وسط أجواء احتفائية في المسرح المكشوف في ساحة معبد مدينة الأقصر المصرية؛ وضع مهرجان الأقصر للشعر العربي اللمسات الأخيرة على فعاليات الدورة التاسعة، التي أقيمت تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ونظمتها دائرة الثقافة في الشارقة ووزارة الثقافة المصرية على مدى أيام 4 أيام، بمشاركة أكثر من 100 شاعر، وناقد، وأكاديمي، وأديب، وفنان.
حضر حفل الختام سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، واللواء أحمد أبو زيد مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، ود. محمد حساني مدير مكتبة مصر العامة، مدير مركز الأقصر للتراث الحضاري، وحسين القباحي مدير بيت الشعر، وعدد كبير من الجماهير التي توافدت إلى مقر الحفل احتفاءً بالشعر ومبدعيه.
“مكانة ثقافية”
وألقى القباحي كلمة رحّب في بدايتها بالحضور، مؤكداً أن الأقصر، إلى جانب اعتبارها مدينة تاريخية وآثارية مهمة، فهي أصبحت تحظى بمكانة ثقافية بارزة انطلاقاً من رعاية صاحب السمو حاكم الشارقة لبيت الشعر، مضيفاً في السياق نفسه”وسموّه منحنا هذه الفرص النبيلة، وفتح لنا آفاقاً واسعة من الاطلاع على المشهد الثقافي والإبداعي المصري، وأتاح للمبدعين وللشعراء بشكل خاص أن يقولوا كلمتهم”.
ولفت القباحي أن مصر تعيش عرساً ثقافياً في كل عام يتمثّل بمهرجان الأقصر للشعر، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من المبدعين ممن نشأوا في البيت أصبحوا نجوماً يقودون المشهد الثقافي، مؤكداً أن البيت يوسّع أنشطه مع كافة المؤسسات المصرية الرسمية، ويسعى للعناية بالمشهد الثقافي في مصر.
وأبرز أن السنة العاشرة في عمر البيت ستكون مختلفة ومتجددة بعد تراكم كبير من الخبرات والمعارف، حيث سيسعى للدخول بشكل أكثر عمقاً في الجامعات والمدارس بهدف إعداد أجيال قادمة، موضحاً أن البيت يرغب في زيارة المحافظات التي لم يصلها من قبل، سعياً للتفاعل مع المشهد الثقافي المصري بشكل كامل.
العويس: التعاون يساهم ويعزز التفعيل الثقافي
“تعزيز ثقافي”
وفي كلمة ختامية، ثمّن العويس تجلّي معاني التعاون بين بيت الشعر ومحافظة الأقصر ممثّلة في مؤسساتها الثقافية والأكاديمية ( كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصر)، ومكتبة مصر العامة، وغيرها من المؤسسات الفاعلة في الساحة الثقافية المصرية، مؤكداً أن هذا الفعل (التعاون) يعمل على إنجاح التفعيل الثقافي لبيت الشعر، ويعزز الحركة الثقافية في مدينة الجنوب المصري، وكافة أنحاء مصر.
وأبدى رئيس دائرة الثقافة اعجابه بجمهور الشعر الذي واكب فعاليات المهرجان على مدى 4 أيام، قائلاً :”تحية حب نوجّهها الى جمهور الشعر في الأقصر، الوفي بطبعه للكلمة، والمتذوق للشعر، والتحية موصولة بتقدير إلى شعراء مصر الذين خاطبوا الجمهور بقصائد مطرزة بخيوط أحلامهم وتطلعاتهم”
حساني: بيوت الشعر حالة ثقافية تشكل وحدة عربية
“وحدة ثقافية”
وأكد حساني أن رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة بإنشاء بيوت الشعر في الوطن العربي، ومنها بيت الشعر في الأقصر، شكّلت حالة ثقافية فارقة، وأنتجت وحدة ثقافية عربية انطلاقاً من فكرة بيوت الشعر الرائدة.
كما قال حساني في كلمة إن التعاون متواصل بين مكتبة مصر العامة وبيت الشعر من أجل إثراء العملية الثقافية وتنمية المواهب في الأقصر، وجنوب الصعيد، واصفاً البيت بـ”الذراع اليمنى” للمكتبة بدعمه المستمر لهم للتحرك في العمل الثقافي، مؤكداً أنها شراكة يعتز بها وتشكل أهمية كبيرة، مبرزاً المكتبة ستشهد خلال الفترة المقبلة تعاوناً أكبر يثمر عن عديد الفعاليات للبيت.
“نقطة ارتكاز”
شكّل المهرجان في دورته التاسعة نقطة ارتكاز ثقافية في الأقصر، إذ تجمّع نخبة من الشعراء والأدباء والأكاديميين والفنانين المصريين من 23 محافظة مصرية، معمقّا بذلك رسالة بيت الشعر في إنتاج مشهدية ثقافية تسعى إلى المحافظة على تراث عربي أصيل هو الشعر.
وحَفِل اليوم الأخير من المهرجان في جلستين شعريتين مميزتين، بدأت أولاهما على ضفاف نهر النيل حيث عانقت القصيدة روح الطبيعة، فيما كانت الثانية في المسرح المكشوف في ساحة معبد الأقصر، حيث امتزج الشعر بجذور المكان الأثري التاريخي.
وشهدت أمسية الختام مشاركة ستة شعراء، هم: عزت الطيري، ومحمود شرف، وحاتم الأطير، ووليد الخولي، وعلاء الدين رمضان، ومصطفى جوهر.
وعلى ضفاف النيل كانت أمسية شارك فيها: أحمد عنتر مصطفى، والسيد خلف أبو ديوان، وجمال القصاص، ومحمود بلال، ومحمود سلام أبو مالك، وهشام زغلول.
قدّمت الأمسيتان الختاميتان مزيجاً من التجارب الشعرية، متنقلةً بين صفحات الماضي، والحاضر المشدود بخيطٍ رفيعٍ إلى الحكايات المخبوءة في دواخل الشعراء، مدفوعةً (أي النصوص) بالاستعارة والمجاز والالتقاط الفني للصورة، فتمثّلت اللغة في المبنى والمعنى بتشكيلات عمّقت من روح القصيدة.
قاربت الأمسيتان أيضاً بين أجيال شعرية مختلفة، إذ شهدت مشاركة شعراء شباب إلى جانب أسماء أصحاب تجارب قديمة، فتميزت القراءات بتعدد الأصوات، والموضوعات، الأمر الذي ساهم بتفاعل الجماهير مع القصائد التي تنوعت بين الوطني، والغزلي، والإنساني.
وقرأ محمود بلال من قصيدة بعنوان “العازف” يقول فيها:
في ليلة كان وجه الصبح مرتقبي رأيته كان يجلو بقعة العطبِ
في شارع الليل يبني قلبه حرما للتائهين أُسارى في يد التعبِ
تحت الكوانين من أضلاعه صهدت مراجل الفن لا من لوعة الحطبِ
أقصى أمانيه لو أن الزمان يمر مرَّ ضيف خفيف دونما صخبِ
ودون أن يجرح التمثال ناحته بدمعة- رغم صهد الشمس- لم تذبِ.
مشاركون: الشارقة في قلوب الشعراء
“في قلوب الشعراء”
أكد شعراء ومشاركون في مهرجان الأقصر للشعر العربي أن الشارقة حجزت لنفسها مكانة مرموقة في قلوب الشعراء والكتاب في جميع ربوع الوطن العربي، فهي تقدم دعمًا غير مشروط للمثقفين والأدباء، معتبرين بيت الشعر مثّل خلال تسع سنوات دورًا مركزيًّا ومهمًا في خدمة الشعر والشعراء من جميع أنحاء مصر، وربط الشمال والجنوب في انتماء حقيقي للوطن العربي عامة، ولمصر خاصة.
في السياق، قال الشاعر السيد خلف أبو ديوان، إن الشيء من معدنه لا يستغرب، فالشارقة إمارة ترعى الأدب والإبداع والمثقفين، مهما اختلفت ثقافاتهم وتنوعت أفكارهم وأشكال الكتابة عندهم، بما يحافظ على تراث الأجداد، ويواكب روح العصر في تكاملية واعية وعطاءات غير محدودة.
ولفت أن بيت الشعر بالأقصر استطاع أن يربط بين الشمال والجنوب في انتماء حقيقي للوطن العربي عامة، ولمصر خاصة، مقدماً مئات الشعراء والمفكرين والنقاد للمشهد الثقافي، مساعدا عشرات المبدعين، خاصة الشباب، على نشر إبداعهم ومنحهم فرصة حقيقية للانتشار والتثاقف ودخول التاريخ الأدبي من بابه الواسع.
وأشار أبو ديوان إلى أن المهرجان فرصة نادرة لتلاقي الأفكار وتحريك المشهد الثقافي نحو الأصالة والتميز، والاحتكاك المباشر مع تجارب الآخرين، قائلاً “لا شيء أفضل من أن ترى شعراء ونقادا ملء السمع والبصر للمرة الأولى في مكان واحد ولعدة أيام”.
من جهتها، استعادت الناقدة د. نانسي إبراهيم مشاهد مشاركتها الأولى في بيت الشعر قبل سبع سنوات، قبل أن تتوقف عند المشاركة الحالية في المهرجان، قائلة: “بعد هذه السنوات من مشاركتي الأولى، لمست تغيراً جذرياً في بيت الشعر، وفي الحقيقية أقف مذهولة من التطور الملحوظ الذي وصل إليه البيت خلال هذه السنوات القليلة”.
وأشارت إلى أن البيت توسّع على مستويات كثيرة لا سيما في أعداد الشعراء المشاركين في المهرجان، والتنوّع اللافت في الفعاليات المصاحبة للمهرجان على مستوى الشعر والنقد في مشهد يشكل حالة ثقافية متكاملة، وعلقّت في هذا السياق “ما أجمل أن يحضر الشعراء للنقاد، وأن يحضر النقاد للشعراء”.
من جانبه، قال الشاعر أحمد مدني: “مما لا شك فيه أن الشارقة حجزت لنفسها مكانة مرموقة في قلوب الشعراء والكتاب في جميع ربوع الوطن العربي، فهي تقدم دعمًا غير مشروط للمثقفين والأدباء، تبسط أذرعها لخدمة الثقافة والحفاظ على الهوية العربية من خلال بوابة الأدب والفنون”.
وأضاف أن بيت الشعر مثّل خلال تسع سنوات دورًا مركزيًّا ومهمًا في خدمة الشعر والشعراء من جميع أنحاء مصر، متابعاً “برز اسم بيت الشعر راعيًا ومتحركًا حركة فاعلة في المشهد الشعري المصري بالكامل، كان وما زال إضافة نوعية للمؤسسات الثقافية داخل جمهورية مصر العربية بل حجز لنفسه الريادة بالحراك والتنظيم والإدارة الحكيمة”.
بدوره، أكد الشاعر محمود بلال أن الشارقة، بكل ما تقوم به في سبيل الثقافة، مصدر اعتزاز لكل مبدع، ومصدر قوة للإبداع في العالم العربي، معتبراً أن بيت الشعر يشكّل نشاطًا ثقافيًا يتفوق بشكل فارق عن أي نشاط أدبي آخر، وهو الملحوظ لكل صغير وكبير على أرض مصر.
وأضاف :”قبل أن يكون بيت الشعر، كانت خطوة المبدع في مصر على الأرض ضيقةً -وإن اتسعت فنيًا- لكن بيت الشعر خلال تسع سنوات استطاع أن يطوي مسافة أكبر لهذه الخطوة من خلال جهود كبيرة، ليس وراءها إلا رفعة شأن الثقافة والآداب والفن”.
وأشار الشاعر حسني الإتلاتي إلى أن الشارقة قدمت الكثير من الدعم الحقيقي للإبداع العربي ، وأضافت للمشهد المصري عددا لا يستهان به من الأصوات الجديدة أصبحوا نجوما على مستوى الوطن العربي.
واعتبر الاتلاتي مشاركته في المهرجان التاسع أفادته كثيرا حيث قابل رفاق شعراء تعذّر اللقاء بهم بكل الطرق، مضيفاً “قبل أن يفعل ذلك بيت الشعر في أن نجتمع من بقاع مصر المختلفة والمتباعدة في مكان واحد ولأيام عديدة، وهي فرصة لتلاقح الأفكار والتجارب والتفاعل الحي بين أشقاء الحرف”.