسسات الرسمية، وبالتالى هى تسوق لنموذج إبداعى ونقدى وثقافى يخصها.
المؤسسات الثقافية الحكومية بحاجة لدعم كبير جدا على مستوى البنية والأنشطة.
د. أحمد بلبولة..
هذا سؤال قدمته فى مجلس الكلية، هل نملك شجاعة تدريس الطب باللغة العربية !
تدرس الطب والسياحة الطبية فى كوريا الجنوبية اللغة الكورية..
نحن نعيش حالة من المرايا المتداخلة وتخرج طالبا مهووسا، يدرس باللغة الإنجليزية «لغة لا يعرفها» أمور لا يعرفها.
والحل لابد من توحيد لغة التعليم.. لن يكون لنا دور فى الذكاء الإصطناعى إلا إذا وجدت اللغة العربية فى محتواه .
اللغة العربية ليست لغة، وإنما أداة اكتساب معرفة .
فيما يخص الثقافة نحتاج لبناء نسق للدولة فى الثقافة المصرية، أى لا تصبح حركة عقول حرة، نحن نريد مثقفين بمعايير.
د زينب فرغلى..
البداية دائما من التعليم إذا صلح أمره من الأساسى إلى الجامعى، سوف يتحسن حال الثقافة والهوية ونعود كما كنا وأكثر.
د عادل ضرغام.. النماذج الكبيرة التى تحدثنا عنها نتائج تفوق فردى «مثل مجدى يعقوب وغيره» هى نماذج فردية لم نشارك فى صنعها .
أنا أتحدث عن نماذج كانت مصر مشغولة بصناعتها فى فترة من الفترات التاريخية.
والسؤال هل يخلو عصر من وجود نماذج ! مستحيل نحن 120 مليون نسمة، بالضرورة سيكون هناك نماذج، فى أى مكان ستجد شخصا مصريا مبدعا .