يبدو أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي قد وصل إلي محطة النهاية وكل ما نشهده الآن ما هو إلا إجراءات الانتقال إلي محطة جديدة بقواعد جديدة، لقد انتهت مرحلة بريتون وودز بكل تفاصيلها ونحن علي أعتاب الدخول في اتفاقات جديدة قيد المفاوضات التي تتخذ صورا غير تقليدية من الحروب التجارية، بيد أن عودة المعدنين التاريخيين الذهب والفضة إلي المشهد ومعهما العملات المشفرة مثل البيتكوين هو خصم مباشر من رصيد الدولار الذي وصل إلي سن الشيخوخة.
>>>
فالبنك الدولي ومجموعته ومعه الصندوق خرجوا من رحم بريتون وودز والتي خرجت بدورها من بين وثائق المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وصلوا كذلك إلي سن التقاعد والشيخوخة بعد ثمانين عاما من العمل، اليوم يجتمع كل هؤلاء في واشنطن يتدارسون فيما بينهم بنود أجندة الاقتصاد العالمي وتحدياته في عصر الذكاء الاصطناعي وذوبان فكرة العولمة وسقوط الرأسمالية بمعتقداتها الكلاسيكية ومعها كل أشكال الليبرالية ومتحوراتها.
>>>
يجتمع المجتمعون ويتحركون في العاصمة الأمريكية علي أطراف أصابعهم ويتهامسون فيما بينهم حول قضايا الكوكب لكنهم لا يجرءون علي فتح ملفات بعينها كملفات المناخ وحرية التجارة ومواجهة الأفكار الحمائية وذلك خوفا من غضب ساكن البيت الأبيض الذي يمسك بيده اليمني معولا يضرب بها ثوابت وقواعد الرأسمالية وبيده اليسري مطرقة يهدم بها تابوهات العولمة والحريات المزعومة، رئيس مجموعة البنك الدولي الهندي الأصل أجاي نشر في الصحف الأمريكية مقالا أراه شديد الأهمية حول مناخ الاستثمار كما ينبغي ان يكون وقال،
>>>
«لا تتدفق الاستثمارات الخاصة إلا عند تهيئة الظروف المناسبة ووجود احتمالات واضحة لتحقيق العوائد المرجوة لقد وُلد البنك الدولي من رحم التصميم الإستراتيجي المدروس لأغراض محددة وليس بدافع الإيثار، هذه الأغراض شكلتها المصالح الأمريكية بهدف تهيئة مشهد اقتصادي عالمي ملائم لاستثمارات القطاع الخاص. نعم لم يكن إنشاء البنك الدولي عملاً خيرياً بل خطوة محسوبة بدقة لتعزيز النمو الاقتصادي والحفاظ علي الاستقرار. لكن مع الوقت، تطورت رسالتنا، وتوجهت في بعض الأحيان إلي تعزيز الجهود الإنسانية».
>>>
وخلال العامين الماضيين من الإصلاح، أعدنا التركيز علي رسالتنا الأساسية وهي: دفع عجلة التنمية، والحد من الفقر. ولقد وجدنا أن تحقيق ذلك يتطلب أن يكون القطاع الخاص طرفاً فاعلاً ونشطاً في المشهد الاقتصادي، وهذا الأمر أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضي.
غير أن هناك سؤالاً يُطرح مراراً وتكراراً في البلدان النامية والمتقدمة وهو: كيف سيكون المستقبل، ولماذا يتوجب علينا الاستثمار فيه؟ إنه تساؤل عادل ويجب الإجابة عليه بالأفعال وليس بالكلمات، فهو يحمل في طياته رغبة قوية في أن تحقق التنمية ليس أثراً إيجابياً فحسب، بل أيضاً فرصة حقيقية وقدر أكبر من الأمن والأمان للجميع.
يقوم النهج الذي نتبعه علي توفير فرص العمل وجعل ذلك هدفاً صريحاً لنا.
>>>
فالوظائف هي أكثر الطرق فاعلية في بناء اقتصادات قادرة علي تحقيق الاكتفاء الذاتي، والحد من الاحتياجات الإنسانية، وخلق الطلب علي السلع. كما أنها تعزز الاستقرار العالمي من خلال معالجة الأسباب الجذرية للجريمة وأوضاع الهشاشة والهجرة الجماعية.
وهدفنا الأسمي هو مساعدة البلدان علي بناء قطاعات خاصة ديناميكية تحوّل النمو إلي وظائف وفرص عمل محلية. لا يعني ذلك نقل العمل من البلدان المتقدمة، بل إطلاق الفرص في المجتمعات التي يعيش فيها الناس.
>>>
علي مدار 80 عاماً، ساهم رأس المال المدفوع بقيمة 29 مليار دولار للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذراع الرئيسية لمجموعة البنك الدولي لإقراض البلدان النامية، ولمؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، الذراعين المعنيتين بالقطاع الخاص، في تعبئة حوالي 1.5 تريليون دولار من أجل التنمية. هذا يعني أن كل دولار استثمرناه حقق عائداً زاد علي 50 دولاراً. وبالنسبة لأشد بلدان العالم فقراً، تقدم المؤسسة الدولية للتنمية المنح والقروض منخفضة التكلفة.
>>>
ويحقق كل دولار يتم التبرع به عائداً مضاعفاً يصل إلي 4 دولارات. وهذا من أفضل الاستثمارات في مجال التنمية بالنسبة للحكومات ودافعي الضرائب والعالم بأسره.
جدير بالاعتبار أن بلدان العالم النامية هي موطن الجيل القادم من العمال ورواد الأعمال والمبتكرين، وإذا تم دعم هذه المزايا الديمجرافية والاستفادة منها علي نحو صحيح، ستساهم في دفع عجلة النمو العالمي لعقود قادمة. فهذه البلدان تمتلك موارد طبيعية وفيرة لدعم الصناعات وتوفير الطعام والمواد الغذائية لبلدان العالم وإحداث تحول نوعي في الاقتصادات.
>>>
فالتنمية لا تستهدف الحد من المعاناة فحسب؛ بل تستهدف أيضاً الاستفادة من هذه الموارد الهائلة غير المستغلة.