اكتشف نفسك وأنت صائم.. فرمضان فرصة لصفاء الأرواح والتحلى بالصبر وقوة الارادة.. وموسم للتصالح والتسامح .. «هلت ليالى حلوة وهنية» كل ما عليك ان تستغلها فى التقرب إلـى اللـه.. وإلـى اهلك.. وأن تجتهد فى عملك.. ولا تقصر تجاه اسرتك ووطنك .. فأمام كل انسان فرصة ليعيد حساباته مع نفسه ومع الآخرين ومع ربه .. يمكنك تغيير حياتك وتبدأ من جديد!!
مع قدوم الشهر الكريم يصعد الخطباء على منابر المساجد ليتحدثوا عن فضائل رمضان.. ويكتب الصحفيون والاعلاميون ويتحدث كبار العلماء فى الصفحات الدينية بالجرائد وفى برامج التلفزيون والاذاعات عن ان الإيمان يهدى إلى أحسن الأخلاق .. وان أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم أخلاقاً.. ويكررون نفس الكلام فى كل عام ومع ذلك للأسف نرى أحوال الشعوب والمجتمعات فى معظم بلاد المسلمين لا تسر وتتجرأ عليهم كل الدول بما فيها إسرائيل التى لا تجد من يوقف عدوانها .. وذلك لان الأخلاق فى انهيار دائم لابتعاد الناس عن دينهم .. وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقى :
انما الأمم الأخلاق ما بقيت.
فان هُمو ذهبت أخلاقهم ذهبوا!!
كتب الله الصيام على المؤمنين لعلهم يتقون.. والتقوى كما عرفها على بن ابى طالب «كرم الله وجهه» هى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.. فالصوم لا يعنى الكسل والنوم والراحة.. ولكن هو الصبر على الشدايد ولزوم التقوى وان تخاف الله فى كل شيء تفعله وكأنك تراه .. وعليك الإخلاص فى العمل كل عمل سواء للآخرة او عملك الدنيوي.. حتى فى وظيفتك فانت وانا وجميع الناس مطالبون بالذهاب إلى اعمالنا مبكراً وأداء واجباتنا الوظيفية على خير وجـه واستقبال المواطنين وإنهاء معاملاتهم كما يجب وبما يرضى الله.. وكذلك علينا أن نراعى أسرتنا وأهلنا وجيراننا.. ونعامل الناس بخُلق حسن.. وأن نراعى أبوينا وأولادنا وزوجاتنا.. ونعطف على الفقراء والمساكين.. ونحب وطننا وندافع عنه وقت الحاجة.. ولنحرص على التخلص من النفاق والرياء ونجعل اعمالنا خالصة لوجه الله .. كل ذلك مع الاجتهاد فى العبادة فى رمضان بالصيام والقيام وقراءة القرآن .. هو الذى يجعلك تصل الى التقوى وتكون بحق قد صُمت رمضان وقمته ايماناً واحتساباً وترجو بذلك رحمة الله وغفرانه !!
جمع النبى صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحُسن الخلق .. فالتقوى تصلح بين العبد وربه وحُسن الخلق يصلح ما بينه وبين الناس.. وعندما امتدح الله نبيه فى القرآن لم يقل له إنك تصوم كثيراً أو تحفظ القرآن أو تصلى حتى تتورم قدماك رغم أن النبى كان يفعل ذلك وأكثر حتى يكون عبداً شكوراً لله وما أنعمه عليه.. ولكن الله قال لرسوله مادحاً .. «وإنك لعلى خلق عظيم».. فالأخلاق الطيبة تؤدى بك للتقوى وإلى أن تكون من المحسنين .. وقـال الله لنبيه «فبما رحمة من الله لنت لهم .. ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».
يتصف الانسان بحُسن الخُلق اذا اتسم بطلاقة الوجه وبكف الأذى عن الآخرين .. ويكون قادراً على التحكم فى أعصابه ولا يكون سريع الغضب ولا يعرف الحسد ولا الحقد ولا الضغينة.. ومشهور عنه الكلام الطيب والحلم على الجهلاء وعدم التلفظ بالبذيء من القول وعدم الغيبة والنميمة ومساعدة الناس والصبر على اذاهم ومقابلتهم بوجه بشوش ورحيماً بالضعفاء منهم وينصف المظلوم ويكرم ضيفه .. كل ما علينا ان يجلس كل انسان منا مع نفسه ويصالحها ويصارحها ونحن فى أول رمضان.. هل يجد فى أخلاقه وطباعه هذه الصفات.. أم يفقد بعضها.. ويعطى درجات من واحد لعشرة لكل خصلة منها وكم يأخذ فى النهاية.. ولا يحزن من النتيجة فأمامنا باقى الشهر لنبدأ باصلاح انفسنا ونعمل بإخلاص وبارادة وعلينا الاستعانة بالله والتوكل عليه.. ونيتنا ان يهدينا سبحانه وتعالى إلى حُسن الخُلق؟!
الاسلام دين التكافل والتراحم والتآلف.. والشعب المصرى لا ينسى الفقراء أبداً خاصة فى المناسبات وبالأخص فى شهر رمضان حيث نجد موائد الرحمن فى كل مكان حتى فى أوقات الأزمات الاقتصادية .. فالخير فى أمة محمد الى يوم الدين.. وهذا العام تتجلى شهامة المصريين وعطاؤهم فى مد أياديهم إلى أهلنا فى غزة الذين يعانون من حرب الابادة الجماعية التى تشنها حكومة نتنياهو العنصرية النازية .. تلك الحرب الوحشية المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضى مما يهددهم بالمجاعة والأمراض والأوبئة فى ظل عالم لا يعرف العدالة ولا الرحمة .. ووسط تخاذل دولى لا مثيل له على مر التاريخ .. لذلك علينا جميعاً الا ننسى الوقوف بجانبهم وبجانب كل البسطاء والمحتاجين والمشردين!!
يمر الشهر الكريم كالريح المُرسلة.. فلا تدع أيامة تتفلت من بين يديك.. فلا تستسلم للكسل والنوم والخمول واضاعة الوقت فيما لا يفيد.. ولتكن ايامة كلها طاعة وصياماً وقياماً ومراجعة للنفس والعمل بجد واجتهاد.. ومهما واجهت من صعاب فى حياتك.. والمت بك المحن فان الرضا بالقضاء والقدر وبما قسمه الله لك كفيل بتحويل ما تعتقد انه شر الى خير باذن ربك.. واذا لم نصبر فى شهر الصبر فمتى سنفعل.
لا تنس ان تشكر الخالق على انك قـادر على الصيام والقيام .. فتلك نعمة لا يعرف قيمتها الا المرضى ومن شاءت ارادة الله ان يُحرموا من القدرة على اداء الفرايض والنوافل!!
الحمد لله ان غالبية تجار مصر يعرفون الله ويراعونة ويتفهمون أوضاع الناس وأحوال البلد ولا يغالون فى مكاسبهم.. ويراعون حُرمة الشهر الكريم.. ولكن تبقى قلة من التجار المحتكرين والجشعين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية لجنى الأرباح الخيالية على حساب الغلابة والمطحونين.. وهؤلاء اذا لم يخافوا الله و يتعظوا بالصيام وحكمته .. فلن يوقفهم عند حدهم سوى الحكومة التى تتلخص الخطوات المطلوبة منها فى تشديد الرقابة على الأسـواق وضبط الأسعار ومحاصرة المحتكرين ومتابعة يومية دقيقة لكل المخابز والمتاجر للتاكد من سعر الخبز وحجم الرغيف واسعار السلع والمنتجات التى اصبح سعرها يتغير فى اليوم الواحد أكثر من مرة .. ثم على الحكومة ايضاً اعادة رسم السياسة المالية مع عدم السماح بعودة السوق الـسـوداء للتعامل بـالـدولار والعمل على زيادة الانتاج والتصدير لعودة الاستقرار للسوق لان ارتفاع الدولار سيزيد من معاناة المواطنين.. اهم خطوة هى ضبط الانـفـاق العام والتقشف مع ترتيب الأولـويات.
ياليتنا جميعاً نتعلم ان رمضان شهر صوم وصبر وعمل .. ولكن للأسف عند البعض هو شهر نوم وكسل ومشاهدة التمثيليات واسراف فى الأكل .. على كل مواطن ان يحاول تغيير عاداته الاستهلاكية وان كان معظم الناس بصراحة قد أجبرتهم الأزمات المتتالية على التقشف ولم يعودوا يشترون سوى الضروريات التى تقيم أودهم وأغلبهم يعيشون على الكفاف.
حــاول بقدر استطاعتك الا تضيع منك لحظة من رمضان دون ان تقضيها فى طاعة او صلة رحم او عمل يقربك من الله.. صحيح اننا فى اوائل ايام الصيام.. ولكنه شهر كريم يمر كالريح المرسلة.. وفجأة تجد نفسك فى اواخره وتسمع اغنية «يا ليلة العيد».. وعندها اذا لم تكن قـد انتبهت فستكون قد خسرت الكثير.. فاليوم الذى يمر لا يعود .. ولو فاتك رمضان قد لا تدركه مرة اخرى .. وعندها لا تلومن الا نفسك !!