الإخلاص وحسن المراقبة لله عز وجل من أخص صفات المؤمن بصفة عامة ومن أهم خصائص شهر رمضان الكريم بصفة خاصة، فإن الله «تعالي» لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم، حيث يقول سبحانه: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» «البينة: 5»،لاسيما فى الصوم، حيث قال الله «تعالي» فى الحديث القدسي: « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ»»صحيح البخاري».
ورسخ الإسلام مبدأ المراقبة فى نفوس المؤمنين من خلال آيات كثيرة فى القرآن الكريم، منها قوله «تعالي»: «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» «الحديد: 4»، وقوله: « يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ» «غافر: 19»، وقوله: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ» «الأنعام: 59»، فأى ورقة فى برٍّ أو بحرٍ لا تسقط فى أى زمن من الأزمان، ولا فى أى مكان من الأمكنة إلا هو يعلمها .
والمراقبة لله «تعالي» هى أعلى مقام للعابدين «مقام الإحسان»، بأن تعبد الله «تعالي» كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فعلى العبد أن يحرص أن لا يفتقده الله حيث أمره، ولا يراه حيث نهاه، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم» : «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله فى ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ الله تَعالي، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فى المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فى الله: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّى أَخافُ الله، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ الله خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ««صحيح البخاري».
ويقول الحق سبحانه : «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» « الكهف :110»، ويقول سبحانه فى الحديث القدسى : «أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِى غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ» « صحيح مسلم»، ويقول نبينا الكريم «صلى الله عليه وسلم»: «إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ فى النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ فى النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فى النَّارِ» « صحيح مسلم».
على أن هذه المراقبة التى نتعلمها ونحرص عليها فى صومنا يجب أن تكون منهج حياة لنا فى سائر عباداتنا ومعاملاتنا: بيعًا وشراء، صدقًا وأمانة، ووفاءً بالعقود والعهود، وفى جميع حركاتنا وسكناتنا، فى سرنا وعلننا.